معضلة تهريب الأطفال بين اليمن والسعودية
تشهد الحدود اليمنية-السعودية تعاظم ظاهرة تهريب الأطفال لاستخدامهم في عمليات التسول في المملكة في أغلب الأحيان بموافقة أهاليهم من أجل تحسين مستوى معيشتهم.
منظمة اليونيسيف أنجزت بالاشتراك مع وزارة الشؤون الاجتماعية اليمنية دراسة تعتبر الأولى من نوعها حول قضية شائكة تعرفها المنطقة منذ مدة.
تعتبر الدارسة التي أعدها صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “يونيسيف”، بالاشتراك مع وزارة الشؤون الاجتماعية اليمنية، والتي حصلت سويس إنفو على نسخة منها، أول دراسة يتم القيام بها لبحث ظاهرة ليست بالجديدة في منطقة الحدود اليمنية السعودية.
فقد أظهرت الدراسة التي سهر على إعدادها المركز اليمني للدراسات والعمل بين 22 أبريل و 5 مايو 2004، بأن ظاهرة تهريب الأطفال من اليمن للسعودية، وبالأخص من مقاطعات حجة والمحويت ليست جديدة، بل إنها عرفت ازديادا ملفتا في أعقاب حرب الخليج الأولى وبعد طرد أعداد كبيرة من المهاجرين اليمنيين من السعودية ومن دول الخليج وتشديد إجراءات حصولهم على رخص العمل في دول المنطقة.
تهريب بعلم وبموافقة الأهالي
تبدو أسباب ظاهرة تهريب الأطفال في منطقة الحدود اليمنية السعودية – حسبما توصلت إليه الدراسة – اقتصادية بالدرجة الأولى. إذ تبين أن من بين 59 حالة شملتها الدراسة ينحدر 66،5% منهم من عائلات لا يتجاوز دخلها السنوي عشرين ألف ريال يمني أي 108 دولار أمريكي.
كما أظهرت الدراسة أن عملية تهريب هؤلاء الأطفال غالبا ما تتم بعلم وموافقة الأهل، حيث اعترف 82،4 % من سكان مناطق حجة والمحويت أن لهم أطفالا يشتغلون في السعودية.
كما توصلت الدراسة إلى أن 84،3% من السكان يعترفون بوجود تهريب للأطفال في المنطقة. وقد تبين أن أكثر من 62% من الأطفال الخاضعين لعملية التهريب والذين شملتهم الدراسة منحدرون من عائلات بها ثمانية أفراد على الأقل وتحاول البحث عن مصادر رزق جديدة.
وفيما أفاد غالبية الأطفال بمشاركتهم طواعية في عملية التهريب، فإن حالات أخرى وردت تشير إلى إجبار الأهالي لأطفالهم للخضوع للعملية. بل إن هناك عائلات تأتي إلى الحدود بحثا عن المهربين من أجل تسليمهم أبنائها على أن يحصل المهربون على نسبة من الأموال التي سيكسبها الأطفال.
تسول وتشرد وانتهاكات
كما تشير الدراسة إلى أن المهربين يفضلون أطفالا لديهم قابلية للتسول، كما يتم استخدام قسم منهم من أجل تهريب البضائع عبر الحدود وهناك من يستخدم البعض منهم لجلب أطفال آخرين إلى شبكات التهريب.
وقد أظهرت الدراسة أن أغلبية الأطفال والأهل لا علم لهم بجدية الأخطار المحدقة، بحيث يتعرضون للجوع والضرب والنهب والاعتداءات المختلفة بما فيها الجنسية إلا أن الدراسة لم تتعمق في معالجة هذا الجانب.
وإذا كان حوالي 74% من الأطفال يجدون مكان شغل بمجرد وصولهم إلى السعودية فإن 35% فقط منهم يعثرون على سقف يحتمون به، بينما تعيش البقية أي حوالي 65% في الشوارع. ويتعرض العديد من هؤلاء الأطفال إلى النهب عند عودتهم إلى بلادهم والابتزاز حتى من بعض أعوان حرس الحدود. أما من يسقط منهم بين أيدي قوات الأمن السعودي فيتعرض بدوره إلى مختلف أنواع الضرب وسوء المعاملة كما يُحرم البعض منهم من الحصول على العلاج الضروري.
ويبدو أن الربع الأول من عام 2004 قد شهد طرد أكثر من 150 ألف يمني من أراضي المملكة العربية السعودية من بينهم أكثر من عشرة آلاف طفل. ومن غير الواضح في هذا الصدد نسبة الأطفال الخاضعين للتهريب أو الذين يعتبرون مجرد مهاجرين غير شرعيين.
توصيات وتدريب
ومن أهم التوصيات التي وردت في الدراسة التي كشفت أبعاد هذه الظاهرة لأول مرة، ضرورة إبرام اليمن لاتفاقيات ثنائية لحماية الطفل مع الدول المجاورة، وضرورة الترويج داخل البلاد لمبادئ وحقوق الطفل، نظرا لأن غالبية الذين وجه لهم السؤال ليسوا على دراية أو معرفة بتلك الحقوق.
كما دعت الدراسة إلى ضرورة إنشاء هيئة تنسيق بين مختلف الوزارات المعنية بشؤون الطفل في اليمن، وإلى تأسيس مراكز إعادة تأهيل ودمج الأطفال الذين يسقطون ضحية عمليات التهريب وتتم إعادتهم إلى اليمن. كما أوصت بضرورة تعزيز عمليات المراقبة على الحدود.
وفي هذا الإطار (أي إطار التكوين والمراقبة)، أعلنت منظمة الهجرة الدولية في جنيف يوم الثلاثاء 30 أغسطس الماضي عن إنجاز دورة تدريبية بمساهمة اليونيسيف، شارك فيها حوالي 40 من الرسميين اليمنيين المعنيين بمراقبة الحدود.
وقد تطرقت الدورة إلى قضايا قانونية تهتم بعمليات تهريب الأشخاص والبضائع، وكيفية القيام بالتحريات في هذا المجال والتعرف على شبكات التهريب، وإلى أساليب التعرف على الضحايا ومساعدتهم على الاندماج من جديد في المجتمع.
وياتي تدريب هؤلاء الرسميين بعد أن قامت منظمة الهجرة الدولية بالاشتراك مع منظمة اليونيسيف بتدريب حوالي 25 من الرسميين اليمنيين المختصين في محاربة تهريب الأطفال في نقطة العبور الحدودية الكبرى مع العربية السعودية في ” حرض” .
تجدر الإشارة إلى أن هذه الدورة تأتي في سياق حملة تقوم بها المنظمتان الدوليتان لدعم نشاط حكومة صنعاء ومنظمات المجتمع المدني في اليمن في مجال محاربة تهريب الأشخاص .
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.