مـئـذنـة “فنغن” المـثـيـرة للـجـدل
رفضت لجنة المباني في إحدى القرى السويسرية في كانتون سولوتورن الترخيص بتشييد مئذنة ضمن مشروع لتجديد مركز تابع لإحدى الجمعيات الثقافية التركية.
هذا القرار لا يمثل نقطة النهاية في هذا الملف، إذ تعتزم الجمعية التركية التظلم لدى سلطات الكانتون، بينما يصر حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد على معارضة الخطوة.
لم يكن يتوقع الإتحاد الثقافي التركي في قرية فنغن القريبة من مدينة أولتن، أن يتحول مشروع تجديد مبنى مركزه إلى محور اهتمام إعلامي محلي (ووطني أحيانا) منذ شهور.
ففي شهر سبتمبر 2005، طلبت الجمعية الثقافية التركية الترخيص ببناء مئذنة فوق المبنى الذي تستعمله منذ فترة للقيام بأنشطتها إضافة إلى إدخال بعض التحسينات على المبنى (وهو أحد مصانع القرية القديمة المهجورة) ليتحول إلى مركز جديد يضم وحدة متكاملة للعمل الثقافي والديني على حد سواء.
لجنة البناءات في بلدية فنغن رفضت الطلب واوضح ماكس تسوللي، مدير البناءات في البلدية أن المشكل يتمثل في أن المبنى يُوجد في منطقة صناعية وأنه إذا ما اضيفت إليه مئذنة فقد يتخذ طابعا “مقدسا” في حين أن الكنائس الموجودة مقامة في المنطقة المخصصة للمباني العمومية.
وشرح السيد تسوللي أن المساواة في المعاملة تقتضي رفض الطلب نظرا لأن المباني ذات الطابع “المقدس” للطوائف الدينية الأخرى غير مُرخص بإقامتها في المنطقة الصناعية. يضاف إلى ذلك أن المشروع الذي قدم إلى البلدية لا يتطابق مع بنود القانون المحلي المتعلقة بالبناءات فوق السطوح وبمقاييس الطول، على حد قول السيد ماكس تسوللي.
ورغم الإحتقان الذي خيم على أجواء القرية منذ خريف 2005، فقد أكد ماكس تسوللي رئيس لجنة المباني في القرية بأن قرار رفض تشييد المئذنة يعود لأسباب تقنية وفنية بحتة، ورفض في تصريح أدلى به إلى وكالة الأنباء السويسرية أن تكون الإعتراضات والمخاوف التي صاحبت مناقشة المشروع “قد أثرت على القرار”.
قرار سياسي
السيد سليمان عصمانوف، المتحدث باسم الجمعية أعرب لسويس إنفو عن دهشته لهذا الرفض ورأى أنه “قرار سياسي.. لقد كان السكان المحليون خائفين من رؤية مئذنة في القرية وقد عارض ذلك الكثير من الأشخاص”.
ومع أن سكان قرية فنغن لم يعارضوا إقامة المركز في حد ذاته، لكنهم أعربوا عن قلقهم من وجود مئذنة في قريتهم، إلا أن ممثلي حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد تمكنوا – بعد أيام قليلة من تقديم طلب الترخيص بالبناء – من جمع توقيعات 400 مواطن (يبلغ عدد سكان القرية 4700 نسمة)، يعارضون بناء المئذنة وينددون بما أسموه “توسعا إسلاميا”.
من جهتها، عارضت الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية في القرية المشروع وبررت ذلك بالخشية من المساس بالسلم الديني. وجاء على لسان أحد القساوسة البروتستانت في حديث مع صحيفة “أولتنر تاغبلات” المحلية بأن هذا المشروع “يهدد السلام الديني في القرية والمدينة”.
ويرى سليمان عصمانوف أن معارضة السكان نجمت جزئيا عن عدم معرفة الناس بدور المئذنة وقال: “إنه رمز يمكن أن نشاهده في كل العالم. لم تكن هناك أي مسألة سياسية في مشروعنا”. وأوضح المتحدث باسم الجمعية الثقافية التركية أنه عندما يتم توضيح هذه الوظيفة الرمزية للمئذنة للناس فإن معارضتهم تزول بشكل عام.
وعلى الرغم من القرار السلبي للجنة البناءات، فإنه لم يتم التخلي عن فكرة بناء مئذنة في فنغن وتعتزم الجمعية “استعمال جميع الوسائل القانونية المتاحة من أجل الحصول على الموافقة” على المشروع.
3 مـآذن في سويسرا
من جهتها، تعتقد السيدة مالوري شنويللي أمينة مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا التابعة لجامعة فريبورغ، بأن “قرار الرفض ذو طابع سياسي – ثقافي مزدوج، فمن ناحية لا يمكن للأحزاب السياسية الأخرى أن تعارض حزب الشعب السويسري اليميني حتى لا تكون في نظر المواطنين اقل وطنية منه، ومن ناحية أخرى لا يمكن أن تعارض كنيسة كاثوليكية وتوافق أخرى بروتستانتية في قرية صغيرة مثل فنغن، لذا كان متوقعا أن يكون لهذه المعارضة تأثيرها”، حسب قولها في حديثها مع سويس انفو.
تجدر الإشارة إلى حالة أخرى مشابهة حيث أن مسجد مدينة فينترتور (شمال زيورخ) يقع أيضا في حيها الصناعي، ولم تمانع السلطات هناك من تشييد مئذنة له في إطار عملية تجديده وتحديثه، ولم يعترض أحد بحجة أن البناء يتم وسط الحي الصناعي، كما برر السيد تسوللي المسئول في قرية فنغن.
وهنا، تقول السيدة شنويللي بأن هذا الاختلاف شيء عادي في سويسرا، لأن النظام الفدرالي يمنح السلطات المحلية في الكانتونات والبلديات صلاحيات كثيرة فيما يتعلق بقوانين البناء والمعمار، ولأن كانتون زيورخ يختلف ثقافيا وتاريخيا تماما عن كانتون سولوتورن، فكان من المتوقع أن يكون رد الفعل مختلفا في الحالتين، حسب قولها.
هذا الرأي له ما يعززه من الشواهد، إذ أن أول مئذنة تم تشييدها في سويسرا كانت في عام 1963 في مدينة زيورخ لمسجد تابع للطائفة الأحمدية، واعتبره المسئولون آنذاك نوعا من التنوع المعماري للمدينة.
أما مئذنة سويسرا الثانية فهي شامخة في جنيف، منذ تدشين الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله للمؤسسة الثقافية الإسلامية هناك عام 1978، ويمكن القول بأن العوامل السياسية لعبت دورها في الموافقة على بناء هذا المسجد بقبته ومئذنته، إذ أن جنيف تستضيف المقر الأوروبي للأمم المتحدة، وبالتالي فهي مقر للعديد من البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية، لذلك لم يكن من المنطقي ألا توافق السلطات في الوقت الذي تعلن فيه أنها مدينة عالمية، رغم تمسك حكومتها بممارسة علمانية واضحة.
“رموز إسلامية في مجتمعات مسيحية”
وفيما يعتقد بعض المتابعين لأوضاع الجالية المسلمة في سويسرا، بأن تزايد أعدادها سيدفع المسئولين المحليين والفدراليين إلى التعاطي مع القضايا التي تمسها بشكل أكثر مرونة من ذي قبل، إلا أن الباحثة شنويللي، تقول بأن “الاختلاف في تناول قضايا الجالية المسلمة يتعلق بنوع الملف المطلوب دراسته، أو تحوم حوله الكثير من الأسئلة”.
وترى الباحثة بأن مشكلة المقابر على سبيل المثال لم تعد تشكل حساسية كبيرة الآن بعد أن نجحت كانتونات مختلفة في طي أوجه الاختلاف بين الجالية المسلمة والسلطات، وقد يكون مرد ذلك – حسب رأيها – إلى أنها تتعلق بالموت، وليس بشأن حياتي يتنقل ويعيش أمام المجتمع والناس، مثل القضايا المرتبطة بالمرأة كالحجاب ودروس التربية الرياضية للفتيات وغيرها.
وترى بعض الأوساط ذات التوجهات النقدية تجاه الإسلام في سويسرا أن بناء المآذن يمثل رمزا لما تسمية بـ “التوسع الإسلامي”، لذلك فإن حالة فنغن ليست حادثة معزولة مثلما يعتقد البعض حيث رفضت سلطات مدينة فوهلن (في كانتون أرغوفي) مؤخرا الترخيص ببناء مئذنة.
من جهتها، تخلت الجالية الإسلامية في مدينة بيل/بيان (في كانتون برن)عن مشروعها الرامي لتشييد مركز في بلدية “نيداو” القريبة إثر معارضة السكان المجاورين للموقع الذي تم الإختيار عليه. ويُذكر أن محاولة اقتناء المملكة العربية السعودية في عام 1984 لقطعة أرض في بلدية فابرن (القريبة من مدينة برن) من أجل بناء مسجد فوقها قد قُوبلت حينها بالرفض.
أما قضية بناء المئذنة في فنغن فهي لم تنته بعد. فعلى الرغم من تأكيد الجمعية الثقافية التركية بأنه لن يتم تركيب بوق عليها وانه لن يصعد إليها مؤذن لرفع النداء للصلاة وإنما هي مجرد شعار فقط، إلا أن فرع حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) في المدينة يقف الآن للمشروع بالمرصاد.
وفي هذا السياق، تعهد رومان ياغي المتحدث الإعلامي باسم الحزب والعضو في البرلمان المحلي لكانتون سولوتورن، بالعمل على استصدار قانون يحظر تشييد المباني ذات الصبغة الدينية المزعجة، وانتقد أيضا “تزايد انتشار الرموز الإسلامية في مجتمعاتنا المسيحية”، على حد تعبيره.
سويس انفو – تامر أبو العينين
يبلغ عدد المسلمين في سويسرا طبقا لإحصاء عام ألفين 310 آلاف نسمة، أغلبهم من ابناء البلقان والأتراك ويمثلون 4.5% من إجمالي عدد السكان في الكنفدرالية.
يوجد في سويسرا 3 مساجد تمكنت من تشييد مئذنة، في كل من زيورخ وجنيف وفينترتور.
يصل عدد قاعات الصلاة في سويسرا إلى حوالي 200 قاعة توجد في الأغلب في أقبية العمارات السكنية أو في مساحات كبيرة في مصانع مهجورة.
حاول مسلمو مدينة فنغن بكانتون أولتن تجديد مركزهم الثقافي وتشييد مئذنة عليه، فرفضت السلطات المعنية لأن المئذنة “لا تتناسب مع الحي الصناعي”.
وقف حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد بوجه المشروع منذ إنطلاقه في خريف 2005، وحصل على تأييد كنائس المدينة.
قرر ممثلو الجالية المسلمة رفع المشكلة إلى سلطات الكانتون، لإعادة النظر في القرار.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.