معارك صعدة .. مراوحة بين الكر والفر
أصبحت الصورة الغالبة على مشهد المعارك الدائرة بين قوات الجيش اليمني والمتمردين في محافظة صعدة، لا تخرج عن حالة الكر والفر بين الجانبين.
هذا الوضع المتوتر الذي لم يُحسم بعد يطرح العديد من التساؤلات حول الخلفيات الكامنة وراء استمرار هذه المواجهات.
تحولت المواجهات بين القوات الحكومية اليمنية والمتمردين من أتباع الحوثي في محافظة صعدة إلى إشكالية مركبة، بسبب جُـملة من العوامل في التعاطي مع هذه القضية، التي أصبحت مثار جدل كبير لدى مختلف الأوساط اليمنية
فقضية التمرد التي ظهرت عام 2004، التي قادها حسين بدر الدين الحوثي، الذي لقي مصرعه في شهر سبتمبر من ذلك العام، نُـظر إليها وأنها النهاية المحتومة لتنظيم الشباب المؤمن، الذي رفع شعار الموت لأمريكا، إلا أن تجدد المواجهات العسكرية في العام الموالي بقيادة الحوثي، أعادت طرح المشكلة مجددا، مما اضطر القوات الحكومية إلى استئناف حملاتها العسكرية في مناطق مختلفة، ورغم الإعلان عن إنهاء التمرد في معاقله الأخيرة، إلا أن المصير المجهول للحوثي الأب ظل يطرح أكثر من علامة استفهام، ومع ذلك، فقد بذلت مساعي لتسوية هذا الملف، خاصة خلال حملات الانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت في سبتمبر الماضي، حتى بعض المراقبين اعتبروا معالجات احتواء المشكلة خلال تلك الفترة تندرج ضمن الدعايات الانتخابية.
وكانت السلطات اليمنية قد تبنت، على اثر ذلك، جملة من التدابير الهادفة إلى تصفية أثار تلك الحرب، مثل العفو عن المساجين على ذمة المشاركة في التمرد، إلا أن تجدد القتال مطلع العام الجاري واستمراره على النحو الذي يؤكد أن ثمة معارك شرسة تدور هناك بين الجانبين وتؤدي إلى سقوط العديد من القتلى، وهو ما أكده الرئيس اليمني علي عبد الله صالح منتصف الأسبوع الماضي في خطاب له أمام رجال الدين “علماء اليمن”، الذين دعوا لتدارس الأزمة وفوّضَـهم اتِّـخاذ موقف بشأنها، حيث خاطبهم قائلا “هناك شلال من الدماء، لا لشيء سوى أن تلك العناصر الضالة تأبى إلا مواصلة غيها وصلفها وتعنتها، لا لشيء إلا أنها تقول بالحرف الواحد، مُـر على الثورة 46 سنة، والآن يجب أن يعود الحكم إلينا، إلى البطنين.. إلى البطنين، وتتهم مؤسسات الدولة بأنها مغتصبة للسلطة، وتؤكد أنها لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالحرية ولا بالصحافة ولا بالانتخابات البرلمانية ولا الرئاسية”، وهو ما يعني أن المواجهات التي تدور رحاها في المنطقة، ليست بالأمر الهيِّـن، خاصة وأن التمرد لم يعُـد مجرّد جُـيوب يجري تصفيتها، كما يذهب الإعلام الرسمي إلى تصويره في أخباره اليومية، التي ينقلها من ساحة المعركة.
تحديا لسيادة السلطات
يرى المراقبون أن سير المعارك غلبت عليها حتى الآن المراوحة ما بين الكر والفر بين الجانبين، مما يُـعدّ علامة على مدى تعقّـد الأمور وتداخلها بجملة من المعطيات التي أعطتها أبعادا واسعة على الصعيد الداخلي والخارجي، ومن تلك العوامل، ما يعود إلى التكتيكات التي اتبعها الجانبين والأخطاء المرتبكة، لاسيما من قبل القوات الحكومية.
ويرى هؤلاء المراقبون أن المتمردين استطاعوا تحويل القضية من قضية تمرد وخروج على سلطات الدولة والنظام العام، إلى قضية محلية تلعب على المكون القبلي المحلي واستثارة نعرته، لاسيما في ظل ضعف جاذبية المنطلقات الأيدلوجية التي يرفعها المتمردون، والتي تقوم على نظرية الاصطفاء الإلاهي للحكم.
فقد استطاع المتمردون استثمار نتائج الحرب لصالح جبهتهم، حيث ينقل المراقبون من ساحة المعارك أن أعدادا من المتطوعين حشدوا إلى جانب قوات الجيش، مما أدى إلى استثارة النعرات القبلية الأخرى، التي ترى أن حشد مثل هؤلاء المتطوعين من قبائل مناوئة ومناطق مختلفة فيها إضعاف لشوكتها، خاصة وهي تجري في حدودها الاجتماعية والجغرافية، وهي حدود لها مفهوم خاص عند القبائل، لاسيما في حروبها.
وهذه الحدود، إن كانت بلا مضمون سيادي على غرار حدود الدولة، إلا أنها في الأعراف القبيلة تكاد أن تكون المرادف السيادي لنفوذ القبيلة في الإطار الاجتماعي والجغرافي للقبيلة، لاسيما تجاه القبائل الأخرى، وهو ما لعب عليه المتمردون، حيث يرصد المحللون والمتابعون أن في كل المبادرات، التسوية الصادرة عن قادة التمرد، خاصة منها التي طرحها من يحيى الحوثي لا تخلوا من مطالبته بعودة القوات الحكومية إلى الحدود، التي كانت تتواجد فيها قبل اندلاع المعارك، وهو ما اعتبر من قبل السلطات اليمنية تحدّيا لسيادتها وتقديم المتمردين لأنفسهم ككِـيان دولة، وليسوا مجرد خارجين على القانون.
أخطاء عسكرية ودبلوماسية وإعلامية
ففيما هو في حقيقة الأمر، وكما يراه المحللون إلا محاولة لتوظيف الخصوصيات المحلية القبلية في تدعيم مواقفه ومؤزرته من قبل السكان القبليين المحليين، ناهيك عن أن ذلك الموقف أظهره بمظهر الوفي لحدود القبيلة الاجتماعية والجغرافية، وربما حتى السياسية.
وترتب على ذلك، أن المعارك هذه المرة مع اقترانها بمثل هذه المطالب، تخاض على رقعة أوسع وبإمكانيات أكبر وعَـتاد أكثر، والمحصلة النهائية، أن قمة نجاح استقطاب للخصوصيات المحلية، بدت السلطات الحكومية بعيدة عنه ومقتصرة على التلويح بحسم المعارك بالقوة، وهو أمر بالغ الكلفة ويحتاج ربما إلى وقت أطول، لهذا لم تستوعب التكتيك الذي يلعب عليه المتمردون أو أنها لم تلتفت للتعاطي معه.
علاوة على تجاهل التكتيك، الذي اتبعه المتمردون، يرى المراقبون أن الحكومية اليمنية ارتكبت جملة من الأخطاء، التي ضخمت الأحداث الجارية، وهي أخطاء عسكرية ودبلوماسية وإعلامية.
فعلى المستوى العسكري، ظلت السلطات غائبة في معظم أنحاء المنطقة طيلة العقود الأربعة الماضية، وإن كان لها من تواجد، فإنه كان يقتصر على المراكز الحضرية للمديريات، فيما المناطق الجبلية شديدة الوعورة لم تدخلها إلا استجابة لمقتضيات الحرب وملاحقة المتمردين، وبالتالي، يتعيّـن على قوات الجيش استحداث مواقع جديدة وتهيئة البُـنى التحتية، بُـغية تأمين حضوره في مناطق، لا سابق معرفة لتلك القوات بها، الأمر عقد من مهمتها وجعلها عُـرضة لحرب عصابات، والتجلي الواضح لكل ذلك، أن أمد المواجهات طالت بشكل مثير للتساؤلات، والأمر الآخر أن مسرح المواجهات ظل مهمشا وبعيدا عن وجود بنى تحتية، مثل الطرقات والمياه والخدمات، وهو ما جعل من الجهد العسكري جهدا مضاعفا، وربما مدعاة للنقمة ضد الغياب الكبير لدور الحكومة في التنمية.
ارتياب متبادل
الأمر الإضافي، أن علاقة السكان المحليين بالتواجد العسكري، كتعبير عن حضور الدولة، هي دائما علاقة مشوبة بالتوتر بسبب الاحتكاك والتنافس على الضبط الاجتماعي بين رموز القبيلة وممثلي السلطات العامة، وإذا ما أضيف إلى ذلك ما تقتضيه المواجهات العسكرية من تربّـص متبادل، فإن المحصِّـلة النهائية ارتياب متبادل، مما يسهل استثماره في تأليب النقمة ضد التواجد الحكومي.
على الصعيد الدبلوماسي، يرصد المراقبون هالة من الغموض تغلف الموقف اليمني من هذه المسألة. ففي حين يذهب مسؤولون يمنيون وأعضاء بارزون في الحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام، إلى تورط كل من ليبيا وإيران في دعم المتمردين، تغيب أي قرائن مقنعة تطرح على الرأي العام عن ضلوع ليبي إيراني، وبدت الدبلوماسية اليمنية مرتبِـكة في تقديم صورة واضحة عن حقيقة الموقف الداعم للمتمردين.
فمن جهة استدعي سفيري اليمن في البلدين، مما اعتبر مؤشرا على دخول العلاقات مع كل من طرابلس وطهران مرحلة جديدة من التأزم، إلا أنه سرعان ما نقل عن مصادر مسؤولة قولها، أن دعوة السفيرين ليست إلا لمجرد التشاور، وهذا الموقف يأتي متسقا مع إشادة وزير الخارجية اليمني بالعلاقات اليمنية الإيرانية خلال زيارته الأخيرة لطهران الشهر الماضي.
على الصعيد الإعلامي، انفرد الإعلام الرسمي بتغطية سير المعارك وظل يؤكِّـد، منذ اندلاع المواجهات الأخيرة، على ملاحقة المتمردين وتضييق الخناق عليهم في عدد من مسارح العمليات، بيد أن الحاصل أن الإعلام نفسه عاد وفي غير مرة إلى الإشارة إلى تجدد المواجهات في المناطق والمواقع التي قال عنها في أوقات سابقة، إنها قد طهرت من المتمردين، وهو ما أكد على أن المواجهات مستمرة وأن الأمر لم يعد يتعلّـق فقط بمجموعة من المتمردين من الشباب المؤمن، بل ثمة أبعاد أخرى وأعمق، تجد تفسيرها في استمرار المعارك وبأسلحة متوسطة وثقيلة، مما يعني أن هناك تداخلا بين ما هو مذهبي واجتماعي وسياسي وجغرافي، مما عقد المهمة العسكرية.
أما هذه الوضعية الحرجة، التي لا زالت تراوح بين الكر والفر، بات من المؤكّـد أن حسم المواجهات أمر لابد منه، سواء بالقوة العسكرية أو باختيار البدائل الأخرى، وربما هذه الأخيرة هي الأجدى، نظرا لقلة كُـلفتها، مقابل ما يتكبّـده الاقتصاد اليمني من تبعات هذه الحرب، على أن ذلك يقتضي النظر في المداخل الحقيقية لمعرفة تعقيدات الواقع، وليس بافتراضات تشيح النظر عن طبيعة الخصوصيات التي تميز التركيبات الاجتماعية للمجتمع اليمني وتختلف من منطقة إلى أخرى إذا ما ظل الحال يتراوح بين كر وفر.
عبدالكريم سلام – صنعاء
صنعاء (رويترز) – حصلت السلطات اليمنية يوم الخميس 17 مايو على دعم كبير من علماء الدين، الذين اختتموا مؤتمرا عاما في صنعاء، كرس لمناقشة المواجهات الدائرة في محافظة صعدة، وطالب علماء الدين، المتمردين بإلقاء السلاح والاستسلام كفرصة أخيرة، قبل تفويض الجيش بحسم المواجهة بالقوة والدعوة للجهاد ضدهم.
وقال بيان صدر عن المؤتمر، الذي استمر ثلاثة أيام “إن ما يجري في صعدة هو تمرد مسلح، خرجت فيه مجموعة من المواطنين بالسلاح على الدولة متجاوزين كل الثوابت الدينية والوطنية، ومعززين تمردهم بأفكار غريبة على المجتمع”، وأضاف البيان أن في هذا “خطرا كبيرا يهدِّد كيان الأمة ووحدتها وأمنها واستقرارها، لما فيه من سفك للدماء وإخافة للسبيل وترويع للآمنين وإثارة للنعرات وإحياء للعصبية الجاهلية، وعودة بالأمة إلى التشرذم والتفرق”.
وفي أول موقف موحّـد لعلماء الدين من أتباع المذهبين الرئيسيين في البلاد، المذهب الشافعي، الذي يتبعه الغالبية، والزيدي، قال العلماء إن أفعال أتباع الحوثي أدت إلى “خروج عن الجماعة وشق لعصا الطاعة ومنابذة لكل ما أجمعت عليه الأمة، وارتكبوا جملة من المنكرات وشاقوا الله ورسوله واتبعوا غير سبيل المؤمنين، وادخلوا البلاد والعباد في فِـتن ومِـحن، جلبت علينا الويلات”. ووجّـه العلماء نداء إلى المتمردين، يمنحونهم فيه فرصة أخيرة لإلقاء السلاح وترك التمرّد والعودة إلى منازلهم، كبقية المواطنين، بضمان رئيس الدولة وعلماء اليمن، وفي حالة عدم الاستجابة لهذا النداء، “فإن الواجب الشرعي، على الدولة قتالهم لكف شرهم واستئصال فتنتهم”.
وقالوا إنه يجب على جميع أبناء اليمن الوقوف “صفا واحدا ضدّهم، ولا يجوز لأحد أن يعِـينهم بأي نوع من أنواع العون”.
ومن جهته، أعلن النائب يحيى الحوثي، الموجود في ألمانيا في بيان أرسل إلى الصحفيين اليمنيين بالفاكس، عن شروط إتباع والده لوقف إطلاق النار والدخول في محادثات، لإنهاء الأزمة برعاية دولة قطر، لتقريب وجهات النظر وضمان تنفيذ الحكومة لما تلتزم به.
وحدد مطالب إتباعه بالآتي:
– صدور عفو بقرار رئاسي يشمل كل مخالف من الطرفين منذ عام 2003، سواء المحكوم عليهم، ومن هم تحت التحقيق والمحاكمة، على خلفية الأحداث أو من هم من عناصر الجيش.
– إطلاق الأسرى والمعتقلين من الطرفين.
– تسليم جثامين الطرفين، بدون استثناء، بما في ذلك إيضاح مصير السيد حسين الحوثي وتسليمه لذويه حيا أو ميتا.
– إنشاء هيئة عليا مستقلة لمواجهة الطائفية والمذهبية والمناطقية، ويكون أول مهامها فتح حوار وطني جدي وإعادة المساجد إلى أصحابها فورا ،وجمع الانتهاكات والشكاوي بهذا الخصوص، وضمان عدم المضايقة مستقبلا وِفقا لما يضمنه الدستور من حرية للفكر والمعتقد الديني.
– تكفل الدولة رسميا بإعادة إعمار المناطق المتضررة منذ الحرب الأولى ضمن جدول زمني محدد ومعلن، وتتكفل بتعويض الدماء والمتضررين من الطرفين، وفي إطار جدول زمني محدّد سلفا على أن يشمل التعويض المتضررين وظيفيا بأن تتكفل الدولة بتعويضهم ماديا ومعنويا وإعادتهم إلى وظائفهم.
– إنشاء لجنة حقوقية مكوّنة من مؤسسات حقوق الإنسان في اليمن وتحت إشراف لجنة الضمناء، وممولة من قِـبل الدولة، ويكون دور هذه اللجنة متابعة تنفيذ الاتفاقية بخصوص كل من المحكوم عليهم من الأسرى والملاحقين والمتضررين، وظيفيا، والمعتقلين والمتضررين ماديا، وحصر القتلى من الطرفين وتحديد دياتهم.
وطالب أيضا بتأسيس حزب سياسي مدني في ظل الدستور والقانون، على أن ينتهي التأسيس في مدّة أقصاها شهرين من صدور الموافقة، وألا يتم وضع شروط تعجيزية لذلك.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 مايو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.