من المسؤول عن “تآكل فلسطين”؟
"ليس هناك جيش في العالم يُـمكن أن يمارس هذا "الدّور الإنساني"، كذلك الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي لمساعدة الفلسطينيين المسلّـحين الذي تطاردهم "حماس" وتُـطلق النار عليهم"، هذه كانت الملاحظة التي أطلقها الناطق بإسم الجيش الإسرائيلي أفي بنياهو، بعد أن لجأ القيادي البارز في حركة "فتح" أحمد حلّـس وعشرات من أقاربه قبل أيام إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية هرباً من قوات "حماس" في غزة.
ملاحظة مريرة بالطبع، تكشِـف بشطحة قلم القاع الذي إنحدرت إليه القضية الفلسطينية، بعد أن إنشطرت الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة والضفة الغربية (وهي 20% فقط من فلسطين التاريخية) إلى “فلسطينـان” ، وبعد أن إنتقلت الحركة الوطنية الفلسطينية من كونها حركة تحرّر من استعمار استيطاني إلى حركة حروب أهلية داخلية متّـصلة بين “فتح” و”حماس”، لا بل ثمّـة ما هو أخطر: بطن الحالة الفلسطينية بات مفتوحاً على كلّ أنواع التدخلات الخارجية، بعد أن كان الرئيس الراحل ياسر عرفات قد نجح طيلة ثلاثة عقود في حمايتها من هذه “الإجتياحات”.
مَـن المسؤول عن وصول الأوضاع إلى هذا الدّرك؟ قبل الإجابة، وقفة أولاً أمام الظاهرة الخطيرة المتعلقة بالتدخلات الخارجية.
تدخلات.. تدخلات
تنوّعت أشكال هذا التدخل. فالسعودية، على سبيل المثال، حاولت التدخل في فلسطين عبر العمل على جبهتين: تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وإستئناف عملية السلام. وقد جرّب الملك عبد الله، بل ونجح لفترة، بأن يحقّـق درجة من المصالحة بين “حماس” و”فتح” عبر دعوتهما إلى محادثات في مكّـة في فبراير عام 2007، إذ أثمرت هذه المحادثات “إتفاق مكّـة”، الذي أشرع الأبواب أمام تشكِـيل حكومة وِحدة وطنية، لكن، وبينما كان الملك يعمل على تحضير اتفاق مكّـة، كانت الولايات المتحدة تساعد في تسليح وتدريب القوى الأمنية الخاضعة للسيطرة المباشرة للرئيس عباس.
“اتفاق مكّـة” سرعان ما إنهار. وعلى الرغم من أن “فتح” و”حماس” شكَّـلتا حكومة وِحدة، إلا أن “حماس” واصلت رفض الاعتراف رسمياً بإسرائيل، برغم أن بيان حكومة الوِحدة ألمح ضمناً إلى أن الحكومة ستلتزم جميع الاتفاقات التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية وصادق عليها المجلس التشريعي الفلسطيني.
لم يعترف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشرعية الحكومة، ولم يرفعا بالتالي العقوبات، إضافة، واصلت الولايات المتحدة جهودها المتعمدة لدق إسافين الخلافات بين هنية وعباس، وكانت الحصيلة الحتمية صِـدام بين “حماس” و”فتح”، أشعل العنف في غزة خلال شهر يونيو عام 2007 وأسفر عن سيطرة “حماس” على غزة، فيما حافظت “فتح” على سيطرتها على الضفة الغربية.
وهكذا، باءت المساعي السعودية بالفشل وباتت “حماس” و”فتح” في حال عداء أكثر من أي وقت مضى، وخضعت غزّة والضفة إلى سلطتين مختلفين، وبات الفلسطينيون من دون حكومة فعّالة أو قيادة يُـمكنها أن تتحدث باسمهم جميعاً.
لم تفشل السياسة السعودية في هذه الحالة بسبب استفحال المشاكل القائمة فحسب، بل أيضاً بسبب رغبة الولايات المتحدة وإسرائيل في المواجهة، بأمل أن تهزم “فتح” “حماس”. في المقابل، كانت سوريا تدعم بقوة “حماس” ضدّ “فتح” في فلسطين، فيما كانت السعودية تجهد لتحقيق المصالحة.
في هذه الأثناء، كانت مصر تبرُز بوصفها اللاّعب الأبرز في قطاع غزة. فقد أسفر الشرخ بين “فتح” وبين “حماس”، التي سيطرت على القطاع، وضعاً بالغ الخطورة بالنسبة لمصر، التي هي، كما هو معروف، البلد العربي الوحيد المُـحاذي له. وظهرت خطورة الوضع بالنسبة إلى مصر في أواخر يناير 2008، حين خرق أهالي غزّة، في حركة منسّـقة مع “حماس”، الحاجز الفاصل بين غزّة ومصر وتدفّـقوا إلى رفح، ثم عادوا محمـّلين بالمؤن اللازمة.
لم يكن أمام مصر من خِـيار، سوى السماح ببقاء الحدود مفتوحة لقُـرابة أسبوعين، إلى أن تفاوضت مع جميع الأطراف على طريقة لإغلاق المعبر من دون عنف، بيد أن المشكلة لم تُحلّ نهائياً، فطالما أن “حماس” وغيرها من التنظيمات الفلسطينية المتشدّدة تُـواصل إطلاق الصواريخ من غزّة على إسرائيل، وطالما أن الإسرائيليين يردّون بتشديد الحِـصار، ستبقى مصر عُـرضة للضغوط من أجل إعادة فتح الحدود، على الأقل بشكل مؤقت أو ستُهدّد بإحتمال وقوع خرق عنيف آخر.
شجّعت الحاجة مصر إلى إيجاد حلّ بعيدِ المدى على تجاوز ركودها الدبلوماسي الأخير، وعلى تولّي الدور الرئيسي في مفاوضات وقف إطلاق نار بين “حماس” وإسرائيل.
وبعد أشهر من المساعي الحثيثة، دخل أخيراً الاتفاق حيّز التنفيذ في 19 يونيو عام 2008 وألزم “حماس” (لا “فتح”) وقف مهاجمة إسرائيل من غزّة، وألزم إسرائيل إعادة فتح المعابر.
لم تُـشارك الولايات المتحدة في هذه المفاوضات، وأشادت بفتور بوقف النار. وجلّ ما استطاع الصحفيون الحصول عليه من المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية بعد إعلان الاتفاق، هو بيان بأن الولايات المتحدة “ترحّـب بكل ما من شأنه الحُـؤول دون مصرع المزيد من الإسرائيليين”.
من المسؤول؟
هذه التطورات، مُـضافاً إليها دخول إيران الكثيف على خط دعم “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي، بالمال والسِّـلاح، أعادت تجربة “حروب الآخرين” على أرض لبنان بحذافيرها تقريباً على أرض فلسطين، وهذا ما يعيدنا إلى السؤال: من المسؤول؟
لا أحد على وشك تحميل “حماس” وحدها المسؤولية. “فتح” تتحّمل جُـزءاً وفيراً منها، وعلى كل الأصعدة الإستراتيجية (اتفاقات أو بالأحرى فخّ أوسلو)، والدولية – الإقليمية (تسهيل التدخلات الأمريكية والإسرائيلية في الشأن الداخلي الفلسطيني)، والاقتصادية – الاجتماعية (إغناء القلّـة بالفساد والرشاوى وإفقار الكثرة).
بيد أن “حماس” تتحمّـل هي الأخرى جُـزءاً لا يقِـل وفرة من هذه المسؤولية، ليس بسبب ما فعلت وتفعل، بل أساساً لِـم لم تفعل، خاصة بعد أن أصبحت القوة السياسية الرئيسية في فلسطين بعد الانتخابات، وهذا تمثّـل بشكل أساسي في عجزِها عن بَـلورة مشروع وطني جديد ينقلها هي نفسها من الموقع الإيديولوجي الفِـئوي الراهن، إلى موقع قيادة حركة تحرّر متجدّدة وقادِرة على توحيد كل أطياف قوس قُـزح، المجتمع الفلسطيني.
هذا لم يحدث، برغم أن “حماس” تطوّرت منذ تأسيسها عام 1987 من مجرّد ميليشيا تابعة لفرع حركة “الإخوان المسلمين” الفلسطيني إلى حركة جماهيرية واجتماعية كبيرة في التسعينات ومطالع القرن الحادي والعشرين، لا بل حدث العكس، بعد أن سيطرت الحركة على غزة وعزلت نفسها عن العديد من التيارات السياسية الفلسطينية، فضلاً عن فقدانها القُـدرة على اللعب على التناقضات داخل “فتح”.
لماذا هذا الفشل “الحماسي”؟
ربما نعثُـر على بعض الإجابات في الكتاب الجديد لعالم السياسة البريطاني جيروين غانينغ بعنوان “أصولية مع تميّز: “حماس” في السياسة”، والذي جاء حصيلة دراسات ميدانية مطوّلة، قام بها المؤلف في غزة والضفة.
وجاءت الأفكار الرئيسة في كتاب غانينغ كالتالي:
· الحركة لجأت إلى الكفاح المسلّح لمواكبة حالة التطورات الراديكالية في المجتمع الفلسطيني في أعقاب تعثر اتفاقات أوسلو. وعملياتها الاستشهادية في أواسط التسعينات، لم تكن فقط تعبيراً عن مقاومة متشدّدة، بل أيضاً نتيجة لتنافُـسها الحادّ مع “فتح” على السلطة.
· تؤمن “حماس” بأنه لا يمكن فرض الدولة الإسلامية بالقوة، بل عبر موافقة الغالبية العُـظمى من الشعب، لكنها في الوقت ذاته، تعتقد أنها الأقدر على فهم مصالح الجماهير، ولذا، فهي تميل إلى “إجبار الشعب على أن يكون حُـرّاً”.
· تشدّد الحركة على أنها تؤمن بحرية الإرادة لدى الإنسان، لكن بشرط أن يلتزم أحكام الشريعة. ومن يفسّـر هذه الأحكام؟ ليس رجال الدين، بل مجلس الشورى التابع لها.
والحصيلة، كما يراها المؤلّـف، هي وجود توتّـر هائل في فلسفة “حماس” بين النظرية والتطبيق، وبين السياسة والإيديولوجية، برغم كونها حركة براغماتية إلى حدٍّ كبير نسبياً.
هل تفسّر هذه التوترات أيضاً عجز “حماس” عن إنقاذ الوضع الوطني الفلسطيني من وهدته الراهنة؟ ربما.
سعد محيو – بيروت
غزة (رويترز) – قال مسؤولون فلسطينيون يوم الجمعة 8 أغسطس 2008 إن اسرائيل ستسمح لبنوك بتحويل 72 مليون شيقل (20 مليون دولار) الى قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) لتخفيف النقص في الاوراق النقدية.
وضخ هذا المبلغ سيعوض الاموال الاحتياطية التي استخدمت في سداد رواتب قوة العمل التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويحصل العاملون على رواتبهم من خلال سحب مبالغ نقدية من البنوك وماكينات الصرف.
وقال مسؤولون في البداية ان بنوك غزة ليست لديها مبالغ نقدية تكفي جميع عمليات السحب لكن من خلال الاقتراض فيما بينها تمكنت من دفع الرواتب بدون تحويل نقدي.
وقال مسؤول كبير بسلطة النقد الفلسطينية ان الشحنة الجديدة من اوراق النقد ستصل الى غزة يوم الاثنين وستستخدم في تزويد البنوك لسداد اجور هذا الاسبوع.
وقال بيتر ليرنر المتحدث باسم منسق الانشطة الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية انه يتحرى عن هذا التقرير.
وشددت اسرائيل حصارها لقطاع غزة بعد ان سيطرت حماس على القطاع الساحلي منذ أكثر من عام.
وقال مسؤولون فلسطينيون ان اسرائيل سمحت بدخول شحنات صغيرة من الشيقل الى قطاع غزة في الاسبوع الماضي لتحل محل الاوراق البالية. والشحنات الكبيرة تحدث عدة مرات كل عام.
ولم تلتزم عدة دول عربية بتعهداتها المالية للسلطة الفلسطينية مما خلق ازمة في الميزانية القت بشكوك على قدرتها على تغطية النفقات الشهرية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.