من اجل ديموقراطية بين صفوف القوات المسلحة
بعد عام من تأسيس "مركز جنيف للمراقبة الديمقراطية للقوات المتحاربة" أعلن مديره السفير السويسري تيودور فينكلر أن نتيجة عمله كانت ناجحة، وارتفع عدد الدول الأعضاء المنتسبة إليه من ثلاثة وعشرين إلى ثلاثين دولة، ومن المحتمل أن يتزايد هذا العدد خلال العام الحالي أيضا.
ومن أبرز أعضاء المركز نجد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي والمجلس الأوربي، وجميع الدول الأعضاء في تحالف الاستقرار في جنوب شرق أوروبا، هذا إلى جانب روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
اسم المركز قد لا يوحي تماما بطبيعة عمله، إلا أن نائب مديره هينغي أوضح أن عمل المركز يكون بعد انتهاء الصراعات ويركز على إعادة تشكيل معنويات القوات التي تصارعت في تلك المنطقة بحيث لا تلجأ إلى البطش سواء من جراء هزيمة غير متوقعة أو فوز قد يرفع من غرورها، وهو ما يعني أن المركز لا يتدخل في حالات الحرب أو للتوسط بين الفئات المتحاربة أو حل المشاكل الناجمة عن وجود قوات حفظ السلام.
ويستعين المركز بخبراء من مختلف التخصصات التي تتعلق بمجالات السياسة والاقتصاد والقانون الدولي وخبراء عسكريين أيضا، وكلهم يعملون بهدف تعميم مفهوم الديموقراطية في أجيال ما بعد الحروب وتطبيقها في المجالين المدني والعسكري، فعلى سبيل المثال طالبت اوكرانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا ومولدافيا خبراء المركز بتقديم خبراتهم لتطبيقها على قواتها المسلحة وتحويلها إلى التعامل بشكل ديموقراطي داخل صفوفها.
بين النظرية والواقع بون شاسع
ومن الملفت للنظر أن الجيش الروسي أيضا طلب من خبراء المركز التعرف على خبراته لتطبيقها في صفوفه، بينما توجه أكثر من منظمة عاملة في مجال حقوق الإنسان الانتقادات الواسعة للجيش الروسي انتقادات حادة بسبب ممارساته اللإنسانية في الشيشان.
ويعتبر الاتحاد اليوغسلافي هو أكثر المناطق التي يتعامل فيها المركز وخاصة بعد رحيل سلوبودان ميلوسوفيتش من الحكم، حيث يعمل مائة خبير من خمس وعشرين دولة في إعداد ثمانين دراسة عن تحويل الجيش الاتحادي من النظام الشمولي إلى النظام الديموقراطي.
وفي انتظار نتائج هذه التجربة يستعد المركز للتوجه إلى منطقة القوقاز في انتظار باب للدخول إلى افريقيا، حيث تعتبر نيجيريا العضو الافريقي الوحيد في المركز.
قد يتساءل المرء عن جدوي هذا المركز وهذه المؤتمرات والأبحاث والدراسات لتعود القوات المسلحة على ممارسة الديموقراطية في مناطق تفتقر أنظمتها أصلا إلى الديموقراطية وفي الوقت الذي يرى العالم فيه جيوش اكبر الدول الديموقراطية تخوض حربا ضد أفقر شعوب الأرض، فان الحديث عن ديموقراطية القوات المسلحة يعتبر دربا من المزاح.
بين الأمن والسلام
“مركز مراقبة الديموقراطية في عمل القوات المسلحة” إلى جانب “مركز السياسة الأمنية” و “مركز نزع الألغام” هي ثلاث منظمات أنشأتها سويسرا خلال الأعوام الخمسة الماضية في جنيف كمساهمة منها في سياسة الأمن والسلام في العالم، وذلك في إطار برنامج “الشراكة مع حلف شمال الأطلسي من أجل السلام” و سياسة الانفتاح السياسي مع العالم التي شهدت نشاطا كبيرا مع انهيار الكتلة الشرقية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
ففي عام 1996 افتتح في جنيف مركز السياسة الأمنية بمشاركة خمس عشرة دولة من دول حلف شمال الأطلسي، ويعتبر مقرا لتأهيل المتخصصين في السياسة الأمنية عن طريق محاضرات يلقيها الديبلوماسيون من وزارات الخارجية والضباط العاملون في وزارات الدفاع .
وبعد عامين من افتتاح المركز استضافت جنيف كذلك المركز الإنساني لنزع الألغام الذي تساهم فيه وزارة الدفاع السويسرية بمبلغ خمسة ملايين فرنك سنويا بهدف التعاون مع جميع المراكز المشابهة و التنسيق مع برامج الأمم المتحدة لمنع تصنيع الألغام و العمل على انتزاعها من أماكن الصراعات، وطبق هذا المركز أول برامجه في إقليم كوسفو مستعملا شبكة جيدة للمعلومات وتنسيق جديد مع جهات عدة.
انتشار الصراعات في مناطق مختلفة من العالم وتدخل قوات أجنبية لوقفها بطريقة أو بأخرى، أمر شاع وتزايد مع الأسف الشديد في العقد الأخير، ففي أوروبا اشتعل البلقان وفي وسط آسيا تناحر من كانوا يوما ما يقاتلون تحت راية واحدة، أما إفريقيا فلا يمر عام إلا والقارة السمراء منكوبة بنزاع دموي عنيف، وفي أمريكا اللاتينية تختلط الميليشيات المتحاربة وسط الغابات فلا يكاد يعرف المقاتل مع من هو أو ضد من.
وبين كل هذه الصراعات تقف قوات لحفظ السلام تحت شعارات مختلفة، إلا أن المتابع لعمل هذه القوات والنظر إلى المخالفات الخطيرة التي ترتكبها وما تسببه من خلل اجتماعي في المناطق التي تتمركز فيها يكتشف أن هذه القوات هي الأحوج إلى التوجيه والإرشاد.
تامر أبو العينين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.