مكافحة الغش والقرصنة.. أولى حروب سويسرا الإقتصادية!
بدأت سويسرا حربا ضد البضائع المزورة والمغشوشة، من الواضح أنها ستكون بلا هوادة بعد ظهور حجم الخسائر الفادحة التي يتكبدها الإقتصادي السويسري وبعد اتهامات موجهة إلى الكنفدرالية بأنها أصبحت احدى مراكز توزيع تلك البضائع إلى أوروبا وبعض دول العالم.
“الحرب السويسرية” ستكون على أكثر من جبهة، وستبدأ أولا بتوعية الرأي العام.
سيجد الرأي العام السويسري نفسه قريبا في مواجهة لافتات تحذره من التعامل مع البضائع المغشوشة والمزورة، سواء في الطرقات أو المواصلات العامة أو وسائل الإعلام المختلفة.
وقد دشن وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر صباح الثلاثاء 16 يناير الجاري في زيورخ الحملة السويسرية لمكافحة هذه الجريمة الإقتصادية، في حضور الإتحادات الصناعية المتضررة من جرائم الغش التجاري، وحشد كبير من الإعلاميين والصحفيين.
وقد وضعت اتحادات الصناعات المتضررة من التزوير والغش التجاري بالتعاون مع المكتب الفدرالي لحماية الملكية الفكرية برنامجها لمكافحة التزوير والقرصنة على موقع خاص بها على شبكة الإنترنت، يضم معلومات لتوعية الرأي العام بخطورة هذه المشكلة، وبعض الأفكار لعلاجها.
وقال بلوخر في كلمته “إن البضائع المغشوشة ليست فقط في الساعات أو بعض المنتجات التي تحمل أسماء علامات تجارية مشهورة، بل تطال أيضا الصناعات الثقيلة بما في ذلك محركات الطائرات وقطع الغيار الإليكترونية، فضلا عن الأدوية والعقاقير الطبية والمواد الإعلامية مثل الأغاني والأفلام السينمائية”.
وقد برر عضو الحكومة الفدرالية الإهتمام الرسمي بهذه الحملة، “لضرورة مواجهة الخسائر التي تصيب سويسرا من هذه الجريمة، فمن ناحية تتضرر صحة المشتري الذي يتعاطى أدوية مغشوشة، أو قد تحدث كارثة بسبب استعمال جهاز مغشوش لعدم وجود الضمان اللازم، ولذا يجب توعية الرأي العام الذي لا يعي حجم تلك المخاطر في حجمها المناسب”، حسب قوله.
أما الشق الآخر فهو أن الرأي العام لا يدرك خطورة تشجيع تلك الظاهرة، “فأغلب من يعمل في هذه التجارة أو يقومون بتصنيع المواد المغشوشة هم من عصابات الجريمة المنظمة، ويستغلون هذا المنفذ للحصول على أموال بشكل سريع لتمويل أنشطتهم، وهنا يكون المشتري متواطئ معهم، دون أن يدري”، على حد تعبيره.
سرقة بدهاء تعرقل الإبتكار
من ناحيته قال توماس بليتشر رئيس الفرع السويسري للإتحاد الدولي للغرف التجارية “إن الغش التجاري طال جميع المجالات، وتترك هذه الجريمة بصماتها على الجميع، فتضيع الحقوق لصالح من يقفون ورائها”، ووصفهم باللصوص، “الذين يستبيحون سرقة المجهود المبذول في الإبتكار والإختراع والتطوير والتصنيع وكل المراحل التالية حتى وصول المنتج إلى المستهلك”.
وحذر بليتشر من خطورة التقاعس في مواجهة تلك الظاهرة، “لأنها ستتسبب في التأثير سلبيا على الصناعة في الدول الأوروبية المتقدمة، وانتشار البطالة وضياع موارد مالية كبيرة على الدول المتضررة، وطالب حكومات الدول الصناعية الكبرى بضرورة التدخل لدى البلدان التي تنتشر فيها تلك الظاهرة، للحد منها ومكافحتها”.
كما أعتبر فيلكس آدور من المعهد الفدرالي للملكية الفكرية “هذه السرقة من الأسباب الهامة التي تصيب المبدعين والمخترعين بالإحباط، لعدم حصولهم على حقوقهم كاملة، بل تتعرض للسرقة والنهب دون أن يتحرك أحد لدعمهم”، ويجد آدور أن الإتفاقيات الدولية لحماية الملكية الفكرية قد لا تكفي أحيانا بل لابد من الحماية التي تبدأ من الفرد العادي الذي يجب أن يعي أنه عندما يشتري منتجا مزورا، فإنما هو يساهم في سرقة أحد المخترعين.
ويقول جان دانيال باشيه رئيس اتحاد صانعي الساعات السويسرية إن هذا القطاع هو أكثر المتضررين من هذه الظاهرة، حيث دأبت عصابات التزوير منذ زمن بعيد على تقليد ماركات الساعات الشهيرة، بأنواع مختلفة، منها من يسهل الكشف عنه بسرعة، ومنه أيضا من أصبح دقيقا يصعب معه التمييز بين الأصل والتقليد،
وحذر باشيه من التهاون في مواجهة هذه الظاهرة، لأنها تتسبب في تراجع صادرات الساعات السويسرية إلى العالم، وهي أحد أهم دعائم الإقتصاد المحلي، كما أشار إلى أن نسبة كبيرة من الساعات المزورة لا تتمع بالمواصفات الهامة، وتحلق أضرارا بالغة بالصحة العامة والبيئة، وفي توضيح لسويس انفو أضاف “إن مصانع التزوير تستعمل سبائك معدنية غير مطابقة للمواصفات العالمية وتسبب أمراضا جلدية أو حساسية عامة لمستعمليها، كما أنها تستعمل بطاريات من أردأ الأنواع، وسرعان ما تتحول إلى نفايات ضارة بالبيئة”
وقال باشيه لسويس انفو، إن هناك من يبحث عن تلك الساعات المزورة بقوة، حتى من بين رعايا الدول الأوروبية، فأغلب من يشترونها لا يدركون خطورة ما يفعلونه، لإن بعضهم يشتريها كنوع من التذكار من الدول الآسيوية أو أمريكا اللاتينية، واعترف باشيه بأن الإتحاد يلجأ إلى العديد من الإجراءات الوقائية من بينها الإستعانة بمخبرين سريين في بعض الدول الآسيوية وامريكا اللاتينية للتعرف على مصادر هذه الساعات المزورة، ومن يقوم بتصنيعها لملاحقته قانونيا.
أدوية لمن يدفع الثمن؟
أما غش الأدوية والمستحضرات الطبية، فكان الملف الذي شهد نقاشا حادا بين الصحفيين وكاترين فيس من إدارة معهد المستحضرات الطبية السويسري “سويس مديك” الذي يراعي مصالح شركات الأدوية السويسرية، فقد اصرت على اتهام الدول النامية بالمشاركة في تلك الجريمة لأنها تغض النظر عن تزوير الأدوية في معاملها، وأشارت أيضا إلى أهمية هذا القطاع الصناعي في الإقتصاد السويسري وما يدره على خزينة الدولة من مليارات سنويا، ولذا تطالب بعدم التهاون مع الجهات الداعمة لهذا الغش التجاري.
وقد رفضت فيس تعليقا لسويس انفو بتحميل شركات الأدوية السويسرية مسؤولية هذا الوضع لأنها تفرض رسوما باهظة لمنح تراخيص التصنيع في الدول النامية، وبررت ذلك بأن تكاليف البحث العلمي باهظة للغاية من رواتب الخبراء والمتخصصين إلى التجهيزات العلمية والمعدات والأدوات وفترات اختبارات الصلاحية والدعاية والتسويق، وكلها تكاليف تضاف إلى سعر الدواء النهائي.
وفي إجابة على سؤال لسويس انفو حول الإتفاقيات العالقة بين الشركات السويسرية ومنظمتي الصحة والتجارة العالميتين لتوفير الأدوية والعقاقير الهامة بأسعار مناسبة للدول النامية، قالت فيس بأن هذه الإتفاقيات تمر أحيانا بمراحل عسيرة، وتحدث بين كبريات شركات الأدوية كل على حدة ومنظمة الصحة العالمية لضمان وصول الأدوية بأسعار رمزية إلى مستحقيها، وضمان عدم سرقتها وتهريبها لإعادة بيعها مرة أخرى إلى أوروبا بأسعار مرتفعة، حسب قولها.
في الوقت نفسه أعرب قطاع البرمجيات عن قلقه من قرصنة برامج الكمبيوتر، واعتبر بيتر فازر مدير الفرع السويسري لشركة مايكروسوفت أنه من الصعب الكشف عن سرقة البرمجيات، أو تقديم عدد دقيق لها، سوى من خلال مايتم العثور عليه من تزوير يتم إعدامه، لكن عدد المبيعات لا يتناسب مع عدد مستخدمي الحاسوب، كما أن ظهور مكونات أجهزة الحاسوب المقلدة أو المزورة هي ظاهرة باتت تهدد صناعة الأجهزة والبرامج على حد سواء، لا سيما وأنها تحمل علامات مزورة لشركات كبرى، ونفس المشكلة أيضا في مجال انتاج الموسيقى والأفلام، فهي تصيب الشركات المنتجة والموزعين بخسائر بالمليارات.
من المحتمل أن تواجه هذه الحملة صعوبات جمة، فإذا كانت عصابات الجريمة المنظمة هي التي تتولى هذه التجارة على نطاق واسع كما يقول وزير العدل والشرطة، فكيف يمكن للأمن والشرطة الأوروبية (يوروبول) أو الدولية (انتربول) أن تواجهها وهي التي عجزت حتى اليوم من القضاء على تجارة المخدرات والبشر؟ وإذا كانت الحالة الإقتصادية في اوروبا تعاني من مشكلات البطالة فهل سيفكر المواطن العادي في الفرق بين الأصلي والتقليد؟ أم سيفكر في الذي يتماشى مع حافظة نقوده ومصروفه اليومي؟، هذه الأسئلة لم تجد من يجيب عليها من المتحمسين للمشروع.
سويس انفو – تامر أبوالعينين – زيورخ
تعاونت المؤسسات الصناعية العاملة في مجالات الأدوية والساعات وانتاج البرمجيات والمواد الفنية و الفرع السويسري للإتحاد الدولي لغرف الصناعة والتجارة، مع الحكومة الفدرالية السويسرية لمواجهة ظاهرة انتشار تزوير وغش العلامات التجارية وسرقة المبتكرات واسرار الإختراعات، وستقوم الجهات المؤسسة بتمويل هذا المشروع.
ارتفع عدد حالات البضائع المزورة والمغشوشة التي كشفت عنها الجمارك الفدرالية من 69 حالة في عام 2002 إلى 572 في عام 2005، ووفقا لتقديرات غير رسمية فإن الإقتصاد السويسري يخسر سنويا ملياري فرنك.
هذه النسبة المتزايدة من كل القطاعات والمجالات هي التي دفعت هذه القطاعات الصناعية على اختلاف توجهاتها للتحالف بدعم حكومي لتشكيل تلك الجبهة التي ستكون جسرا للتواصل مع الرأي العام في سويسرا، وربما منه إنطلاقا إلى أوروبا والدول المتضررة من تلك الظاهرة.
ستكون الحملة الجديدة واحدة من حلقات الوصل بين الإقتصاد والسياسة، كي ينقل صناع القرار مشكلات أصحاب الشركات إلى صدارة اهتماماتهم.
يقول الفرع السويسري للإتحاد الدولي للغرف التجارية إن الغش التجاري هو سرقة العلامات التجارية أو التصميمات للسلع المتميزة، مثل الملابس والساعات والمنتجات الجلدية والأجهزة الكهربائية وغيرها، التي هي ملك للشركات المنتجة لها، ومحمية بموجب القوانين التجارية العالمية.
أما التزوير فهو إصدار شهادات منشأ غير صحيحة وتزويد السوق بمعلومات غير صحيحة عن دقة الإنتاج وسلامة الجودة.
القرصنة هي سرقة انتاج الغير وإعادة انتاجه بصورة أو بأخرى دون وجه حق.
يفرض القانون السويسري عقوبة الحبس لمدة 6 سنوات أوغرامة مالية بحد أقصى 100 ألف فرنك على من يمارس الغش التجاري والقرصنة، وفي التعديلات القانونية الجديدة سترتفع عقوبة الحبس إلى 5 سنوات وستزيد الغرامة المالية إلى أكثر من مليون فرنك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.