مطالبة بوقف “نهب أموال الشعب العراقي”
طالب العراق في اجتماع لجنة التعويضات بالتزام مهلة في نظام التعويضات ومراجعة هذا النظام أمام مؤتمر دولي تشارك فيه جميع الأطراف المعنية بما في ذلك العراق.
الطلب العراقي تم تقديمه خلال الجلسة التي نظرت في آخر طلبات التعويض المقدمة منذ 12 عاما، وكانت مخصصة لتعويض الأضرار التي لحقت بالبيئة في البلدان المجاورة.
حملت كلمة الحكومة العراقية أمام لجنة التعويضات في دورتها السادسة والخمسين (التي اختتمت أشغالها يوم 30 يوينو في جنيف)، الكثير من الانتقادات لعمل اللجنة ولتصرف بعض الدول التي بالغت في المطالبة بتعويضات في حين أنها لم تكن تستند إلى أدلة وبراهين مقنعة.
فقد طالب نائب وزير الخارجية العراقي محمد حمود بيدان، بـ “الالتزام بمهلة في تقديم التعويضات او بمناقشة مستقبل نظام التعويضات في مؤتمر دولي قادم تشارك فيه جميع الدول المعنية بما في ذلك العراق”.
طلب الوزير الذي جاء محتشما، (والذي لم تتح لنا فرصة توضيحه رغم حرص سويس إنفو على مقابلة المسؤول العراقي)، اعتبره جو سيلس، الناطق باسم لجنة التعويضات أنه “من غير الواضح بالنسبة لأعضاء لجنة التعويضات ما إذا كان طلبا رسميا أم لا” ، وأضاف المتحدث أنه “لم تتم مناقشته داخل الاجتماع”.
وأشار الناطق باسم لجنة التعويضات إلى أن “أي اتفاق يصل اليه العراق مع البلدان المطالبة بأكبر قسط من التعويضات مثل الكويت والعربية السعودية هو أمر ثنائي لا يعمل على إلغاء نشاط لجنة التعويضات”. وفي نفس الإطار، تم تحديد موعد الاجتماع المقبل في شهر سبتمبر على مستوى مصغر.
مطالب بقيمة 354 مليار دولار
لجنة التعويضات التي أنشأت قبل 14 عاما بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 لتعويض الأشخاص والمؤسسات والحكومات والمنظمات الدولية المتضررة من عملية غزو العراق للكويت في أغسطس 1990، عقدت هذه الأيام جلستها السادسة والخمسين للنظر في آخر مطالب التعويض المتأخرة وللبت في المطالب المتعلقة بتعويض الأضرار البيئية.
وقد تمتعت لجنة التعويضات بصلاحيات مطلقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، للنظر في أكثر من مليونين و680 ألف طلب تعويض بما مجموعه 354 مليار دولار أمريكي. وعلى الرغم من انتقادات الحكومات العراقية السابقة والحالية لها بالمبالغة في التساهل مع المطالب المرفوعة إليها، إلا أن اللجنة لم تصادق إلا على مبالغ لا تزيد عما مجموعه 52،5 مليار دولار أي حوالي 14،8% من مجموع طلبات التعويض المقدمة إليها.
وبلغ مجموع ما دفعته اللجنة للمستحقين 19،2 مليار دولار متأتية من الأموال المقتطعة مما كان يسمى ببرنامج “النفط مقابل الغذاء”، أي أن الشعب العراقي لا زال مطالبا اليوم بدفع حوالي 33 مليار دولار.
ويبدو أن هذه المسألة هي التي سعى نائب وزير الخارجية العراقي إلى جلب الانتباه لجدولتها او التفاوض بشأنها مع البلدان المعنية حيث أشار في خطابه أمام اجتماع لجنة التعويضات إلى حرص حكومة بغداد الحالية على “التفاوض بخصوص تخفيض ديون العراق المترتبة عن حقبة النظام السابق بما في ذلك مبالغ التعويضات”.
كما ذكر نائب وزير الخارجية العراقي بقرارات الاجتماع الدولي الذي تم مؤخرا حول العراق في بروكسل والذي حث جميع الأطراف على تخفيض ديون العراق. يُـشار هنا إلى أن الكويت لوحدها تطالب العراق بحوالي 41 مليار دولار من التعويضات التي تم إقرارها من قبل اللجنة.
“سرقة أموال الشعب العراقي”
لقد رافق شروع لجنة التعويضات في البت في طلبات التعويض عن غزو العراق للكويت، كثير من التشكيك في أسس عملها سواء من الناحية القانونية او من حيث شفافية اتخاذ القرار خصوصا في ظل غياب مشاركة البلد المعني أي العراق (باستثناء إدلاء ممثل عنه بتصريح في بداية الاجتماع ثم الانسحاب).
وإذا ما يُنظر إلى تصريحات ممثلي الحكومات العراقية السابقة على اعتبار أنها تدخل في إطار الدعاية، فإن مندوب النظام الجديد وجّـه بدوره الكثير من الانتقادات لـ “كيفية تقديم بعض التعويضات بشكل يفتقر للجدية والتدقيق”، حسب رأيه.
فقد أثار نائب وزير الخارجية العراقي محمد حمود بيدان التعويضات التي قدمت لبعض الكويتيين مرتين وذلك ضمن تعويضات في فئات مختلفة، وهو ما اعترفت به الحكومة الكويتية نفسها. واحتج الوزير بيدان على عدم التزام الحكومة الكويتية بإعادة المبالغ الزائدة بتعلة أنه “لا يوجد أساس قانوني لإعادتها إذا لم يرغب الشخص المعني بإعادتها طواعية”. ولذلك لم يتردد المسؤول العراقي في وصف ذلك في مداخلته أمام لجنة التعويضات بـ “سرقة أموال الشعب العراقي”.
ومن بين الأمثلة عن عدم جدية بعض المطالب التي قُـدمـت إلى لجنة التعويضات، مطالبة إيران بحوالي 2،4 مليار دولار كتعويضات عن “الأضرار النفسية المترتبة عن غزو العراق للكويت”، مثلما صرح بذلك ميخائيل شنايدر، محامي الطرف العراقي أمام لجنة التعويضات الذي وصفها بتهكم أنها “أضرار مُـرتكبة عن بعد”.
وهناك أيضا مطالبة سوريا(في إطار تعويض الأضرار التي لحقت بالبيئة) بحوالي 1،2 مليار دولار عن “الأضرار التي لحقت بالآثار السورية”، وهو الطلب الذي لم تقبله لجنة التعويضات.
للتذكير، يُشار إلى قضية أخرى أثيرت أمام لجنة التعويضات في وقت سابق طالبت فيها شركات إسرائيلية بتعويضات عن أضرار غزو العراق للكويت وذلك بالرغم من أنه لم تكن تربط إسرائيل علاقات لا بالعراق ولا بالكويت.
مطالبة واشنطن بتعويضات؟
على صعيد آخر، يثير إصرار الولايات المتحدة (من خلال القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي لحد الآن)، على ضرورة تطبيق نظام التعويضات رغم الأوضاع المأساوية التي عانى منها الشعب العراقي طوال اثني عشر عاما من الحصار، ومنذ الغزو الأمريكي البريطاني للبلاد منذ 20 مارس 2003، دعوات من بعض الأطراف بضرورة المطالبة بتعويض العراقيين عن الأضرار التي لحقت بهم.
وعلى الرغم من صدور هذه المطالب لحد الآن عن مجموعات صغيرة مثل حركة “أصوات في البرية” التي نظمت اعتصاما وإضرابا عن الطعام أمام قصر الأمم في جنيف طوال فترة انعقاد دورة لجنة التعويضات، فإن كشف بعض التفاصيل عن التجاوزات المرتكبة من قبل اللجنة، وعما أسماه نائب وزير الخارجية العراقي بـ “نهب أموال الشعب العراقي”، قد يشجع المزيد من الأصوات والمنظمات والأطراف على طرح الموضوع على طاولة النقاش من جديد.
وتتساءل السيدة كاتي كيللي، مؤسسة حركة “أصوات في البرية”: “ما هو ذنب الشعب العراقي الذي عانى من الحصار والقصف والاحتلال؟”، لكنها تؤكد في تصريح لسويس إنفو أن “التصرف في أموال عائداته النفطية وتوزيعها على الشركات الكويتية وغيرها ما هو إلا ظلم سوف لن يعمل إلا على تقوية مظاهر العنف”، على حد تعبيرها.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.