من الضفة الغربية إلى غزة.. سؤال “حقوق الإنسان” بين السلطة و”البديل الإسلامي”!
تبدو المفارقة الرئيسة في أنه ما أن عادت لغة الحوار والمفاوضات بين كل مِـن فتح وحماس، وفتحت باباً من الأمل بعقلانية فلسطينية تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة على حظوظ الفصائل والقيادات السياسية، حتى تجدّد الصراع الداخلي واتخذ صوراً لم تُـذهل الفلسطينيين وحدهم، بل الشارع العربي بأسره.
ما سمي بـ “انفجار شاطئ غزة” في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، الذي ذهب ضحيته أفراد من كتائب القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، مع طفلة صغيرة، أطلق المواجهة مرة أخرى ودفع بحماس لاعتقال عشرات من كوادر حركة فتح وإغلاق مكاتب ومؤسسات تابعة للحركة وقابلت فتح ذلك بإجراءات مُـماثلة بحق أفراد حماس ومناصريها في الضفة الغربية، قبل أن يُـعلن الرئيس عباس أوامِـره بالإفراج عنهم.
لم تقف الأمور عند هذا الحد! فتطوّرت إلى مواجهات بين القوات الأمنية لحركة حماس مع عائلة حلّس المعروفة بغزة في حي الشجاعية، نجَـم عنها إصابة عشرات من أفراد هذه العائلة، بينهم قيادي في حركة فتح، فلجأ المصابون إلى إسرائيل لتؤمن لهم الدواء والعلاج!
أخطر ما في هذه الصورة الإعلامية؛ ذلك الانهيار الأخلاقي الكبير في صورة النِّـضال الفلسطيني، إذ يرى المحلل السياسي الأردني جميل النمري، بتصريح لسويس انفو أنّ “النضال السياسي الفلسطيني تأسس على جانب أخلاقي مُهمّ جداً في إدارة الصِّـراع، عالمياً وعربياً، لكن ما يحدث الآن يهدم هذا الجانب ولا يهدّد فقط مسيرة النضال الفلسطيني، بل مستقبل القضية بأسرها”، حسب رأيه.
صراع المصالح.. إهدار قِـيمة الإنسان
مشهد المعتقلين وسيارات الشرطة والملثّـمين الذين يُـهينون كرامة الإنسان في لحظة الاعتقال وفي أثنائه.. تلك الصُـور التي تناقلتها الفضائيات العربية والعالمية لم تكن هي الصُـور المعتادة لجنود الاحتلال الإسرائيلي وهم يُـمارسون انتهاكاً لحقوق الإنسان، فيما كان الفلسطينيون يكسِـبون تعاطفاً دولياً إنسانياً، بل كانت الصُـور هي لكلٍّ من الأجهزة الأمنية والمسلحة التابعة لحركتي حماس وفتح، وهما يمارسان هذه الانتهاكات ضد بعضهم البعض، ويتّـكئ كل منهم على جزء من شرعية شعبية وعلى خطاب “خَـشبي” يستبيح الآخر باعتباره، إمّا عميلاً للصهيونية أو عميلاً لإيران وصاحب مشروع ظلامي.
لم تعُـد المشكلة فقط، على خطورتها، انقساما سياسيا – جغرافيا وشبه سلطة يتمسّـك بها الفريقان الفلسطينيان، لكنها أصبحت ممارسة لانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان من كِـلا الطرفين بحق الآخر، دون أي اعتبار لمبادئ قانونية أو أخلاقية.
ولعلّ ما ورد في تقرير أخير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر مؤخراً، يكشِـف جانباً مُـرعباً من التعدّي على حقوق الإنسان من قِـبل حركتي حماس وفتح في كل من غزة ورام الله.
التقرير يشير إلى الاعتقالات المُـتبادلة التي زجّـت بمئات من الفلسطينيين في السجون والمعتقلات، بل ويشير التقرير إلى انتهاكات جسيمة حدثت داخل هذه السجون من قِـبل الطرفين، تمثلت في التعذيب الجسدي والإهانات، وفوق هذا وذاك، غياب أي اعتبارات قانونية في التعامل مع المعتقلين.
ما هو ملفت بالتقرير، الذي يرصد هذه الانتهاكات، أنه يشير إلى أنّ ما حدث في معتقلات حركة حماس من تعدِّيات تجاوز في خطورته وجسامته ما قامت به حركة فتح، بل ويشير التقرير، بالإضافة إلى الكسور التي عانى منها أعضاء أو مؤيِّـدين لحركة فتح في غزة نتيجة التعذيب، إلى إطلاق الرصاص على بعض المعتقلين، بل وحدوث وفيات نتيجة هذا التعذيب!
ويذهب جميل النمري إلى اعتقاده أنّ زِمام الأمور في هذه الأحداث “أفلت من يدي القيادة السياسية لحركة حماس، ويرجح أنّ من يقود الأمور الآن هي القيادات العسكرية والأمنية”.
حماس وصورة الإسلام السياسي
أحد أبرز الأسئلة التي يطرحها تقرير هيومن رايتس ووتش، بخاصة ما يتعلق بممارسة حماس، أنّ الحركة كانت تتَّـهم سابقاً حركة فتح عندما كانت تمسِـك بالسلطة والجهاز الأمني، أنها تمارس تعذيباً وحشياً بحقّ حركة حماس وأنّها تتجاوز منطِـق القانون والمعايير الإنسانية، وهي الشَّـكوى نفسها التي ترفعها الحركات الإسلامية اليوم ضد السلطات الحاكمة في كثير من الدّول التي تنتهك حقوق مُـعتقلي هذه الحركات.
زكي بني ارشيد، الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي بالأردن في تصريح خاص بسويس انفو، يوجّه نداء إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس بأن لا تنجرّ “تحت وطأة رد الفعل للاعتقالات في الضفة الغربية” إلى القيام باعتقالات تعسُّـفية أو تقييد حرية أي شخص كان، مهما كان الخلاف معه، إلا بوجود أدلة واضحة وحاسمة، وأن يتم التعامل على قاعدة أن “المتّهم بريء حتى تثبـت إدانته”، ويطالب بني ارشيد حماس بمبادرة تتضمن “إطلاق سراح جميع المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم”.
ويرفض زكي بني ارشيد تبرير العنف والتعدّي على القانون وانتهاك حقوق الإنسان من أي طرف كان، سواء كان في السلطة أو خارجها، معتبِـراً أن “القاعدة الأخلاقية والقانونية هي احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان”.
في المقابل، وتعليقاً على سؤال فيما إذا كانت هذه الأحداث تنتقِـص من مصداقية الحركات الإسلامية وشعبيتها، يقول بني ارشيد: “لا اعتقد ذلك. فهنالك اعتبارات عديدة تدخل في حسابات الجماهير العربية وهي تشاهد هذه الأحداث والصُـوّر، أولها، الحصار الظالم على حركة حماس، وكذلك تفجيرات شاطئ غزة التي قضت على قيادات عسكرية للحركة وبعض المدنيين”.
سؤال البديل الإسلامي و”النموذج الديمقراطي”
على الجهة الأخرى، يرى مروان الفاعوري، عضو المكتب السياسي في حزب الوسط الإسلامي في تصريح لسويس انفو، أنّ “ما يحدث بين فتح وحماس هو بمثابة فِـتنة وظروف استثنائية خاصة، لا يجوز محاكمة المشروع الإسلامي عليها. ففي الظروف الطبيعية، تكون هنالك ضمانات تشريعية وشرعية لحقوق الإنسان”.
لكن الفاعوري يعترف بأنّ هذه الأحداث، بخاصة “صُـوّر الاعتقالات التي مارستها حركة حماس ضدّ قيادات فتح”، تضُـر بصورة المشروع الإسلامي وتفتح باب التساؤلات لدى الكثيرين حول مصداقية إيمان الحركات الإسلامية بالديمقراطية والتعدّدية وحقوق الإنسان”، وتدفع بخصوم الحركة الإسلامية إلى الترويج أنّها تمارس “ازدواجية المعايير” التي تتّهم الآخرين بها.
ويضيف الفاعوري أنّ هذه الصورة تمنح تبريراً لدى صنّاع القرار العربي بمنع حتى الحركات الإسلامية المعتدلة من الوصول إلى المشاركة الطبيعية في السلطة، و”يساهم في تعبِـئة المناخ الدولي والإقليمي ضد وصول الإسلاميين إلى السلطة”.
سؤال المستقبل: إرهاب السلطة والبديل!
لعلّ السؤال الأكثر وجعاً لدى الشارع العربي اليوم لا يقف عند المشهد الفلسطيني، بل يمتدّ إلى المشهدين اللبناني والعراقي، حيث تشكِّـل جميعها نموذجاً على ضُـعف السلطة المركزية وانفجار الصراعات الداخلية.
فإذا كان المواطن العربي يرى أنّ المعارضات العربية أو البدائل المطروحة عن النُّـظم السياسية القائمة، تمارس الانتهاكات ذاتها لحقوق الإنسان وتبرّر العنف والاعتداء على الحريات العامة، فما هو الأفق المستقلبي الموعود للمواطن العربي للخلاص السياسي والإنساني؟
في تعليق له على أحداث الفوضى والانتهاكات الجسيمة في العراق بين الفصائل المختلفة، ومشهد الجُـثث بلا هوية والقتلى بلا رؤوس، كتب الكاتب السوري أكرم البني مقالاً سابقاً يقول فيه “إنّ المشهد العراقي يحتلّ زوايا الرؤية كاملة لدى المواطن العربي”، ملمِّـحاً أن المواطن إذا خُـيّر بين الاستبداد الحالي أو الفوضى الأمنية والسياسية، فإنه سيختار الاستبداد برغم عواقبه ومآلاته.
بالمناسبة، أكرم البني نفسه بدأت محاكمته قبل أيام مع زملائه من “إعلان دمشق” (المعارضة السورية) أمام المحكمة العسكرية، بتهمة خَـدش “المشاعر القومية”؟!
محمد أبو رمان – عمّـان
القدس (رويترز) – قالت إسرائيل يوم الاثنين 4 أغسطس، إنها ستنقل إلى الضفة الغربية المحتلة عشرات من الفلسطينيين الموالين لحركة فتح والذين فروا بعد اشتباكات مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة في تغيير لقرار باعادتهم إلى غزة ثانية.
ومنح نحو 180 فردا من عائلة حلّـس، الموالين لفتح حق لجوء مؤقت في إسرائيل بعد اشتباك شرس مع حماس في الحي الذي تقطنه العائلة في مدينة غزة يوم السبت.
وقتل 11 فلسطينيا، كما أصيب أكثر من 90 خلال الاشتباكات، وهي الاشرس منذ أن سيطرت حماس على قطاع غزة قبل عام في أعقاب اقتتال داخلي مع حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وكانت إسرائيل أعادت نحو 30 فردا من عائلة حلس ثانية إلى قطاع غزة يوم الاحد، بناء على طلب من عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان “إلا أن السلطات الاسرائيلية أوقفت العملية بعد أن تلقت معلومات بأن حماس تلقي القبض عليهم”.
وذكرت حماس أنها نفذت الغارة على الحي الذي تقطنه عائلة حلس يوم السبت للقبض على رجال متّـهمين بتنفيذ تفجير وقع في 25 يوليو وأسفر عن مقتل خمسة من أعضاء حماس وفتاة، وأثار التفجير عمليات احتجاز متبادلة بين حركة حماس في قطاع غزة وحركة فتح في الضفة الغربية.
ولم يتّـضح على الفور عدد سكان غزة الذين سينقلون الى مدينة رام الله بالضفة الغربية، حيث مقر حكومة عباس المدعومة من الغرب.
وأفاد الجيش الإسرائيلي بأن العديد من الرجال سيبقون على الأقل بشكل مؤقت في مستشفى في إسرائيل قرب قطاع غزة، حيث يعالجون من جروح أصيبوا بها خلال الاشتباكات مع حماس.
ولم يتسنّ الحصول على تعليق فوري من مسؤولين فلسطينيين بخصوص قرار السماح بنقل الرجال إلى الضفة الغربية.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن مساعدا كبيرا لوزير الدفاع ايهود باراك ينسق عملية النقل مع فياض.
وعائلة حلس واحدة من أبرز العائلات في غزة وأكثرها تسلُّـحا، وواجهت انتقادات حادة من بعض زعماء حركة فتح في الضفة الغربية لعدم مقاومتها سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو عام 2007.
ودعا عباس متحدّثا في العاصمة الاردنية عمان يوم الاحد 3 أغسطس إلى حوار مع حماس بوساطة مصرية.
ونقلت وكالة الانباء الفلسطينية عن عباس قوله “نحن نختلف ونتقاتل… ليس لنا خيار إلا أن نعمل من أجل ردم الهوة بيننا وبين حركة حماس”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.