ملف الاندماج في صلب الحراك السياسي
في معرض التنافس للفوز بأصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية في خريف 2007، حولت الأحزاب السياسية السويسرية سياسة الاندماج إلى ميدان جديد للمواجهة فيما بينها.
قيادات هذه الأحزاب اجتمعت يوم الخميس 16 نوفمبر لتوضيح مواقفها من هذه المسألة، لكن سويس انفو اغتنمت الفرصة لجسّ نبض رؤسائها، واكتشفت عشية اللقاء أن تحالفا لوسط اليسار يلوح في الأفق.
تقول الأرقام والمعطيات بكل وضوح، إن الأجانب غير المندمجين بشكل جيد في المجتمع السويسري، يعانون أكثر من غيرهم من البطالة ويسقطون بسرعة بين براثن الفقر ويقعون بيُـسر في مشاكل مع العدالة ويلتجئون أكثر من غيرهم إلى المساعدات الاجتماعية.
فمن المنطقي إذن، أن تكون سياسة إدماج أفضل للأجانب في مصلحة السياسة والمجتمع في آن معا. وفي هذه الأيام، تحظى هذه الحجة بشعبية مثيرة في أوساط الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، لذلك، فلم تكن مصادفة أن يكون هذا الموضوع محورا رئيسيا للقاء الذي يجمع هذه الأحزاب دوريا في العاصمة برن كل 3 أشهر.
فعلى مدى السنة المنقضية، عرضت الأحزاب الأربعة وثيقة منهجية، شرح فيها كل طرف رؤيته لما يجب أن تكون عليه سياسة الاندماج، وقد نُـشر آخر هذه الوثائق (صدر عن الحزب الاشتراكي) قبل أسابيع قليلة فحسب.
تطبيق قانون الأجانب
في وثيقته، يُـطلق الحزب الاشتراكي “هجوما سياسيا” يتركّـز على ما أسماه “عهد الإدماج”، الذي أقره قانون الأجانب الجديد، الذي صادق عليه الشعب السويسري يوم 24 سبتمبر الماضي، ويؤكّـد مجدّدا على أنه يجب على الأجانب تعلّـم إحدى اللغات الوطنية والتعرف على القوانين وعلى القيم الأساسية لسويسرا.
ويقول رئيس الحزب الاشتراكي هانس يورغ فيهر لسويس انفو: “للمرة الأولى في تاريخ بلادنا، تضمن القانون الجديد حول الأجانب بندا محدّدا، يمكّـن من بلورة سياسة إندماج على المستوى الوطني”، ويضيف “لقد آن الأوان للمرور بسرعة من الأقوال إلى الأفعال”.
مشاركة السكان، أساسية
من جانبه، يعلن الحزب الراديكالي أن “الاندماج يجعل من سويسرا بلدا ظافرا”، ويركّـز – على غرار الحزب الاشتراكي – على معادلة “خُـذ وطالب”، أي أن من يريد الحصول على شيء ما، يجب أن يكون مستعدا على إعطاء شيء في المقابل.
رئيس الحزب الراديكالي فولفيو بيلي، أعرب عن اقتناعه بأنه لا إمكانية للاندماج إلا في ظل وجود تعاون من قبل السكان، ويقول “إن توجه الأجانب إلى الاندماج، لا يكفي لوحده، بل يجب على السويسريين أن يقوموا بالجزء الموكل إليهم”، وعلى كل، فالأمر يتعلق في نهاية المطاف بالتعايش السلمي بين كل مكونات المجتمع.
هناك حاجة لإرادة قوية
في نفس السياق، أصدر الحزب الديمقراطي المسيحي وثيقة بعنوان “حرية العبادة والاندماج”، سلّـطت الضوء على الجالية المسلمة المقيمة في سويسرا، ويشدد رئيس الحزب كريستوف داربولي “كنا الأوائل في اتخاذ موقف حول اندماج المسلمين وقد قلّـدتنا، إثر ذلك، كل الأحزاب الأخرى”.
السيد داربولي يثير هو الآخر مسألة تطبيق القانون الجديد حول الأجانب، ويقول “هناك افتقار في الإرادة السياسية لتطبيق القانون، فالناس الذين يتحدثون كثيرا عن الاندماج، يتّـخذون مواقف دفاعية عندما يحين أوان دفع الأموال”. ومع أن الكنفدرالية خصصت 14 مليون فرنك لفائدة الاندماج، إلا أنه مبلغ زهيد جدا في نظر البعض.
نفس القواعد تسري على الجميع
حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) كان كعادته واضحا جدا في الموقف الذي أعلن عنه، حيث شدد على أن “قواعدنا تطبَّـق على الجميع”، فالشخص الذي تستضيفه سويسرا يجب أن يتكفل شخصيا بعملية اندماجه. وفي هذا السياق، فإن “تعلم اللغة يمثل بلا شك شرطا لا مناص منه للتحرك والشعور بالارتياح في المجتمع”، مثلما يقول رئيس حزب الشعب أولي ماورر.
لقد مثل الملف المتعلق بالسياسة التي يجب انتهاجها تجاه الأجانب “حصان طروادة” لحزب الشعب لوحده على مدى عام كامل. لكن ماورر يؤكد أنه غير منزعج من محاولة بقية الأحزاب، استعادة المبادرة على هذا الميدان، ويقول “لقد تفطنوا بلا شك إلى أنهم تجاهلوا عنصرا أساسيا، المهم، هو أنهم يعترفون بدورهم الآن بالمشكل”.
لقاءات على مستوى القمة
في اللقاءات المقرر إجراؤها في العاصمة الفدرالية بين قيادات الأحزاب المؤتلفة في الحكومة الفدرالية، يبدو أن السيناريو الأكثر واقعية، يتمثل في بروز تحالف لوسط اليسار. لكن ماورر يبدو متشائما ويقول “إن الهدف العام، هو نفسه بالنسبة للجميع بلا شك، لكن الوسائل للوصول إليه متعددة، فالآليات موجودة، لكن يجب أن تكون هناك إرادة لاستعمالها من جانب الطرفين”.
من ناحيته، يتهم داربولي حزب الشعب السويسري باستعمال مسألة الاندماج للبروز على الساحة فقط، وبأنه غير مستعد بتقديم الدعم إلى أي من الحلول المقترحة، ويقول: “في الوقت الحاضر، هناك ثلاثة أحزاب حكومية تعتزم التوصل إلى حل وسط”، ويرى رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي أن هناك مجالا لقيام تعاون “مع الحزب الراديكالي أو الحزب الاشتراكي على الأرجح”.
في سياق متصل، يعبر بيلي عن استعداده للحوار، ويقول “العديد من الأحزاب مقتنعة بأن الاندماج يمثل الحل للكثير من مشاكل المستقبل، لذلك، فإن الحوار معهم سيكون أسهل”، ومع ذلك، فضل رئيس الحزب الراديكالي عدم الإفصاح عن أي شيء قبل اللقاءات.
رئيس الحزب الاشتراكي فيهر، بدا أكثر ثقة حيث نوّه إلى أن التوافق الملموس في وجهات النظر مع الحزب الراديكالي يبشّـر بكل خير على المستوى السياسي، ويقول “في العاصمة الفدرالية برن، هناك حاجة إلى أغلبية تقوم بوضع سياسة إندماج. إن البديل واحد، ويتمثل في تحالف لوسط اليسار”.
سويس انفو – كريستيان راوفلاوب
(ترجمه وعالجه كمال الضيف)
في 24 سبتمبر 2006، وافق الشعب السويسري بنسبة 68% من الأصوات على القانون الجديد حول الأجانب.
من بين الأهداف التي يرمي إليها القانون الجديد، تحسين أوضاع الأجانب المقيمين بصفة شرعية ودائمة في سويسرا من خلال تعزيز جهود الإدماج، ولتحقيق ذلك، يجب على الأجانب القيام بالجزء الموكل إليهم.
خلال الأشهر الماضية، قدمت الأحزاب الأربعة المشاركة في الائتلاف الحكومي، رؤاها لملف الاندماج، ورغم بعض الاختلافات، اتفقت جميعها على أهمية تعلم الأجانب المقيمين في سويسرا لإحدى اللغات الوطنية.
الأحزاب الحكومية في سويسرا هي التشكيلات السياسية التي تحتل مقعدا واحدا على الأقل في الحكومة الفدرالية.
منذ عام 1959، احتكرت أربعة أحزاب الحكومة الفدرالية، وهي الحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الشعب السويسري والحزب الاشتراكي.
إلى عام 2003، كانت جميع الأحزاب، باستثناء حزب الشعب السويسري، ممثلة بوزيرين في الحكومة الفدرالية (فيما كان يعرف بالمعادلة السحرية)، إثر ذلك، تغيّـرت التوازنات السياسية في البرلمان وتم تحوير التركيبة، حيث اضطر الحزب الديمقراطي المسيحي إلى التخلي عن مقعد في الحكومة الفدرالية لفائدة حزب الشعب السويسري، الذي أصبح منذ ذلك الحين القوة السياسية الأولى في الكنفدرالية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.