معرض للكتاب وللهموم .. المصرية!
لم يكن معرض القاهرة الدولي للكتاب عرسا للمثقفين المصريين وحسب، وإنما أيضا فرصة سانحة للقوى المعارضة، للتعبير عن رأيها، وعرض وجهات نظرها.
لذلك كانت الدورة السابعة والثلاثون مصدر حرج شديد للحكومة التي تحاول جهدها الدفاع عن نفسها في مواجهة تساؤلات واستفسارات النخب.
يمكن القول أن الدورة الـ37 للمعرض الذي تنظمه الهيئة العامة المصرية للكتاب، (افتتحه الرئيس حسني مبارك صباح الأربعاء 25 يناير 2005 واختتم فعالياته يوم الثلاثاء 8 فبراير)، من أكثر الدورات إثارة للجدل.
وقد يكون مرد ذلك لأنها جاءت في مستهل عام 2005 الذي من المقرر أن يشهد انتخابات برلمانية ساخنة، وأخرى رئاسية يدور حولها جدل كبير بسبب إعلان ثلاثة أشخاص وهم (البرلماني السابق محمد فريد حسنين، والكاتبة الصحفية نوال السعداوي، وعالم الاجتماع السياسي المصري المولد الأمريكي الجنسية الدكتور سعد الدين إبراهيم)، ترشحهم للرئاسة ضد الرئيس مبارك، لأول مرة بتاريخ مصر، وتبنيهم حملة لجمع مليون توقيع لتعديل الدستور ليسمح بانتخابات رئاسية بالاقتراع الحر المباشر.
وقد مثل المعرض هذا العام بحق “معرض الهموم المصرية”، حيث عكس هم رجل الشارع، كما حفل بالعديد بالندوات والمناظرات الساخنة وفي مقدمتها مناظرات الإسلاميين واليساريين التي ينتظرها الجمهور كل عام.
وخلال جولته بالمعرض وافق الرئيس مبارك علي دعم المشروع القومي للترجمة بمبلغ 10 مليون جنيه (ما يعادل 1.7 مليون دولار)، كما وافق علي إنشاء صندوق للترجمة من اللغة العربية إلي لغات العالم والعكس. من جهته، أوضح فاروق حسني وزير الثقافة أن المجلس الأعلى للثقافة بدأ المشروع القومي للترجمة منذ 6 سنوات، وقام بترجمة 800 عنوان من الإصدارات العالمية بـ 30 لغة إلي اللغة العربية وهو رقم غير مسبوق.
من جانبه، أعلن الدكتور أحمد نظيف رئيس الحكومة المصرية في حواره مع الكتاب والمثقفين ورجال الإعلام، (الذي أداره الدكتور سمير سرحان، وحضره فاروق حسني وزير الثقافة)، عن بدء العمل في مشروع التحويل الالكتروني للتراث الثقافي، مشيرا إلى أن الحكومة ستدعم مشروعا لبرمجة 1000 كتاب وتحويلها إلي كتب الكترونية لتكون في متناول الجميع.
معلومات أساسية
بلغ عدد عناوين الكتب المعروضة في دورة هذا العام 2 مليون عنوان، ويُعَدّ معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي أقيم لأول مرة في عام 1969، ثاني أكبر المعارض الدولية، بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، من حيث حجم الكتب المعروضة، ودور النشر والدول المشاركة وعدد الزائرين الذي وصل متوسطه في اليوم الواحد لأكثر من نصف مليون زائر.
وتزامن المعرض هذا العام مع عدد من المناسبات المهمة في تاريخ مصر والعالم العربي، مثل مرور 700 عام على نشر رحلات الرحالة العربي ابن بطوطة، و300 سنة على ترجمة “ألف ليلة وليلة” الى الفرنسية، ومرور 250 عامًا على ميلاد المؤرخ العربي الشهير عبد الرحمن الجبرتي، ومرور 200 سنة على تولي محمد علي باشا حكم مصر، و100 سنة على ميلاد جون بول سارتر.
وقد حل ضيفا على المعرض بدعوة من وزارة الثقافة عدد من أبرز الأدباء والمثقفين العرب بينهم أمين معلوف والطاهر بن جلون وأهداف سويف والدكتور خليل النعيمي. كما حضره عدد من المثقفين الغربيين والأفارقة، منهم الكاتبة نادين جورديمير الحاصلة على جائزة نوبل للآداب، والكاتب الفرنسي روبير سوليه.
وأكد الدكتور وحيد عبد المجيد، القائم بأعمال رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، المنظمة للمعرض، أن المحور الرئيس لندوات المعرض هذا العام كان “آفاق النهضة والإصلاح”، بغية ربط موضوع الإصلاح المطروح في “أجندة” العالم العربي بقضية النهضة.
وقد استقبل زوار وضيوف المعرض قرار الهيئة منع مكبرات الصوت بالمعرض، للمرة الأولى في تاريخ التظاهرة، بالرضا والاستحسان، وهو ما أضفى على المعرض هذا العام هدوءا أثار ارتياح الكثيرين مثل أحمد محمود، وهو معيد بكلية التربية بإحدى جامعات مصر، الذي قال لسويس إنفو: “أنا سعيد بالهدوء الذي يسود المعرض هذا العام، فقد كنت أحس بالتوتر الشديد في المرات السابقة من كثرة الضجيج”.
تراجع ملحوظ
في المقابل، شهد المعرض هذا العام تراجعا ملحوظا في عدد الدول المشاركة وعدد الناشرين مقارنة بالعام الماضي، على خلاف ما توقعه المراقبون، الذين اعتقدوا أن بدء تطبيق اتفاقية التجارة العالمية “الجات” سيرفع الجمارك عن الكتب، مما يعطي حرية أكبر لانتقال الكتاب ويخفض أسعارها.
فقد بلغ عدد الدول المشاركة 25 دولة فقط، بينها 11 دولة عربية، و516 ناشرا فحسب (!) بينما شارك في معرض العام الماضي 97 دولة، و3150 ناشرا، منهم 1600 مصري، و900 ناشر عربي، إضافة إلى 650 ناشرا أجنبيا. وقد أرجع المراقبون هذا التراجع إلى ارتفاع كلفة تأجير أماكن العرض، حيث بلغت 2500 دولار للعارض العربي، بينما لم تتعد 600 جنيه لزميله المصري.
وقد لوحظ أن المعرض شهد في دورته السابعة والثلاثين إقبالا على الكتب السياسية، التي جاءت بعد الكتب الدينية من حيث الطلب عليها، وقد عكس ذلك المشهد السياسي الراهن الذي تمر به المنطقة.
ومن أكثر الكتب التي شهدت إقبالا كبيرا عليها، “الجدار العنصري” لمجموعة من الباحثين الفلسطينيين، و”مستقبل العراق: الاحتلال والمقاومة والتحرير”، و”النخب السعودية”، و”الفساد والحكم الصالح للبلاد العربية”، و”دارفور: ووضع النقاط على الحروف”، و”رؤية الإسلام للإرهاب والعمليات الفدائية”، وأخيرا “الإسلام في عيون غربية” للمفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة.
مواجهات سياسية وفكرية
لم تقتصر فعاليات المعرض هذه السنة على عرض الكتب والمطبوعات أو على الندوات الفكرية والنقاشات بل تحول – وبدون سابق إنذار – إلى ساحة مواجهة بين نشطاء سياسيين والسلطات.
فقد اندلعت عقب صلاة الجمعة 4 فبراير الماضي، مظاهرتان بأرض المعرض، نظمت أولاهما “الحملة الشعبية من أجل التغيير” التي ترفع شعار “لا للتجديد (للرئيس مبارك).. لا للتوريث”، معلنة رفضها التجديد للرئيس لولاية خامسة، وما يشاع عن إعداد جمال مبارك نجل الرئيس لخلافته، وردد المتظاهرون خلالها “ارحل.. كفاية.. حرام”. أما المظاهرة الأخرى فقد نظمها حزب العمل (المجمَّد)، وتقدمها مجدي أحمد حسين، أمين عام الحزب، ونددت بدعوة مبارك رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لزيارة القاهرة.
وقد أدى ذلك إلى تحويل أرض المعرض إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، حيث اصطفت عشرات العربات المصفحة وانتشر جنود الأمن المركزي لحصار المشاركين في المظاهرتين ومنع أي شخص من الانضمام إليهم، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء.
على صعيد آخر وعلى الرغم من عدم الإعلان الرسمي عن مشاركة إسرائيل في فعاليات المعرض، فإن دور النشر الإسرائيلية، تمكنت من التواجد فيه عن طريق بعض دور النشر العربية مثل دار الجليل الأردنية والمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار).
وأشارت مصادر إعلامية لسويس إنفو إلى أن هذا الحضور كان واضحا في عشرات العناوين مثل كتاب “الحسين والسلام” لمؤلفه موشيه زاك الصادر عن معهد “بيجن- السادات” للبحوث الاستراتيجية، وكتاب “جهاز الشاباك” لمؤلفه يعقوب بير إيلاني- رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الأسبق- الذي يحكي في كتابه عن قصته في ملاحقة الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس والمهندس يحيي عياش ودوره في مكافحة ما أسماه بالعمليات الإرهابية.
من جهة أخرى، شن الدكتور محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس بالقاهرة، ومؤلف كتاب “الخطاب الديني المعاصر بين التقليد والتجديد”، هجوما حادا على عدد من الشخصيات الإسلامية وخاصة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والشيخ محمد متولي الشعراوي، والداعية الشاب عمرو خالد، والدكتور يوسف القرضاوي. وقد أثارت اتهاماته غضب الجمهور الذي اعترض عليه وتطور الأمر الى مشادة كلامية أنهت الندوة التي كان مشاركا فيها قبل موعدها.
وعلى أي الأحوال، فقد مثل المعرض فرصة لاختبار القوى السياسية المصرية المعارضة لأفكارها، تمهيدا لخوض معركة التغيير، كما استطاعت الحكومة أن تقف على ردود فعل مختلف القوى ومواقفها الرافضة لسياسة الحكومة والتجديد للرئيس. فهل ستسعى المعارضة بفصائلها المختلفة لاستثمار الزخم الذي أنتجه المعرض لمواصلة مشوار المطالبة بالإصلاح والتطوير؟ هذا ما قد تكشف عنه الشهور الباقية من العام الحالي.
همام سرحان – القاهرة
يُعَدّ معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي أقيم لأول مرة في عام 1969، ثاني أكبر المعارض الدولية، بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، من حيث حجم الكتب المعروضة، ودور النشر والدول المشاركة وعدد الزائرين الذي وصل متوسطه في اليوم الواحد لأكثر من نصف مليون زائر.
شهد المعرض تراجعا ملحوظا حيث شاركت 25 دولة فقط، بينها 11 دولة عربية، و516 ناشرا فقط، بينما شارك في معرض العام الماضي 97 دولة، و3150 ناشرا، منهم 1600 مصري، و900 ناشر عربي، إضافة إلى 650 ناشرا أجنبيا
اندلعت مظاهرتان بأرض المعرض، الأولى ضد التجديد للرئيس مبارك لولاية خامسة، وما يشاع عن إعداد جمال مبارك نجل الرئيس لخلافته، وردد المتظاهرون خلالها “ارحل.. كفاية.. حرام”. والثانية نددت بدعوة شارون لزيارة القاهرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.