مع النساء في رمضان!
"كأني هناك". قالتها بقدر من الحنين إحدى المسلمات العربيات المقيمات في سويسرا في وصفها لمعايشتها شهر رمضان بعيدا عن وطنها.
لكن غيرها من السويسريات اللاتي اعتنقن الإسلام لم يعرفن تقاليد “هناك”، وخلقن رغم ذلك تقاليد أخرى تعبر عن واقعِ إسلامٍ أوروبي جديد.
“عندما اعتنقتُ الإسلام قبل عشرين عاماً لم أكن متزوجة وكنت أحيا في بيئة سويسرية عادية، ولذا لم أكن أعرف كيف يكون الصيام. كنت مقتنعة أيضا أني غير ملزمة بالصيام لاسيما وأنني أعمل كممرضة، وهي مهنة شاقة”. هكذا بدأت السيدة إيستر فوزي، السويسرية المقيمة في زيورخ، حديثها مع سويس إنفو عن بداية تجربتها مع صيام شهر رمضان.
“غير أني تزوجت بعد ذلك من رجل مغربي، وطلب مني أن أحاول الصيام مؤكدا لي أن الأمر يبدو للوهلة الأولى صعبا، وبالفعل جربته ليوم واحد وكانت دهشتي كبيرة عندما لم أجد في ذلك مشقة”.
كان هذا قبل 16 عاما، أنجبت السيدة فوزي خلالها طفلين وتحولت إلى مهنة التدريس الديني، وأصبحتْ على موعد مع شهر رمضان كل عام.
ما أحلى ليالي رمضان… هناك!
تمثل السيدة إيستر نموذجا لشريحة من نساء سويسريات اعتنقن الإسلام وتعلمن طقوسه وشعائره على أرض وطنهن. لكن الأغلبية من النساء المسلمات المقيمات في سويسرا وفدن على سويسرا من بلدانهن، وجلبن معهن رصيدا من عادات وتقاليد.. وذكريات.
ولذا، لم يكن مستغربا أن يغلب على حديث السيدة أنيسة الشرقي، المغربية المقيمة في لوزان منذ 11 عاماً والتي تعمل في وكالة سفر في جنيف، أحاسيس الشوق والحنين إلى ليالي رمضان في المغرب.
“رمضان في السنوات الأولى من إقامتي هنا كان صعبا، لأنني اعتدت على تقاليد معينه في بلادي. لكني مع السنين تأقلمت وحاولت بالإمكانيات القليلة التي لدي أن أفرض جو رمضان هنا تماما كما هو في المغرب”.
جو رمضان “هناك”، كما تصفه السيدة الشرقي، يبدو مفعما بروائح الأطباق التقليدية المنتظرة على مائدة الإفطار، وصوت المؤذن وهو يعلن مقدم الغروب، وألحان الطرب الأندلسية، ناهيك عن دفء الأهل وقربهم.
ولياليه هنا…
أما جوُه هنا في سويسرا، فلا يخلو من سحرٍ ومذاق خاص، وتتنوع وسائل خلق هذا الجو باختلاف شخصية المرأة. فالسيدة الشرقي تعايش أجواء رمضان من خلال الإفطار مع أقربائها وأصدقائها، والصلاة معاً، وطبخ وصفات الطعام المغربية (الحريرة، الرغايف، المسمن.. الخ).
وبنفس النسق، تتحدث السيدة كوثر العرفاوي ربة البيت التونسية المقيمة في برن والأم لطفلين. فالاجتماع مع صديقاتها والطبخ معا والذهاب للجامع وصلاة التراويح ومتابعة الدروس الدينية، كلها تشكل جزءا من دورة حياتها اليومية أثناء فترة الشهر الفضيل.
رغم ذلك، فأن العامل الحاسم فعلا في خلق أجواء رمضان الاحتفالية والروحانية يتمثل في وجود القنوات الفضائية العربية، أو كما تقول السيدة الشرقي: “أن الفضائيات تلعب دورا كبيرا بالنسبة للجالية العربية في أوروبا بصفة عامة. فقد أصبح بإمكاننا الآن متابعة شعائر الصلاة مباشرة من مكة، ناهيك عن المسلسلات العربية المتنوعة”.
ولا يتوقف دور الفضائيات العربية على ذلك. فهي تخلق شعورا “ولو افتراضيا” بأن الوطن رغم بعده قريب. تقول السيدة العرفاوي: “عندما أكون خارج البيت لا أشعر بطعم رمضان. لكن عند دخولي إليه ومع التلفزيون والقنوات الفضائية ومع الزيارات، يتملكني إحساس بأن الحالة مشابهة إلى حد ما لما هو موجود في تونس أو في أي بلد عربي أخر”.
وله ليال سويسريةٌ.. أيضا
على خلاف نظيراتها من المسلمات العربيات، فإن السيدة فوزي باعتناقها الإسلام في سويسرا أقدمت على رمضان كصفحة بيضاء، دون رصيد من العادات أو التقاليد. وهي ترى في ذلك ميزة إلى حد كبير. فقد وفر لها الفرصة كي تعايش أجواء رمضان الروحانية.. لا الاحتفالية: “أفضل أن أستغل الوقت كي أتعلم مع أولادي الإسلام بصورة أفضل، أو قراءة القرآن، وليس في تجربة أنواع جديدة من الوصفات الغذائية”.
بعبارة أخرى، فإن السيدة فوزي لا تطبخ وجبات خاصة لرمضان (عدا الحريرة مرة كل أسبوع): “أطبخ كما أفعل في الأيام العادية، وبكميات ليست كثيرة، لأني أعتقد أن الهدف من الصيام ليس إمضاء اليوم في التفكير في الطعام، وإنما التأمل والتحول إلى القيم الداخلية”.
هذا لا يعني أن السيدة فوزي لا ترى أهمية في خلق تقاليد محددة بشهر رمضان، وخاصة بعد أن أنجبت ولديها (9 و11 سنوات): “مع إنجابي للأطفال، أدركت أن علي أن أخلق تقليدا سنويا لأطفالي يجعلهم يفرحون بقدوم شهر رمضان، وينافس جاذبية أعياد الميلاد”.
تفكير السيدة فوزي هداها إلى إعداد رزمانة بعدد أيام شهر رمضان: “كانت لوحة كبيرة رسمنا عليها، أنا وأطفالي، صورة مسجد ونجوم مطلة عليه من السماء، وعلى اللوحة وضعنا ثلاثين كيسا صغيرا، يحتوي كل منها على حلويات وهدايا صغيرة”.
شكلت الأكياس الصغيرة نوعا من التدريب المبكر للطفلين على الصيام: “كان عليهما أن ينتظرا حتى موعد الإفطار، كي يسمح لهما بفتح الكيس المخصص لهما”. ومع الوقت تعلم الأطفال بهذه الطريقة حفظ القرآن والصلاة.
وصيام التلاميذ في المدارس!
لازال طفلا السيدة العرفاوي صغارا على الصيام (3 و5 سنوات)، أما ولدا السيدة فوزي فقد بدءا في الصيام فعلا.. كل حسب مقدرته وباختياره المحض: “أصبح أبني الأصغر (9 سنوات) يأخذ إفطاره في الصباح ثم يصوم حتى وقت الإفطار، أما أبني الأكبر (11 عاما) فهو يصوم بصورة عادية”.
وهما ليسا وحدهما في ذلك: “توجد أعداد كبيرة من التلاميذ المسلمين في المدرسة الذين يصومون أيضا”. شكّل وجود هذه الشريحة من التلاميذ حافزا على التنافس فيما بينهم:”يسأل التلاميذ بعضهم البعض: كم عدد الأيام التي صمتها إلى حد الآن، وهل تصوم اليوم أيضا؟”
ولذلك، تقول السيدة فوزي، لا يشعر طفلاها بالوحدة في شهر رمضان، بل هما فخوران أيضا لأنهما قادران على فعل شئ لا يستطيعه نظرائهما من غير الصائمين.
إلهام مانع – سويس إنفو
رغم بعدهن عن أجواء رمضان في البلاد العربية، تمكنت العديد من النساء العربيات من خلق جو خاص بالشهر الفضيل في سويسرا. في المقابل، عمدت بعض السويسريات ممن اعتنقن الدين الإسلامي إلى خلق تقاليد مميزة يمارسنها في كل مرة يفد فيها شهر الصيام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.