مكافحة الإرهاب تتقدم على بقية الإهتمامات
على مدى الشهرين الماضيين، بدت الأوساط السياسية والشارع اليمني أكثر انشغالا بزيارة رئيس البلاد إلى الولايات المتحدة من غيرها..
غير أن المؤشرات الأولية للزيارة كشفت أن الملف الأمني كان الأكثر حضورا، فيما بقي الغموض محيطا بالقضايا الأخرى.
يبدو أن زيارة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى واشنطن خلفت من التساؤلات أكثر مما قدمته من الإجابات، خاصة في الشارع اليمني وداخل الأوساط السياسية اليمنية التي انشغلت على مدار الفترة الماضية بهذه الزيارة.
وكانت الأوساط اليمنية والشارع اليمني خلال الشهرين الماضين أكثر انشغالا بزيارة رئيسهم إلى الولايات المتحدة من غيرها، رغم أنها تأتي ضمن جولة قادته إلى كل من اليابان وفرنسا، ويعود ذلك الإنشغال إلى ما اعتبرته تلك الأوساط من أن صنعاء تتعرض لضغوط كبيرة من واشنطن، التي تطالب بإصلاحات ديمقراطية وتعزيز حرية الصحافة، ومكافحة الفساد ومحاربة الإرهاب.
غير أن المؤشرات الأولية للزيارة كشفت أن الملف الأمني كان الأكثر حضورا، فيما بقي الغموض يحيط بالقضاياالأخرى، خاصة منها قضية الديمقراطية والحقوق والحريات، بقدر ما يحيط الغموض عادة بالموقف الأمريكي منها أصلا.
هيمنة محاربة الإرهاب
ظهر جليا خلال هذه الزيارة (وما دار فيها من مباحثات)، هيمنة محاربة الإرهاب، والملف الأمني من خلال عدة مؤشرات من أهمها تركيز التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأمريكيين على الشراكة اليمنية في مكافحة الإرهاب أكثر من اعتنائها بالمسألة الديمقراطية.
الرئيس الأمريكي جورج بوش خصّ جهود اليمن في مجال مكافحة الإرهاب بإشادته المعهودة حينما قال: “إن اليمن شريك فعال في مكافحة الإرهاب.. ونعمل سويا للقضاء على الإرهابيين أينما وجدوا.. ويجب أن لا نريهم أننا نتوقف أو نمل في حربنا ضد الإرهاب.. ونلتزم بالعمل سويا لإرسال المجرمين إلى القضاء والعدل، سواء هنا أو هناك.. سنتابعهم ونلقي القبض عليهم لمحاكمتهم ولا هوادة مع القتلة الإرهابيين”، لكن بقية فيما لم تحظ القضايا الأخرى بالتزام أمريكي مماثل.
ويرى المراقبون في حضور رونالد رامسفيلد، وزير الدفاع، وستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي، وفرانسيس تاونسند، سكرتير الأمن القومي لشؤون مكافحة الإرهاب، لجلسات المباحثات التي دارت بين الرئيسين صالح وبوش في البيت الأبيض علامة بارزة على مدى ثقل الملف الأمني في علاقة البلدين، وهو ما عززته تصريحات الرئيس اليمني الذي قال للصحفيين: “لقد تحدثنا خلال اللقاء عن قضايا التعاون بين البلدين وآفاق تعزيزها، وكذا الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب الذي تفشى بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، باعتبار ذلك أهم مشترك للجميع وخطر يهدد الأمن والسلم الدوليين”.
وعلى ما يبدو، فإن المسألة الديمقراطية والحريات الصحفية وحقوق الإنسان قد احتلت مرتبة ثانوية في المحادثات، على الرغم من أن التوقعات رشحتها لأن تسيطر على جدول المباحثات بين الجانبين، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها توماس كراجيسكي، السفير الأمريكي في صنعاء، ونائبه نبيل خوري قبيل هذه الزيارة، حيث قال الأول إن الديمقراطية في اليمن قد توقفت، ثم عاد واستدرك منذ أيام بأنه لم يقل ذلك، بعد ذلك جاء على لسان نائب السفير نبيل خوري أن الديمقراطية في اليمن “بحاجة إلى تطوير”، مشيرا إلى أن ما وصلت إليه التجربة “ليس آخر المطاف”.
إشارة غائمة عن الديمقراطية
وفي الإطار ذاته، كان تقرير الخارجية الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان للعام الماضي حمل انتقادات عدة لصنعاء، كما أنها لم تف بمعايير الحكم الرشيد التي تؤهلها للاستفادة من دعم صندوق تحدي الألفية، مع أنها واحدة ضمن ثلاثة عشر بلدا رُشحت للتأهل لدعم ذلك الصندوق.
علاوة على كل ذلك، جاءت العديد من التقارير الدولية بتقييمات سلبية لليمن في عدة ميادين، مثل الحريات الصحفية، والشفافية، ومكافحة الفساد، والتنمية البشرية، إضافة إلى ما حفلت به العديد منها من تقييمات سلبية لليمن على مستوى الحريات الصحفية وانتشار الفساد.
كل ذلك رشح قضية الديمقراطية والحريات الصحفية وحقوق الإنسان أن تكون على رأس قائمة المباحثات بين الرئيسين صالح وبوش، بل أن المعارضة وصحفها، ولأول مرة، بدت تراهن على هذه الزيارة في تطوير العملية الديمقراطية، وتتحدث عن ضغوط أمريكية غير مسبوقة على الرئيس صالح من شأنها أن تجبره على تصحيح المسار الديمقراطي.
لكن، من الواضح أن مثل هذه المسائل قد توارت لصالح ملف مكافحة الإرهاب طبقا للمؤشرات الأولية التي لم تعط لتطوير العملية الديمقراطية سوى إشارة غائمة الوضوح والدلالة، حينما أكد الجانبان على “تطوير” العملية الديمقراطية، وجددوا “تقديرهم” للتجربة اليمنية.
أين الوعود؟
في نفس السياق، كشفت مصادر رفيعة لسويس انفو “أن الاكتفاء بالإشارة إلى تطوير التجربة دون تحديد لماهية ذلك التطوير، يعكس قبول الجانب الأمريكي بالمشروع اليمني للإصلاحات الديمقراطية الذي حمله الرئيس اليمني معه، ويشتمل على تصور متكامل لعملية تطوير التجربة الديمقراطية اليمنية، والحريات الصحفية، ومكافحة الفساد، ويستند في جوهره إلى ما عبّـر عنه الرئيس اليمني مؤخرا قبيل زيارته.
وكان الرئيس اليمني عشية عيد الثورة اليمنية في الرابع عشر من أكتوبر الماضي، قد وعد بإحداث إصلاحات سياسية، وإجراء تعديلات دستورية هامة تهم توسعة صلاحيات السلطات المحلية وانتخاب أعضائها انتخابا مباشرا، بمن فيهم رؤساء المحافظات، ومديري الإدارات، وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى وانتخابه عن طريق الاقتراع العام المباشر، بدلا من تعيين أعضائه الـ 111 بقرار من رئيس الجمهورية.
وعلى صعيد الحريات الصحفية التي عرفت تدهورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، أكد الرئيس صالح في خطابه عشية عيد الفطر إلى أن حرية الصحافة سوف تحظى بمزيد من التطوير، وستوفر لها المناخات المشجعة والتشريعات الملائمة.
وما يعزز هذه الفرضية، أنها تأتي متسقة مع ما أعلنه وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، الذي يرافق الرئيس في جولته هذه، إذ أكد قبل مغادرته صنعاء أن الرئيس اليمني يحمل رؤية للتوسع في الإصلاحات السياسية والديمقراطية على المستويين، الوطني والدولي، ورؤية في مكافحة الإرهاب وفقا للنتائج التي حققها اليمن على هذا الصعيد، وأن تلك الرؤية ستطرح خلال زيارته لكل من طوكيو، وواشنطن، وباريس.
التضحية بالحقوق والحريات
عموما، يبدو أن الموازنة بين الدمقرطة وحماية الحقوق والحريات من جهة، وبين مكافحة الإرهاب من جهة ثانية، تضع اليمن (وكل الدول المعنية في العالم العربي) دائما إزاء إشكالية عويصة كثيرا ما أدت إلى التضحية بالحقوق والحريات لصالح مكافحة الإرهاب، فضلا عن أن التجربة قد عززت قناعة رجل الشارع قبل غيره بأن يظل محتاطا، إن لم يكن مرتابا بصدقية الولايات المتحدة من الديمقراطية في الظروف العادية، فما بالك وهي مهووسة منذ 11 سبتمبر 2001 بحرب على عدو لا تعرف مكانه ولا حدوده.
ربما ذلك هو ما حجم حضور المسألة الديمقراطية والحقوقية لصالح ملف الإرهاب، وهم ما يلقي بالكثير من التساؤلات على هذه الزيارة أكثر مما قدمته من الإجابات، خاصة فيما يتعلق بملف الإصلاحات الديمقراطية والحقوقية الموعودة في اليمن.
عبدالكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.