مـفـاجأة النواب للعلماء والباحثين!!
فاجأ مجلس النواب السويسري "نفسه والحكومة والمراقبين" بموافقة غير متوقعة على زيادة مهمة في التمويلات المرصودة للتكوين والبحث والتطوير.
إذ على الرغم من أجواء التقشف الصارمة التي تعرفها المالية الفدرالية، قررت أغلبية (ضئيلة) من النواب منح الأولوية للبحث العلمي.
ليس من باب المبالغة القول بأن النقاش الذي دار يومي 5 و6 أيار تحت قبة البرلمان الفدرالي في برن حول حجم نسبة الزيادة السنوية في التمويل العمومي للبحث العلمي سيحدد إلى حد بعيد “مستقبل” سويسرا.
ففي الوقت الذي كان يؤمل فيه الباحثون زيادة الموارد المخصصة للبحث والتطوير والتكوين خلال السنوات الأربع القادمة بـ10% سنويا، اقترحت الحكومة عدم تجاوز نسبة 4 % أما البرلمان فيتّجه – رغم مفاجأة الثلاثاء – إلى إقرار زيادة بـ 5%!
فعندما تفرض المعطيات الإقتصادية قوانينها الصارمة، يحتاج الساسة إلى قدر كبير من الشجاعة والرؤية الثاقبة للحسم بين الخيارات المتاحة واتخاذ القرارات الصعبة. لكن هذه المعضلة التقليدية التي واجهت أعضاء مجلس النواب لدى مناقشتهم حجم الزيادة السنوية لمخصصات البحث العلمي والتطوير خلال الفترة المقبلة كشفت عن وجود استقطاب سياسي واضح حول سلم الأولويات في هذه المجال.
فبعد أن أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن تخفيضات كبيرة في الميزانية الفدرالية وصلت إلى 3،4 مليار فرنك، لجأت إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية ومن بينها تخفيض معدل الزيادة السنوية في الموارد المالية المخصصة للتكوين والبحث العلمي من 5 في المائة (كما كان مفترضا) إلى 4 في المائة.
ويعني ذلك عمليا خسارة مراكز الأبحاث والمعاهد التقنية العليا ومؤسسات التكوين والتطوير 346 مليون فرنك عما كان مفترضا في التوقعات الأولية التي مثلت بدورها تراجعا يُقدر بـ 480 مليون عما جاء في المشروع الأوّلي الصادر عن الحكومة الفدرالية في شهر نوفمبر 2002.
وفي المحصّلة النهائية، يُتوقع أن لا تزيد الإعتمادات المبرمجة للسنوات المقبلة عن 16 مليار فرنك مقابل 17،3 مليار فرنك وهي خسارة فادحة لهذا القطاع الحيوي في ظل احتدام التنافس الدولي و”انفجار” حقيقي لأعداد الطلبة في المدارس التقنية العليا والشُّعب ذات التخصصات الدقيقة.
تحذيرات و.. سُمعة!
وقُبيل انطلاق النقاش البرلماني، أعرب جاك نايرينك النائب عن الحزب الديموقراطي المسيحي والأستاذ في المعهد التقني الفدرالي في لوزان عن مخاوفه الشديدة وقال لسويس إنفو: “إن الترفيع في موارد التكوين والبحث العلمي بأربعة في المائة فحسب سيكون أمرا غير مُـحتمل”.
ومن الملفت أن هذه التخفيضات المقترحة جاءت بعد أشهر قليلة من إعلان الحكومة الفدرالية بشكل رسمي أن البحث العلمي والتطوير يمثلان “أولوية وطنية” لسويسرا.
وهو ما دفع ندوة عُـمداء الجامعات السويسرية إلى المطالبة بأن تصل نسبة الترفيع في الموارد إلى 10 في المائة بل إلى التحذير من أن ذلك يمثل “شرطا لاحتفاظ سويسرا بقدرتها التنافسية” على حد قول رئيسة الصندوق الوطني للبحث العلمي.
إذ أن سويسرا لا زالت تحتل المرتبة الأولى عالميا في كوكبة البلدان التي تُسجل أكبر عدد من الحائزين على جوائز نوبل وأصحاب براءات الإختراع ومُعدي الأبحاث العلمية مقارنة بعدد السكان.
ففي عام 2000، أنفقت سويسرا مليارين ومائة مليون فرنك على الأبحاث والتطوير تُضاف إليها 725 مليون صرفتها الكانتونات في نفس المجالات. وهو ما يُساوي 2،7 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي بما يضع الكنفدرالية ضمن نخبة بلدان منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية وراء السويد وفنلندا واليابان والولايات المتحدة.
وفيما يتكفل القطاع الخاص بحوالي 70% من الأبحاث، لا تمول السلطات الفدرالية سوى 23،2% منها وهو ما يُمثل خاصية سويسرية يُفترض أن تثير الإرتياح في أوساط الصناعيين ورجال الأعمال.
جدل .. ومفاجأة
ومع الجهود الحثيثة التي بذلها ما أصبح يُلقب بـ “لوبي البحث العلمي” في الأسابيع الماضية في صفوف جميع البرلمانيين لإقناعهم بخطورة الموافقة على مُقترحات الحكومة التقشفية، بدا واضحا منذ اليوم الأول من النقاش البرلماني أن الإشتراكيين والخضر والليبراليين يدعمون بقوة مطالب مؤسسات البحث والتطوير والتكوين.
في المقابل، جدد نواب حزب الشعب السويسري (يمين قومي) رفضهم الشديد لأي زيادة في الموارد المرصودة واعتبروا أن الزيادة المسجلة في عدد الطلاب ليس علامة صحية “نظرا لارتفاع عدد الذين لا يُجيدون القراءة والكتابة رغم كل الأموال المصروفة” على حد قول النائب كريستوف بلوخر.
كما تطرق المعارضون إلى ما أسموه بـ “تدني المستوى العام في المعاهد الثانوية والجامعات” وإلى “البيروقراطية الضخمة التي تُعاني منها المدارس التقنية العليا” من أجل تبرير رفضهم لأي تحوير في نسبة الزيادة المقترحة من طرف الحكومة.
في المقابل، رفض الإشتراكيون بقوة مبررات اليمين القومي بل تدخل بعض المتحمسين منهم (النائب رودولف شترام من برن) لعقد مقارنة بين الدعم الحكومي الضخم الممنوح للمزارعين وبين الموارد المقترحة للبحث العلمي والتساؤل: “هل نريد مزيدا من الأجبان ومدارس أقل؟”.
فرحة لن تطول؟
الوزير آغتنم الفرصة للتذكير بأن ظاهرة توجّه المزيد من المؤسسات الصناعية الكبرى في سويسرا خلال الفترة الماضية إلى نقل مراكز أبحاثها ومختبرات التطوير التابعة لها إلى الخارج “يفرض على الدولة استئناف القيام ببعض المهام لأن البحث الأساسي يظل أمرا حيويا” حسب قوله.
وفي نهاية النقاش، عكست نتيجة التصويت احتداد المواقف السياسية المتأثرة حتما باقتراب موعد الإنتخابات العامة في أكتوبر المقبل. حيث وافق 80 نائبا على عريضة الإشتراكية أنيتا فاتز التي تُطالب بعدم المسّ من مبلغ 17،3 مليار فرنك (الذي اقترحته الحكومة الفدرالية نفسها في شهر نوفمبر الماضي)، فيما عارضها 76 نائبا.
وعلى الرغم من الفرحة العارمة التي عبر عنها أساتذة جامعيون وباحثون تابعوا عملية التصويت إلا أن المراقبين يعتقدون أن تمرير المقترح سيصطدم بالتوازنات القائمة في مجلس الشيوخ الذي يُنتظر أن يكتفي بنسبة زيادة سنوية بخمسة في المائة في الموارد المالية المرصودة للبحث العلمي والتطوير والتكوين.
كمال الضيف – سويس إنفو
أنفقت سويسرا في عام 2000 مليارين ومائة مليون فرنك على الأبحاث والتطوير تُضاف إليها 725 مليون صرفتها الكانتونات في نفس المجالات
هذه المبالغ تساوي 2،4% من إجمالي الناتج الداخلي للكونفدرالية وهو ما يضع سويسرا ضمن كوكبة العشر الأوائل من بلدان منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية وراء السويد وفنلندا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية
يُـؤمّن القطاع الخاص حوالي 70 في المائة من الأبحاث فيما لا تزيد هذه النسبة في فرنسا مثلا عن 46 في المائة
في السنوات العشر الماضية لم يتجاوز معدل نسبة النمو السنوي للميزانية المخصصة للبحث العلمي والتطوير واحدا في المائة (1%)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.