منتدى جديد في جنيف.. حتى تكون التجارة في خدمة التنمية!
تتواصل الإستعدادات حثيثة لإطلاق "منتدى جنيف للتجارة والتنمية" الإقتصادي الجديد الذي يسعى القائمون عليه أن يتناول المفاوضات التجارية من باب غير نفعي وأن يُراعي السبل الكفيلة بتمكين الدول الفقيرة من الاستفادة من النظام التجاري العالمي.
ومن المقرر أن تُعقد الدورة الأولى للمنتدى ما بين 17 و 20 سبتمبر في منتجع كران مونتانا بمشاركة حوالي 400 ممثل من 45 بلدا من بينها مصر ولبنان بهدف تقديم أفكار جديدة قد تُساعد على حلحلة الموقف وتجاوز التأزم الحاصل حاليا في مجال المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف في منظمة التجارة العالمية.
ويقف وراء فكرة المنتدى نيكولا إيمبودن، ممثل سويسرا السابق في المفاوضات التجارية، والمدير التنفيذي لمركز البحوث ” IDEAS” الذي لعب دورا في مساعدة الدول الإفريقية المنتجة للقطن في مفاوضاتها بمنظمة التجارة العالمية.
المشكلة في مؤسسات لا تراعي التغيرات الحاصلة
عن فكرة المنتدى، يقول نيكولا إيمبودن في حديث خص به سويس إنفو “إن الفكرة نابعة من النتائج التي آلت إليها مفاوضات جولة الدوحة والتي كان يُفترض أن تكون جولة التنمية”.
ومن وجهة نظره فإن “المشكلة لا تكمن في مفاوضات الدوحة بل في ما شهده النظام التجاري العالمي من تغيرات كبرى، ولكن المؤسسات الساهرة على إدارة التجارة العالمية ونظم التفاوض الدولية لا تأخذ تلك التغيرات بعين الاعتبار”.
ومن الأمثلة التي يسوقها السفير السويسري السابق لشرح التأزم الحاصل في المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف وبالأخص في إطار منظمة التجارة العالمية هو “أن تلك المفاوضات تقوم على أساس نفعي، أي أن هذا الطرف يقدم تنازلا مقابل التنازل الذي يقدمه الطرف الآخر”. وهذا ما يراه طبيعيا في مفاوضات تجري بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لكنه يذهب في المقابل إلى أن ما أطلق عليه اسم جولة التنمية في مفاوضات الدوحة “يجب أن تكون عبارة عن محاولة لإعادة التوازن الى نظام تجاري من تصميم الدول المتقدمة ويتطلب تصحيحا بعد أن أصبح للدول النامية دور تلعبه فيه”.
أما ما هو “غير منطقي” في المحاولات التي بُذلت حتى الآن لتصحيح النظام التجاري العالمي، فهو “الاستمرار في نظام تفاوض يطالب بلدا مثل تشاد بتقديم تنازلات مقابل الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة الأمريكية”، حسب رأيه.
الحل في تسخير التجارة لتحقيق التنمية
وعن الطريقة التي ينوي “منتدى جنيف للتجارة والتنمية” إتباعها في معالجة إشكاليات التفاوض بين الشمال والجنوب يقول نيكولا إيمبودن “إننا في هذا المنتدى نريد الذهاب الى أبعد من مجرد تصحيح النظام التجاري، ومحاولة إيجاد أحسن السبل لتسخير النظام التجاري لخدمة التنمية”.
ولا يتردد الدبلوماسي السابق في تعزيز وجهة نظره بالاستناد إلى دراسات صادرة عن مؤسسات مالية دولية كالبنك الدولي التي تؤكد أنه “مهما توصلت جولة الدوحة إلى نتائج، فإن القارة الوحيدة التي سوف لن تستفيد من ذلك هي القارة الإفريقية”.
ويعترف نيكولا إيمبودن في نفس الوقت بأن “هذا النقص ليس مرده فقط الى الخلل القائم في النظام التجاري العالمي بل أيضا في عدم قدرة النظم الاقتصادية في البلدان النامية على الاستفادة من الانفتاح الذي تعرفه الأسواق والذي يمكن ان يترتب عن جولة الدوحة”.
ولهذا السبب يعتزم المنتدى الجديد انتهاج سياسة تعمل على “تسخير التجارة لصالح التنمية ومحاربة الفقر”، وهو ما يتطلب مشاركة الجميع، أي البلدان النامية والبلدان المتقدمة والقطاع الخاص ولهذا السبب سيشهد منتدى كران مونتانا مشاركة جميع هذه الفئات.
كما يرغب “منتدى جنيف للتجارة والتنمية” في تقديم حلول عملية وعدم الاكتفاء فقط بالدراسات والبحوث. وفي هذا الصدد يقول نيكولا إيمبودن: “لقد حددنا 11 ورشة نقاش انكبت منذ عام تقريبا على دراسة ميادين تمتد من الملكية الفكرية ومدى استفادة الدول النامية من ذلك خصوصا تلك التي لم تمر بمرحلة التصنيع مثلما تم في أوروبا، إلى كيفية تأثير فتح الأسواق على سوق الشغل خصوصا وأن هذا الانفتاح سيترتب عنه غلق شركات محلية وما هو مصير العمال المسرحين هل يمكن إعادة تشغيلهم في مناطق أخرى أم فقط سيضافون لجحافل العاطلين عن العمل، مرورا بمشكلة الانضمام الى منظمة التجارة العالمية وأولويات الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام الاقتصادي وما مكانة قطاع الخدمات المهمش حتى الآن والذي يشكل مستقبل الكثير من الدول النامية الصغيرة”.
ضرورة تجند البلدان الصغيرة و الفقيرة
وعن ردود فعل الدول على فكرة تنظيم منتدى جنيف للتجارة والتنمية يقول السيد نيكولا إيمبودن “الكل يرحب بتأسيس محفل يسمح بطرح إشكالية الدول النامية في المجال التجاري بشكل شامل، ولكن هناك أيضا من أصابه اليأس من انتظار رؤية مفاوضات الدوحة تصل الى حل”.
ولمواجهة هذا اليأس والاستسلام الذي بدأ يمس الغالبية من استمرار مفاوضات منظمة التجارة العالمية لسنوات طويلة بدون جدوى، يتجه المنتدى الجديد غلى تشجيع الدول الفقيرة على التحرك والأخذ بزمام المبادرة في المجال التجاري إذ كما قال نيكولا إيمبودن “إذا كانت أمام الدول القوية اقتصاديا بدائل يمكن أن تحقق عن طريقها أهدافها، فهذا غير متوفر أمام الدول النامية، لذلك على الدول الفقيرة أن تستيقظ وأن تعمل على التأثير في النظام في الاتجاه المناسب”.
وهذه الوضعية توجد فيها أيضا البلدان المتقدمة الصغيرة الحجم مثل سويسرا نظرا لأنه لا يمكن لها حماية مصالحها إلا عبر النظام المتعدد الأطراف، بل يعتبر نيكولا إيمبودن أن “بلدا مثل سويسرا يحتاج للنظام المتعدد الأطراف لتحقيق أهدافه أكثر من الاتحاد الأوروبي”، لذلك يعتقد أنه يجب “على الدول الصغيرة في الشمال والجنوب أن تتحالف وتكثف جهودها من أجل إنقاذ النظام المتعدد الأطراف من الاختناق أو من استبداله بنظام الصفقات الثنائية”.
وحرصا على إضفاء أكبر قدر من النجاعة على الأعمال، يشدد الساهرون على “منتدى جنيف للتجارة والتنمية” على أنه ستكون هناك آلية لمتابعة تطبيق ما يصدر عن أشغال المنتدى من توصيات.
وعن الحضور العربي في هذه الدورة الأولى للمنتدى، أفاد نيكولا إيمبودن بأن “مصر ولبنان قبلتا الدعوة” وأشار إلى أن “مصر ستكون ممثلة على مستوى وزير، في حين أن سوريا أبدت ترحيبا بالدعوة وهناك مفاوضات مستمرة معها. أما المغرب الذي أبدى ترحيبا مبدئيا فيجد صعوبة بسبب تزامن أيام المنتدى مع شهر رمضان”.
سويس انفو – محمد شريف – جنيف
تنظم أول دورة للمنتدى ما بين 17 و 20 سبتمبر 2008.
يبلغ عدد المشاركين 400 شخصية من بلدان الشمال والجنوب يقدمون من 45 دولة.
تنعقد في منتجع كران مونتانا بسويسرا، ويمكن أن تُنظم فيما بعد في إحدى البلدان النامية.
سينكب المنتدى على دراسة 11 موضوعا تمتد من مشاكل الملكية الفكرية الى البطالة المترتبة عن مشاكل فتح الأسواق مرورا بمشاكل الانضمام الى منظمة التجارة العالمية ومسالة إعطاء الأولوية لبعض القطاعات المهمة بالنسبة للدول النامية مثل قطاع الخدمات.
من المحتمل أن يتم تنظيم دورات المنتدى بشكل دوري كل سنة ونصف.
تُوجد محافل ومنتديات أخرى تعالج أو تسعى لتناول المواضيع التي يطرحها منتدى جنيف للتجارة والتنمية مثل منظمة التجارة العالمية والمنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس وغيرها. عن المعالم التي تميز منتدى جنيف عن باقي المنتديات الأخرى يقول نيكولا إيمبودن، الساهر على تنظيم المنتدى الجديد:
“الفرق بين منتدى جنيف للتجارة والتنمية وما يجري في منظمة التجارة العالمية أن منظمة التجارة العالمية محفل للتفاوض، وعندما نقول تفاوض فمعنى ذلك أنه يجب الدفاع عن مصالح معينة وتبادل تنازلات مقابل تنازلات من الطرف الآخر. وما نرغب فيه من خلال منتدى جنيف هو شيء مغاير تماما أي إقامة محفل نتبادل فيه الأفكار بغية إيجاد حلول لمشكل من المشاكل.
فالمفاوضات التجارية مثلا في منظمة التجارة العالمية يتم فيها دوما التركيز على ما على الطرف الآخر القيام به. أما في منتدى جنيف فنرغب في أن يقول كل طرف مشارك ما هو القسط الذي سيسهم به من أجل حل المشكلة المطروحة بدل تحديد ما على الآخر القيام به لأنه من السهل دوما تحديد ما على الطرف الآخر القيام به.
أما بالنسبة للفرق مع منتدى دافوس، فهذا المنتدى اقتصادي عالمي، وفي الاقتصاد العالمي فإن من يحدد المشاكل هي الإقتصاديات الكبرى أو الدول القوية اقتصاديا، ومن هذا المنطلق فإن المشاكل التي تعطى لها الأولوية هي مشاكل الدول الكبرى، أما نحن في منتدى جنيف فنرغب في تسليط الأضواء على مشاكل الدول المصنفة بأنها صغيرة أو ضعيفة في الاقتصاد العالمي. بمعنى آخر نرغب في تمكين من لم يستفيدوا من العولمة أن يصبح لهم دور وأن يستفيدوا أيضا من النظام الاقتصادي العالمي”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.