معارضة لطي ملف المفقودين في الجزائر
اعتبرت السيدة نصيرة ديتور، مؤسسة "تجمع عائلات المفقودين في الجزائر"، أن ملف المفقودين لن يغلق بالطريقة التي رغبتها السلطات بذريعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.
وحددت في ندوة صحفية رفقة السيد ألان مادلان، مدير المنظمات الدولية بالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، الشروط التي يجب توفرها في ما أسمتها “لجنة حقيقية للمصالحة الوطنية والبحث عن الحقيقة”.
تأتي زيارة مؤسّسة تجمع عائلات المفقودين في الجزائر السيدة نصيرة ديتور ولقاؤها مع ممثلي الإعلام في جنيف في إطار حضورها إلى سويسرا لمقابلة خبراء لجنة حقوق الإنسان المكلفة بالعهد الدولي حول الحقوق السياسية والمدنية والتي ستنظر في تقرير الجزائر حول الحقوق السياسية والمدنية في شهر أكتوبر القادم.
المقابلة التي كانت مؤطرة من قبل الفدرالية الدولية لجمعيات حقوق الإنسان FIDH، وبحضور ألان مادلان مدير المنظمات الدولية فيها سمحت باستعراض انتقاد السيدة نصيرة ديتور والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان لكيفية معالجة السلطات الجزائرية لملف المفقودين وبالاخص من خلال ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.
مآخذ على ميثاق السلم والمصالحة
ترى السيدة نصيرة ديتور أنه في إطار الإعداد لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وبغرض غلق ملف المفقودين اشتملت إجراءات التطبيق على آليات من بينها المادتين 45 و 46 التي قالت عنهما “أن المادة 45 تمنعنا من تقديم شكوى أمام العدالة في قضية المفقودين ضد موظف حكومي قام بإنقاذ الوطن. والمادة 46 تمنعنا من الحديث بحيث تنص على أن أي شخص يشوه سمعة البلاد وطنيا وفي الخارج معرض لعقوبة السجن لمدد تتراوح ما بين 3 و 5 سنوات ولغرامة مالية في حدود 500 الف دينار”. وتفسر السيدة ديتور هذا المنع ” بالاهتمام الذي توليه السلطات الجزائرية لحكم الآليات الدولية لحقوق الإنسان على وضعية حقوق الإنسان في الجزائر”.
اما السيد آلان مادلان مدير المنظمات الدولية بالفدرالية الدولية لجمعيات حقوق الإنسان فيرى ان من المآخذ على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أنه ” ميثاق تمت صياغته بدون استشارة أي من المنظمات المهتمة بمتابعة ملفات الضحايا ” ز وهذا ما يرى أنه ” ليس بمثابة مجهود وطني يهدف الى التوصل الى مصالحة وطنية بل مجرد اقتراح قانوني قدمته السلطات بدون نقاش مع العائلات المعنية أي بمثابة اختيار تم فرضه على العائلات”.
ويضيف السيد الان مادلان ” ان السلطات تستند في شرعيتها على أن الميثاق تم اعتماده عبر استفتاء شعبي”. لكنه يرى “أن هذا الاستفتاء لم يسبقه نقاش عام… وبالتالي لم يتم احترام قواعد النقاش الديمقراطي قبل الاستفتاء”.
وأخيرا يرى ممثل الفدرالية الدولية “وحتى ولو وجدت صحف انتقدت الميثاق فإن غالبية الشعب الجزائري امي وبالتالي لم يكن بإمكانه الاطلاع على تلك الانتقادات التي تجنبتها وسائل الإعلام الإلكترونية والي ركزت جهودها على ضرورة المصالحة”.
ويفصل مادلان ما تقترحه السلطات على العائلات كحل: “أولا الحصول على شهادة وفاة للشخص المفقود، والتي تسمح في بعض الحالات بحل مشاكل الإرث والوصاية على الأطفال. وثانيا الحصول على تعويض مالي وهو ما يعتبر إيجابيا نظرا لأن العديد من العائلات توجد في وضعية بدون دخل وتعيش في حالة مزرية” ويعتبر ” أن ذلك بمثابة “شراء لصمتهم”.
صفحة لن نتركها تطوى هكذا
وتتمثل المشكلة مثلما تقول السيدة نصيرة ديتور “أنهم يرفضون الإجابة على تساؤلاتنا و لا يرغبون في كشف الحقيقة، ويرغبون في غلق ملف المفقودين وطي هذه الصفحة”، وتضيف قائلة “هذه الصفحة لن نتركها تطوى ما لم يتم كشف الحقيقة وما لم يقولوا لنا ما الذي فعلوه بأهالينا”.
وترى السيدة ديتور أن “رئيس الجمهورية الذي يتهمنا بأننا نعرقل مجهودات بناء الوطن، نقول له إن بناء الوطن لا يتم بهذه الطريقة، وبطي صفحة ثقيلة في معانيها وبدمائها وبإصدار عفو في حق مجرمين”.
تحالف غير طبيعي
وتشير السيدة نصيرة ديتور إلى أن جمعيات عائلات ضحايا الإرهاب التي كنا ننظر لهم على أنهم حلفاء للدولة بعد ان تبنتهم السلطات، وينظرون لنا على اننا كلنا إسلاميين وأهالي من استهدفوا ابنائهم، اقتنعنا بأن كلا منا يطالب بنفس الشيء أي معرفة الحقيقة: حقيقة دوافع استهداف أبنائهم من قبل الإرهابيين وأسباب استهداف أبنائنا من قبل قوات الأمن وهذا ما جعلنا نقترب من بعضنا البعض”.
وتساءلت “كيف أن الشعب الجزائري وجد نفسه لعدة سنوات بين السندان والمطرقة ومفخخا من قبل دولة إرهابية وبين إرهابيين إسلاميين؟”، وهي تساؤلات تقول “أن ضحايا الإرهاب الإسلامي يطرحونها مثلما نطرحها نحن أهالي ضحايا تجاوزات أعوان الدولة”.
وتقول “لذلك اقتربنا من بعضنا البعض لتشكيل جبهة موحدة ليس فقط في وجه الحكومة الجزائرية بل أيضا أمام الشعب الجزائري والمجموعة الدولية لتوضيح بأننا قادرون على تجاوز مشاكلنا وتشكيل جبهة موحدة لبناء وطننا”.
وهو ما تمخضت عنه محاولة عقد اجتماع وطني في السابع والثامن فبراير 2007 في الجزائر تحت شعار “ملتقى السلم والحقيقة والمصالحة”. وهو ما قالت عنه “أن السلطات الجزائرية منعت تنظيمه بإرسال قوات الأمن التي تدخلت لتفريقنا”.
ما البديل عن حل المصالحة الوطنية؟
ترى السيدة نصيرة ديتور أن نية تجمع عائلات المفقودين في تنظيم ملتقى في الجزائر يجمع كل المهتمين بموضوع المفقودين” كان يهدف لبلورة كل الأفكار والذهاب الى حد المسامحة، بالنسبة لي وليس بالنسبة للجميع، ولكن شريطة أن نجلس الى طاولة النقاش، وأن يدلي كل طرف بما فعله وفقا لما يعرف بلجنة حقيقية للبحث عن الحقيقة قادرة على تقديم أفكار جديدة لحل المشكلة وليس الاكتفاء بمونولوج وحل مفروض”.
وتقول السيدة ديتور ” أنه بعد رفض الجزائر السماح بتنظيم الملتقى في العاصمة نظمناه في بروكسل بمساعدة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بغرض الخروج بتصور لربما قد يجد طريقه للتطبيق في يوم من الأيام ولو أن الحظوظ ليست بديهية في الوقت الحالي”.
أما السيد ألان ما دلان فذكّر ” بأن الجزائر غداة التوقيع على المعاهدة الدولية حول الاختفاءات القسرية التي نظم في باريس في 6 فبراير الماضي، أعلنت عن نيتها في التوقيع مع الأوائل على هذه المعاهدة والالتزام أمام الجميع بمواجهة ظاهرة الاختفاءات”.
ولكنه يرى ” أن بعد يوم من ذلك منعت تنظيم ملتقى لتجمع عائلات المفقودين بالاشتراك مع العديد من المنظمات المعنية بمناهضة ظاهرة الاختفاءات والتعذيب”.
ويرى السيد ألان مادلان ” ان عائلات الضحايا بعد توقيع الجزائر على معاهدة مناهضة الاختفاءات القسرية لا عزاء لها اليوم غير إصدار هذا الكتاب “واجب الذاكرة” لمؤلفه توم أومارا لتخليد واقع هؤلاء المختفين والمفقودين لدى القراء”.
اما عن الحل البديل الذي ترى هذه المنظمات أنه قد يلبي مطالب عائلات المفقودين فيلخصه السيد ألان مادلان بقوله : ” أن المطالبة بلجنة مصالحة وطنية حقيقية معناه اشتراط القيام بتحقيق مدقق في كل حالة من حالات الاختفاءات لتمكين العائلات من كل المعلومات حول ظروف الإختفاء وظروف الاعتقال، وفي حال الوفاة أين ومتى وما مصير الجثة. وثانيا تمكين العائلات من الحصول على شهادة الوفاة وتقديم الدعم النفسي لها، وثالثا إصلاح المؤسسات لجعلها في مستوى الالتزامات الدولية التي وقعت عليها الجزائر بما في ذلك تنظيف الأجهزة الأمنية والعدلية وتقديم من ارتكبوا انتهاكات التعذيب للمحاكمة”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
نصيرة ديتور مؤسسة تجمع عائلات المفقودين التي فقدت ابنها أمين منذ توقيفه في عام 1997، تعرف المفقود “بأنه شخص يتم توقيفه عقب اعتداء إرهابي من قبل قوات الأمن سواء الشرطة او الدرك او الحرس البلدي او الميليشيات التي عجت بها سنوات العنف في الجزائر”. وترى أن اغلب هؤلاء الموقوفين كانوا عبارة عن “شبان متوسط أعمارهم في حدود الخامسة والعشرين أغلبهم ذكور وكانت من بينهم حوالي خمسة عشر فتاة”.
وإذا ذكرت السيدة نصيرة ديتور بأن المظاهرة التي تم تنظيمها في جنيف في عام 1998 قد طالبت “بإعادة الأبناء المفقودين أحياءا: فإنها ترى بعد مرور هذه السنين ” أننا نطالب بمعرفة الحقيقة”. والحقيقة التي تطالب بها عائلات المفقودين هي “معرفة الحقيقة عنهم إن كانوا أحياء لإطلاق سراحهم لأنهم قد دفعوا الثمن أو لتقديمهم للمحاكمة بحيث يقال أن هناك عدالة مستقلة في الجزائر، أو أعيدوا لنا جثثهم حتى نقيم لهم مراسيم دفن محترمة ولنحافظ على ذاكرتهم مما يحررهم ويحررنا نحن العائلات من هذا الحزن الذي يزداد عمقا كلما حاولنا معرفة الحقيقة”.
لكنها ترى “مع الأسف أن ما حصلنا عليه من الطرف المقابل هو الصدمات المتتالية بدأ من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي وصفنا عندما كان يعد لقانون ما أسماه بالمصالحة الوطنية للعفو عن الإرهابيين ” بأن المختفين ليسوا في جيبه وبأننا عبارة عن نائحات يشوهن سمعة الجزائر”.
ترى السيد ديتور ان هذا الرفض وعدم تعريض مرتكبي تلك الانتهاكات للعقاب او الحساب ” استمر رغم تشكيل لجنة وطنية حددت مهامها في البحث عن المفقودين وتوجيه العائلات في عمليات بحثها وتقديم التعويضات”.
لكن ما وجدته العائلات عند استدعائها من قبل هذه اللجنة هو ملء استمارة تنتهي بعبارة ” هل تقبل العائلة الحصول على تعويض”.
لكن مع ذلك ترى السيدة ديتور أن هذه اللجنة تمخضت عنها أشياء إيجابية بحيث أن رئيسها صرح للصحافة ” بأن لجنته كونت ملفات لحوالي 6146 حالة مفقود اختطفته قوات الأمن”. وهذا ما ترى فيه أكبر اعتراف من قبل السلطات بهذا العدد الكبير من المفقودين.
وعما تغير في تعامل السلطات مع تجمع عائلات المفقودين منذ اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ترى السيدة نصيرة ديتور أنه رغم بداية جيدة للحملة المضادة لحملة ميثاق المصالحة الوطنية بمساعدة أنصار جبهة القوى الاشتراكية ، (التي كان رئيسها حسين آيت أحمد حاضرا في الندوة الصحفية في جنيف)، تمت ممارسة ضغوط علينا وإصدار تهديدات بالقتل … وكل هذه الضغوط أرغمتنا على التوقف مع مواصلة الحملة الدولية”.
وإذا كانت السيدة ديتور ترى ” أنه من الصعب على السلطات الجزائرية القضاء نهائيا على مظاهر احتجاج عائلات المفقودين”، فإنها ترى أن هذه السلطات “تحاكم الصحفيين والمحامين الذين يتعرضون لملف المفقودين بتهمة القذف”، ولكن السيدة نصيرة ديتور تعترف بأن السلطات “لم تضايقنا مباشرة كجمعيات بل اكتفت بمضايقة أمهات المفقودين اللواتي رفضن قبول التعويضات”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.