من الحرب إلى التنمية … طريق طويل
نظمت الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية بالإشتراك مع مؤسسة سويس بيس مؤخرا في برن مؤتمرا لدراسة كيفية تحويل اقتصاديات الدول التي خاضت حروبا بما يساهم في تنميتها.
وقد أجمع الخبراء على أن الاستقرار الداخلي والتعاون الدولي من الأولويات التي يجب توفيرها لضمان هذا التحول الإيجابي.
يوم 15 سبتمبر الماضي، حدد لورانت غوتشل، مدير المؤسسة السويسرية للسلام swisspeace تعريف مصطلح “اقتصاديات الحرب” بأنه مجموعة من التركيبات الاقتصادية التي تنشأ في فترات النزاعات المسلحة والصراعات، وتستمر حتى بعد انتهائها.
ويشرح السيد غونتر باختلر، خبير منع النزاعات في الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية في حديثه إلى سويس انفو، أن المقصود بهذه الاقتصاديات، هي الأموال التي تأتي من تجارة السلاح والتعاملات المرتبطة بالحروب، مثل الاتجار في المواد الخام أو السلع الضرورية، استغلالا للظروف الصعبة التي تمر بها تلك الدول أو المناطق.
من جانبهم، أكد الخبراء المشاركون في المؤتمر على أن اقتصاديات الحرب لا توجد فقط في الدول التي تعيش بالفعل نزاعات مسلحة، بل أيضا في المناطق المتوترة والغير مستقرة، وأغلبها في إفريقيا، مثل أنغولا وسيراليون وليبيريا والكونغو، بالإضافة إلى بعض مناطق جنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط بالطبع.
فالحروب الطويلة في تلك المناطق، وعدم استقرار الأوضاع فيها، تركت آثارا واضحة على الحركة الاقتصادية، وجعلتها تتحرك في منحى آخر غير الاقتصاد العادي الذي يعمل من أجل التنمية، وبالتالي، كان لكل تلك العوامل أثرها على الديمقراطية والحياة السياسية والاجتماعية.
ويضيف الخبير السويسري باختلر في معرض حديثه إلى سويس انفو، بأن تغلغل “اقتصاد الحرب” في تلك المناطق، يعوق تقدم الحكومات في أداء عملها، ويعرقل تحقيق أية نجاحات في بناء نظام دولة آمنة مستقرة، لاسيما مع وجود تدخل مستمر من أطراف أجنبية في مسارات السياسة الداخلية.
طريقان لإنجاز هدف واحد
ومن إيجابيات هذا المؤتمر، عدم الإكتفاء بطرح المشكلة بجوانبها وأبعادها المختلفة، بل تقديم بعض الأفكار التي يمكن أن تساهم في الوصول إلى الحل.
فالخبير السويسري غونتر باخلر، ينصح بأسلوبين للتخلص من سيطرة اقتصاد الحرب: الأول، من خلال التغيير من القمة، (أي من نظام الحكم)، مع برنامج محدد المعالم، يلتزم بالمعايير والمبادئ الدولية، التي تتوافق مع الاقتصاد المحلي، على حسب إمكانيات الدولة أو المنطقة، وذلك في ظل وجود متابعة من أجهزة رقابة ترصد تطورات الأوضاع في كل مرحلة ونسبة نجاحها.
والثاني، يبدأ من القاعدة، وعلى نطاقات محدودة في مراحل أولية، وبأسلوب متسلسل، حيث يمكن لنجاح هذا الأسلوب في شكل متواز أن يخلق قاعدة عريضة، تؤثر بشكل تلقائي على الهيكل الاقتصادي العام، ومن هنا يتم التخلص تدريجيا من سيطرة “اقتصاد الحرب”.
وفي كلتا الحالتين، يتطلب الأمر تضافرا وتعاونا بين منظمات المجتمع المدني في تلك المناطق، ونظيراتها في الدول المتقدمة لتبادل الخبرات والرأي مع حضور فعال للرأي العام الذي يجب أن يكون على قناعة بأن ما يحدث يصب في المصلحة الوطنية، ومشاركة السلطات الرسمية بشكل متعاون وبناء.
التجربة الافغانية
من جهة أخرى، رأت بعض الأطراف المشاركة في المؤتمر أن البداية يجب أن تكون من عودة مركزية القرار والسلطة إلى يد حكومات تلك الدول، ومن خلالها يمكن بسط النفوذ من ناحية مراقبة الضرائب والحركة الاقتصادية، التي يجب أن تبتعد في تلك الحالة عن الليبرالية،
وتؤكد نفس الأطراف على ضرورة وجود جهاز تحكم إداري يراقب موارد الدولة، بما يمكن من وضع جميع التعاملات التجارية تحت بصر المسؤولين، ومعرفة حقيقة القوى الاقتصادية الفعالة والمؤثرة فيها، ومن ثم، يمكن للسلطات التدخل إذا ما رأت خللا أو تعاملات تسير في منحى مخالف لما يقتضيه الصالح العام.
بيد أن السيدة سوزان شمايدل، ممثلة swisspeace في أفغانستان، رأت من خلال معايشتها لمتغيرات الحياة اليومية التي تشهدها البلاد منذ انتهاء مرحلة طالبان وحتى اليوم، أن حكومات الدول التي خرجت حديثا من الصراعات والحروب الطاحنة، لا يمكنها في فترة وجيزة بسط نفوذها أو قوتها على جميع المناطق.
واستدلت بما لمسته – من خلال ملاحظاتها – في أداء الحكومة الأفغانية الحالية، وقالت بأن “وضع السلطة المركزية في كابول تحت رئاسة كرزاي ليس معناه أن نفوذ الدولة مهمين على جميع المناطق الأفغانية، بل إن هذه المركزية الواضحة في العاصمة وما حولها، واختفائها في مناطق أخرى، أفقد الدولة هيبتها”، حسب قولها.
فالموطن العادي يرى في هذا التفاوت ضعفا في الحكومة، وهو ما يستفيد منه الرابحون من اقتصاد الحرب، وأمراء الحرب وزعماء العصابات الراغبون في الوقت نفسه من مواصلة بسط نفوذهم.
البداية “بتقليم الأظافر”
في المقابل، اختص البروفيسور بول كولييه، مدير معهد الاقتصاديات الإفريقية التابع لجامعة أكسفورد، دول القارة السمراء بظاهرة أسماها “حب المستفيدين من اقتصاد الحرب في السيطرة على المواد الطبيعية”، لاسيما وأن المناطق الواقعة جنوب الصحراء غنية بالثروات المعدنية الطبيعية. وعلى الرغم من ذلك، فمعدلات الدخل والنمو فيها تظل الأدنى مقارنة بالعديد من دول العالم.
وعلى اختلاف الأسلوب الذي من الممكن أن يساهم في التحول من اقتصاد الحرب إلى التنمية، فقد رأى الخبراء بأن تقليم أظافر تلك القوى التي نشأت في ظل اقتصاديات الحروب، هي أولى الخطوات التي يمكن من خلالها العودة إلى الاقتصاد العادي.
أخيرا، أكد المشاركون في المؤتمر على أن الانتقال من اقتصاديات الحرب إلى الحالة الاقتصادية الطبيعية ليس صعبا، بيد أن نجاحه لا يمكن أن يُـقـاس إلا على المدى البعيد، إذ أن ما تتسبب فيه الحروب من خسائر، سواء كانت بشرية أو اقتصادية، وانعكاساتها على المجتمع والتنمية، لا يمكن معالجتها بين عشية وضحاها.
سويس انفو
تخيم أجواء الحروب على مناطق الصراعات حتى بعد انتهاء النزاعات المسلحة، وتبقى مناطق التوتر منتشرة في الشرق الأوسط وجنوبي شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا السمراء بسبب استفادة أمراء الحروب من تلك الأوضاع.
وحاول الخبراء السويسريون والدوليون وضع بعض ملامح إمكانية الخروج من هذه الدوامة، وشدّدوا على ضرورة دعم التعاون الدولي وتفعيل دور المجتمع المدني.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.