منظمة تحرير “جديدة – قديمة”
ظلت منظمة التحرير الفلسطينية، وخلال الأعوام العشرة الماضية من عمر الحكم الذاتي، تقف على هامش القرار السياسي الفلسطيني.
وها هي الآن، إثر قرار حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين الانضمام إليها، تتنفّـس صعيدا طيبا.
يأتي قرار الحركتين المعارضتين بعد طول انتظار وتراكم، كان ينذر في الماضي بشق الصف، ليأخذ بيَـد القيادة الفلسطينية المُـنهكة من تبعات المواجهة الأخيرة إلى بر أمان واستقرار، يقرب ولا ينفر.
بيد أن خلفيات قرار حماس، وكذلك جملة التغيرات التي شهدتها الساحة الداخلية بعد رحيل الرئيس المؤسس ياسر عرفات، وانحسار حدة المواجهة ومعها المقاومة، كلها عوامل تحمل تفسيرات ناقصة حول ما يمكن أن يؤول إليه حال المنظمة، ممثلة الشرعية الفلسطينية، إذ ثمة تناقض بين ما تقدّمه حماس من أسباب ومبررات وشروط في هذا السياق، وما تقوله قيادة المنظمة وأيضا ما تفسره التغيرات التي طبعت المنطقة بأسرها منذ الانقلاب الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.
وبالرغم من أن حوار حماس والمنظمة يمتد إلى سنوات سبقت اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، إلا أن قرار الحركة الإسلامية الفلسطينية، بالانضمام والمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، نضج على نار وقودها من مصادر أخرى.
وفي الوقت الذي تؤكّـد فيه حماس أنها تلجأ إلى حضن منظمة التحرير، تكريسا لما هو في صالح الشعب الفلسطيني من خلال “قيادة جماعية”، واستعدادا لتفعيل مؤسساتها المترهلة، فإنها تقول، وعلى لسان الشيخ حسن يوسف، أحد أبرز قادتها، إنها لن تُـفرض برنامجها الإسلامي على المنظمة الوطنية فرضا.
الشيخ يوسف أكد في ذات الوقت، أن حماس تعتبر منظمة التحرير “العنوان الرئيسي لأي رؤى سياسية أو مفاوضات يتوجّـب إجراؤها مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن سلطة الحكم الذاتي ليست سوى إطار خدماتي”.
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وهو أيضا رئيس منظمة التحرير، فإنه أكد ما يناقض أقوال الشيخ يوسف، عندما أبلغ مجموعة من الصحفيين التقى بهم في مكتبه بمدينة رام الله، أن “برنامج المنظمة وسياستها لن تتغير، وليست هناك من شروط، وحماس تُـدرك ذلك جيدا”.
“شركاء الدم، شركاء القرار”
ربما لا تجد حماس صعوبة في تقديم تبريرات حول قرار الدخول إلى ساحة منظمة التحرير، إذ تقوم بكل بساطة بترديد الشعار الشهير “شركاء في الدم، شركاء في القرار”، الذي أطلقه أمين سر حركة فتح مروان البرغوثي المعتقل حاليا في إسرائيل.
ولا تجد الحركة الإسلامية حرجا في القول، أن مشوارها النضالي منذ انطلاقتها عام 1987 يؤهّـلها بكل بساطة للانضواء تحت مظلة الحركة الوطنية، ودخول السياسة من أوسع أبوابها: في سياق الانتخابات البرلمانية وضمن هيئات منظمة التحرير.
ويمكن، حسب اتفاق “الجتنلمن” الأخير في القاهرة، أن تضمن حماس دخول منظمة التحرير، بعد دخولها الانتخابات التشريعية في الصيف المقبل، عندما يصبح نوابها المنتخبون، أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو برلمان منظمة التحرير.
ويقضي الاتفاق أن يتم لاحقا ضم عدد “غير محدد حتى الآن” من نواب حماس المنتخبين إلى قائمة 25 عضوا جديدا إلى المجلس المركزي، وهو الهيئة الوسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية للمنظمة.
وسينتهي الأمر بهؤلاء إلى أن يكونوا أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لتدخل الحركة الإسلامية لأول مرة في صفوف الهيئة التنفيذية للمثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.
وخلال ذلك كله، لن تضطر حماس ولا الحركة الوطنية إلى تقديم أي مبررات لعميلة الضم هذه، سوى أن “وحدة البيت الداخلي الفلسطيني تتكرّس” وعليه، لن يترتب على حماس أي استحقاقات جديدة لأن فتح ستظل قائدة منظمة التحرير.
في المقابل، يمكن لحركة حماس الإسلامية أن تطالب بتفعيل مؤسسات منظمة التحرير، وأن تلعب دور المعارض المشاكس الذي مارسته الفصائل اليسارية المعارضة على مدار أكثر من ثلاثة عقود، ظلت فيها الغلبة لنهج فتح.
من يؤثـر على الآخـر؟
يقول نشأت الاقطش، أستاذ الاتصالات في جامعة بيرزيت في حديث لسويس انفو، إن فرص حماس في التأثير على منظمة التحرير قد اضمحلّـت بسبب عاملين أساسيين. أولهما، غياب قائد حماس الراحل عبد العزيز الرنتيسي، الذي اغتالته إسرائيل العام الماضي، وثانيهما أن حماس “تلجأ إلى المنظمة لحماية نفسها” على حد رايه.
ويفسر الاقطش ذلك بقوله، إن الرنتيسي الذي عُـرف بتشدده، ظل يقف مانعا أمام دخول حماس إلى منظمة التحرير، إلا وفق شروط الحركة الإسلامية، حيث طالب بأن تحظى بأكثر من 45% من مقاعد اللجنة التنفيذية.
ويرى كذلك أن حماس، التي تلقت ضربات متلاحقة خلال الأعوام الماضية، إنما تنضم إلى منظمة التحرير لأنها “تريد أن تحمي نفسها من بطش القوى الدولية التي سجّـلتها على قائمة الإرهاب”.
وإن كانت فرص حماس في التأثير على المنظمة قد تراجعت بشكل كبير، إلا أن مجرد انضمام الحركات الإسلامية إليها كفيل بأن يدفع إلى تغيرات غير مباشرة، لاسيما في كيفية تعامل إسرائيل مع هذه الحالة.
وفي هذا الصدد، توقع خبراء سياسيون إسرائيليون أن تعمد الدولة العبرية إلى العمل على رفع مكانة السلطة الفلسطينية، وإزالة بعض القيود السياسية عليها في سبيل قطع الطريق مبكرا أمام منظمة فلسطينية شرعية فاعلة وقوية.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.