من الموت السريري إلى غرفة الإنعاش؟
فجأة قفز هم اتحاد المغرب العربي الى أولويات المنطقة الجغرافية الممتدة من السلوم شرقا إلى نواكشوط غربا..
وبدون سابق إنذار، تكثفت الاتصالات واللقاءات وتنقل الموفدون بين عواصم الدول الخمس، لعقد اجتماع أو حاملين رسائل، ومحور كل ذلك إعادة الروح لاتحاد قُـدر له أن يدخل المصحة بعد أقل من 4 أعوام من ميلاده.
وإذا كان اتحاد المغرب العربي الذي يضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا قد تأسس في 17 فبراير 1989 في أجواء إقامة التكتلات الاقليمية العربية، على غرار “مجلس التعاون لدول الخليج” و “مجلس التعاون العربي”، فإن تشييده كان أنشودة لحركات الاستقلال في دوله الخمس وحلما لشعوبه بعد الاستقلال، لكن المعطى السياسي العام الذي حكم المنطقة ودولها في العشريات الماضية جعله في بعض الاحيان أقرب الى السراب.
السراب الذي ظلل حلم المغرب العربي خلال السنوات التي تلت استقلال دوله، تبدد وأصبح الحلم حقيقة بعد إقامة الاتحاد، وعاد من جديد ليظلل الحلم ويلقي باليأس على الحالمين. فالسنوات الاتحادية الاولى 1989 – 1992، انعشت الحلم ولمس المواطن المغاربي ان هذه البقعة الجغرافية التي يقيم فوقها، وحدة متكاملة وأن سنون النزاع والتوتر والبعاد، لم تنجح في ازالة الحلم .
اليوم، وبعد ستة عشر عاما من إقامة الاتحاد، عادت منطقة المغرب العربي الى حركيتها، وكأن التاريخ يعيد نفس السيناريو الذي رسمه لاقامة الاتحاد.
مبعوث من الرئيس الجزائري الى العاهل المغربي يحمل دعوة لحضور القمة العربية، وعلى هامش تسليم الدعوة يتم التطرق للعلاقات الثنائية، فتور الى حد القطيعة وحدود برية مغلقة وإعلام لا يخلو من غمز ولمز، فيبدي كل طرف رغبة في تجاوز حالة القطيعة وضرورة خلق أجواء وئام وحميمية وتعاون بين البلدين لان ذلك مقدمة طبيعية وضرورية للعمل المغاربي المشترك.
وينقل المبعوث رسالة العاهل المغربي ويتبعه مبعوث من العاهل المغربي الى الرئيس الجزائري لوضع بعض التفاصيل لتحقيق ما يرغب الطرفين في إنجازه ويعلن عن عقد قمة ثنائية بين زعيمي البلدين على هامش القمة العربية القادمة تكون متبوعة بقمة أو لقاء بين قادة الدول المغاربية.
تجاوز الإختلاف
هذا ما حدث في شهر مايو 1988 قبيل قمة الانتفاضة العربية التي استضافتها الجزائر وحينها كان الشاذلي بن جديد رئيسا للجزائر والحسن الثاني ملكا للمغرب. وهو ما حصل أيضا في فبراير 2005 قبيل القمة العربية المقرر أن تستضيفها الجزائر في مارس القادم وعبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجزائر ومحمد السادس ملكا للمغرب.
فبعيد استقبال الملك محمد السادس في القصر الملكي بالرباط رئيس مجلس الامة الجزائري عبد القادر بن صالح الذي سلمه دعوة حضور القمة، أعلن في الرباط رسميا عن تلبية العهل المغربي للدعوة وحضوره القمة العربية.
إثر ذلك التحق وزراء خارجية دول المغرب العربي بالرباط لعقد اجتماع “دوري” للتوصية بتمديد مهمة الحبيب بولعراس في الامانة العامة للاتحاد والمصادقة على تقرير أعمال لجنة المتابعة المغاربية، والاعداد السياسي والتقني للقمة المغاربية القادمة التي لم تلتئم منذ عام 1994.
وبعد خمسة أيام من اجتماع الرباط، التقي وزراء الخارجية في نواكشوط لاستكمال عملهم، وتركز الإهتمام على ملف العلاقات الموريتاية الليبية التي تعرف توترا منذ 2003 بعد اتهام نواكشوط لطرابلس بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في يونيو من ذلك العام.
على هامش اجتماع الرباط أعلن وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم أن قمة جزائرية مغربية تعقد على هامش القمة العربية، إيذانا بجديد ايجابي ستعرفه العلاقات بين البلدين والعمل المغاربي المشترك.
وبهذا الاعلان تكون الرباط والجزائر قد تجاوزتا الاختلاف حول “آلية البدء”، فالجزائر قبلت ان تكون انطلاقة تصفية الاجواء بقمة ثنائية، بعد أن كانت تصر على أن تبدأ على مستوى الخبراء ثم الوزراء للوصول الى القمة.
ومن جهتها، تكون الرباط قبلت بحث العلاقات الثنائية والتعاون دون أن يكون ملف نزاع الصحراء الغربية ضمن جدول الاعمال، بعد ان كانت متمسكة بأن النزاع مغربي جزائري فيما تصر الجزائر على القول إنه نزاع بين المغرب والشعب الصحراوي وأن تسويته بيد الامم المتحدة.
الوئام المفقود
إذا ما استثنينا ملف النزاع الصحراوي، يمكن القول – من الناحية التقنية البحتة – أن ملفات التوتر ثم الفتور الجزائري المغربي (منذ استقلال الجزائر في عام 1962)، واضحة وليست ملتبسة، لكنها الملفات التي يطلق عليها وصف السهل الممتنع، حيث أن كل ما تحتاجه للتسوية والحل يتلخص في إرادة سياسية خالية من لعبة المماحكات.
فممتلكات الجزائريين بالمغرب وممتلكات المغاربة في الجزائر ملف يعود الى بداية الستينات وكلما اقترب الطرفان في مرحلة وئام وحميمية من حله توترت العلاقات وتجمد الملف. أما عملية ترسيم الحدود، فقد دخلت في أعقاب اتفاقية “تلمسان – ايفران” في الاطار التقني، بعد أن تأخرت المصادقة المغربية عليها عشرين عاما، ولم يعد المغرب رسميا يجادل فيها، لكنها لا زالت تنتظر وضع العلامات. أخيرا لا يحتاج فتح الحدود البرية (المغلقة بين البلدين منذ عام ) إلا إلى تعاون أمني، وهو أمر قائم حتى في اكثر اللحظات توترا بين البلدين.
لقد أكدت التجربة العملية على مدى العقود الاربع الماضية أنه لن يكون هناك عمل مغاربي مشترك، بدون وئام مغربي جزائري. فالبلدان هما الاكبر مساحة والاكثر سكانا، وبالتالي الاكثر تأثيرا في الاقليم، الا أن سياسة الاستقطاب التي مارسها البلدان، سواء كان ذلك في ظل الحرب الباردة أو بعد انتهائها، كانت تجد فيها الدول المغاربية الاخرى سندا ودعما في توتر مع طرف مغاربي جار أو مع احد القطبين.
عـالـم المصالح
وقد استساغ البلدان هذه اللعبة حتى في ظل نظام القطب الامريكي الأوحد المهيمن على العالم (الذي لم يعد يسمح للدولة الاقليمية ان تمارس نفوذها على الاقليم إلا بإذن منه ولخدمة اهدافه)، فضاعت تبعا لذلك على منطقة المغرب العربي سنوات طويلة، خسرت فيها جميع دولها، أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، تهدد بنيانها واستقرارها، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا (وتحديدا فرنسا وإسبانيا)، تبذل جهودا متصلة لاعادة العلاقات بين دول المنطقة الى سياقات التعاون والتكتل.
وإذا ما كانت أوروبا تسعى لذلك لانه يخدم مصالحها الاقتصادية في منطقة تعتبر تاريخيا جزءا من نفوذها، فإنها تدرك أيضا أن الوئام والتعاون والتكامل المغاربي يؤمن لاطرافه استقرارا هي في أمس الحاجة إليه، لان أي انفجار اجتماعي في أية دولة من دول الاقليم سينتقل، بحكم القرب الجغرافي وكثافة المهاجرين في العديد من دول الإتحاد، إلى داخل اوروبا، القارة التي تحاول ان تحقق وحدتها على أمل ان تكون في يوم من الأيام قطبا عالميا يعيد للسياسة الدولية شيئا من توازنها.
يمكن القول بدون أدنى ريب أنه هذا هو منطق عالم المصالح ، مثلما كان على الدوام في كل مصر وعصر، لكن اتحاد المغرب العربي، يتميز بالإضافة إلى ذلك أنه كان (حين تأسيسه عام 1989) التكتل العربي الوحيد الذي تشكل طبيعيا، بدون إكراهات السياسة أو المحاور، فدوله متكاملة الامكانيات والثروات وكان بإمكانه أن يتحول إلى أنموذج واقعي للعمل العربي المشترك، لما تتسم به السياسة المغاربية بالعقلانية عموما.
وقد يكون هذا ممكنا في المستقبل المنظور إذا ما نجح قادته في فهم واقع دولهم وواقع إقليمهم واستوعبوا حجم ما يجري في العالم حولهم من تحولات، وبكلمة واحدة إذا ما تخلوا عن “الآني” القائم على الرغبة في الزعامة من أجل “الدائم والمستقبل” القائم على القوة النابعة من التكتل والتكامل.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.