منتدى دافوس يزن 42 مليون فرنك!!
أكدت نتائج دراسة نشرت يوم الأربعاء في برن الأهمية الإقتصادية والإستراتيجية لانعقاد المنتدى الإقتصادي العالمي في منتجع دافوس شرق سويسرا..
قد لا يعرف الكثير من الناس أن مصطلحات مهمة مثل “العولمة” و”الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” (Mena) وغيرها قد وُلدت أو تم تداولها للمرة الأولى من سفوح قرية جبلية صغيرة تقع شرق سويسرا، لكن الأغلبية الساحقة من صناع القرار في العالم إضافة إلى عشرات الملايين من سكان الكرة الأرضية سمعوا بعدُ بـ”دافوس”.
فانعقاد المنتدى الإقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري في شهر يناير من كل عام منذ بداية السبعينات من القرن الماضي لم يجلب للكونفدرالية الشهرة والأضواء الإعلامية فحسب بل حقق للبلدة ولكانتوني زيوريخ وجنيف ولسويسرا بشكل عام مكاسب مادية لا يستهان بها.
فقد توصلت دراسة أنجزها معهد الدراسات العليا في مدينة سانت غالن (أقصى شرق سويسرا) – بطلب من مكتب السياحة في دافوس وبدعم مالي من طرف كانتون غراوبوندن وكتابة الدولة للإقتصاد والمنتدى الإقتصادي العالمي – إلى أن المكاسب الإقتصادية الناجمة عن انعقاد المنتدى تقدر باثنين وأربعين مليون فرنك!
وفيما يبدو هذا الرقم بسيطا بالمقاييس السويسرية العامة، تكمن أهمية الدراسة في أن فريق البحاثة الذي أنجزها تحت إشراف الأستاذ توماس بيغر اعتمد على أرقام حقيقية حصل عليها من وثائق إدارة المحاسبة التابعة للمنتدى ومن مصادر متعددة في منتجع دافوس بوجه خاص. وحرص معدو الدراسة على الإقتصار على استعراض العناصر القابلة للقياس الدقيق مع التركيز على تحديد حجم الفوائد الإقتصادية بالأساس.
اثنان وأربعون مليون فرنك!
وقد سمح ابتعاد الدراسة عن البحث في حجم الإنعكاسات غير المباشرة (السياسية والترويجية والإستراتيجية) لانعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بالتوصل إلى بعض المعطيات المهمة.
ففي عام ألفين وواحد، بلغ رقم المعاملات الناجم عن انعقاد المنتدى طيلة خمسة أيام في دافوس خمسة عشر مليون وسبع مائة ألف فرنك تضاف إليها سبعة ملايين أخرى ( تصنف في خانة الإنعكاسات غير المباشرة) أي بمجموع يصل إلى اثنين وعشرين مليون وسبع مائة ألف فرنك.
ولعل من حسن حظ معدي الدراسة أن المنتدى – وللمرة الأولى في تاريخه – تحول للإنعقاد استثنائيا في نيويورك في بداية هذا العام، في خطوة تضامنية مع المدينة التي تعرضت لهجوم إرهابي في الحادي عشر من سبتمبر، وهي فرصة نادرة سمحت لهم باحتساب مفصل للنقص في المداخيل الناجم عن تغيب ضيوف التظاهرة.
ففي عام 2002، وعلى الرغم من الجهد الإستثنائي والمُـكلف الذي بُـذل على مستوى الترويج والدعاية، تراجع عدد الليالي المقضاة في فنادق دافوس في شهر يناير – كانون الثاني الماضي بتسعة في المائة وهو ما أدى إلى خسارة حوالي سبعة ملايين فرنك للمؤسسات العاملة في قطاع الفنادق والمطاعم مقارنة بمداخيل عام 2001 ، هذا بدون احتساب خسائر تجار البيع بالتفصيل والشركات العاملة في قطاعات النقل والمعمار والتجهيز التي تعتبر عادة من أبرز المستفدين من التئام الإجتماع الدولي.
أما إذا تحولنا إلى خارج دافوس، فان المنتدى الإقتصادي العالمي يساهم في توفير حوالي عشرين مليون فرنك إضافية في بقية الأنحاء السويسرية. وفيما لا يكسب كانتون غراوبوندن (الذي يوجد فيه منتجع دافوس) إلا ما بين مليون ومليوني فرنك من المداخيل، يعتبر كانتون زيوريخ الذي يوجد فيه أقرب مطار دولي من دافوس المستفيد الأول من انعقاد المنتدى نظرا لأن أكبر نسبة من رقم المعاملات تسجل في مجالات النقل والفنادق والمطاعم.
أما كانتون جنيف فهو لا يتأثر كثيرا من انعقاد المنتدى فوق الأراضي السويسرية أو خارجها نظرا لوجود المقر الرسمي للمنتدى الإقتصادي العالمي الذي أسسه ويشرف على إدارته السيد كلاوس شواب فوق أراضيه!
أما التكاليف فهي .. متواضعة
مقابل المكاسب التي تزيد عن أربعين مليون فرنك، هنالك المصاريف التي تتحملها الأطراف المحلية والفدرالية. فقد انتهت الدراسة إلى أن الكلفة الإجمالية لحفظ الأمن أثناء فترة انعقاد المنتدى بلغت في عام 2001 ثمانية ملايين وخمس مائة ألف فرنك وزّعت بأحجام متفاوتة بين الكونفدرالية والكانتون (ثلاثة أثمان المبلغ لكل طرف منهما) والبلدية والمنتدى (ثُـمُـن المبلغ الإجمالي لكل منهما).
وبالمناسبة يشير رئيس بلدية دافوس إلى أن هذا الرقم متواضع جدا مقارنة بالمبالغ التي أنفقت لتأمين مؤتمرات مشابهة في مناطق أخرى من العالم، حيث فاقت تكاليف حفظ الأمن في قمة مؤتمر منظمة التجارة العالمية التي انعقدت في مدينة سياتل بالولايات المتحدة مائة مليون دولار!!!
أما تكلفة ترميم وتصليح الأضرار الناجمة عن تحركات المجموعات المناهضة للعولمة التي لم تعد تتخلف – منذ بضعة أعوام – عن التوجه إلى دافوس لإسماع أصحاب القرار السياسي والإقتصادي والمالي في العالم أصوات المحتجين على سلبيات العولمة وتداعياتها الخطيرة، فقد بلغت في عام 2001 أحد عشر مليون فرنك.
أما الآن فان نتائج هذه الدراسة التي أنجزت على امتداد عام ونصف والتي بلغت تكلفتها مائتي ألف فرنك سترغم السياسيين على إعادة تقييم الموقف من استمرار احتضان سويسرا للمنتدى “مع الأخذ بعين الإعتبار تكاليف نظام الأمن والفوائد والتكاليف على المستويين المعنوي والسياسي” على حد قول الأستاذ توماس بيغر في تصريحات لسويس إنفو.
وتظل الكرة في ملعب السياسيين!
في المقابل، أكدت نتائج الدراسة أهمية استمرار انعقاد المنتدى بالنسبة لصورة سويسرا عموما ولمستقبل منتجع دافوس بوجه خاص. فهذا الموقع استفاد كما ينبغي من الصدى الدولي الكبير للمؤتمر من أجل تثبيت مكانه ضمن أهم مراكز سياحة المؤتمرات في العالم.
من جهة أخرى، استثمرت فيه عشرات الملايين من الفرنكات في السنوات الماضية من أجل تطوير شبكة من الفنادق الراقية التي تسعى لاستقطاب الإجتماعات الدولية والمؤتمرات الكبرى على مدى العام مستفيدة من موقع دافوس الفريد حيث يعتبر اليوم المركز الدولي الوحيد للمؤتمرات في العالم البعيد تماما عن المدن الكبرى أو المراكز الحضرية.
على صعيد آخر، سارعت بعض المنظمات غير الحكومية السويسرية النشيطة في مجال التصدي للعولمة مثل “رابطة أولتن” ومجموعة “إعلان برن” إلى انتقاد ما اعتبرته الرؤية “الآحادية الجانب” للدراسة التي ركزت على الأبعاد الإقتصادية ورقمت التكلفة المالية وأهملت حقوق المعارضين في التعبير عن آراءهم بحرية.
وفي انتظار استجابة السلطات لمطالب المناهضين للعولمة بتمكينهم من حق التظاهر والإحتجاج أثناء انعقاد الدورة المقبلة من المنتدى الإقتصادي العالمي، ينتظر أن تساهم نتائج الدراسة في إقناع البرلمانيين والسلطات الفدرالية بالمصادقة على تقديم التمويلات الضرورية والضمانات الكافية لإقناع المشرفين على المنتدى من البقاء في .. دافوس!
كمال الضيف – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.