“من ليس معنا.. فهو ضدنا”
إن حربنا ضد الإرهاب، تبدأ مع تنظيم القاعدة، ولن تنتهي عنده.. على الأمريكيين ألا يتوقعوا معركة واحدة، بل حملة لم يسبق لها مثيل....: الرئيس جورج بوش أمام الكونغرس
بعد ثمانية اشهر فقط على دخوله البيت الأبيض رفقة الفريق الدبلوماسي والحربي الذي أدار حملة تحرير الكويت بقيادة والده، يجد حاكم “تكساس” السابق، نفسه وبلاده في مواجهة أعنف وأخطر تحدي، تعرفه أمريكا داخل أراضيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
عملية إرهابية محكمة التخطيط والتنفيذ، اخترقت السيادة الوطنية الأمريكية ورموز هيبتها وزعزعت “النظام العالمي الجديد”، الذي وضع أسسه جورج بوش الأب على أنقاض الإمبراطورية السوفيتية المتفككة وحرب الكويت، التي لم تنته، حيث بات شبه مؤكد أن العراق سيكون الهدف الثاني للحملة الحربية الأمريكية بعد أفغانستان.
وعلى الرغم من هول الفاجعة وفداحة الخسائر، فان صناع القرار في واشنطن، والذين يفترض انهم استفادوا كثيرا من دروس وعبر حرب الكويت، لم يتوقفوا لحظة واحدة ليتساءلوا، كيف تم هذا؟ ولماذا؟ ومن المستفيد من الجريمة؟ لا بل انهم وفور استفاقتهم من هول الصدمة، وقبل أن تنتهي التحريات في ظروف وملابسات الحادث، انتفضوا مسرعين لإعلان حرب عالمية على الإرهاب، وفتحوا أبواب التجنيد لحلفائهم للانضمام إلى الحملة، حملة “الخير على الشر” و “الحضارة على الوحشية”.
وفتحت أبواب سوق المزايدات…حتى الدول المسؤولة سياساتها عن تفريخ الحركات المتطرفة والإرهابية، ذرفت دموع التماسيح وسارعت في حجر مقعد على قطار الحرب.
لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن حصل رئيس أمريكي من الكونغرس، على صلاحيات وسلطات مطلقة لشن الحرب بمثل هذه السرعة وكأن سيناريو الحرب كان جاهزا في أروقة البنتاغون.
فالمهم بالنسبة لصناع القرار الأمريكي، هو استعادة ما فقدته أمريكا من هيبة، وبأقصى السرعة من خلال استعراض ضخم للقوة الحربية، حتى وان كان العدو بلدا لا يملك من وسائل الحرب سوى أسلحة بدائية ويعيش أهله حياة هي اقرب إلى العصر الحجري، بعيدا عن كل مظاهر الحضارة.
وعلى الرغم من انه لا يصح لأحد أن يجادل الولايات المتحدة في حقها للاقتصاص من مرتكبي مجازر 11 أيلول، فان “الشرعية الدولية” التي لجأت إليها واشنطن وتسترت وراءها أحيانا، وحلفاؤها لتحرير الكويت وكوسوفو وضرب العراق وصربيا، تفرض على الولايات المتحدة الامتناع عن أي حملة حربية واسعة النطاق، قبل التأكد المطلق والجازم عن هوية الجهة أو الأطراف، التي نفذت الاعتداءات الإرهابية.
كما تحتم على إدارة الرئيس بوش وأجهزة التحقيق الأمريكية، انتهاج الشفافية الكاملة في الكشف لحلفائها وللعالم، عن ظروف وملابسات التحقيق، الذي لاشك انه سيتواصل اشهرا وربما سنوات.
فالاعتداء على حركة الطيران المدني واستهداف السكان الأبرياء، ليسا فقط عملا إرهابيا شنيعا، بل انهما مؤامرة بمعنى « Conspiracy »، لجر العالم إلى نفق مظلم من خلال جر القوة العظمى الوحيدة إلي عمل قد يكون غير مسؤول وغير مدروس العواقب.
أما أن تنفرد واشنطن بالقرار والتخطيط والتنفيذ وفق منطق “من ليس معنا، فهو ضدنا”، فهذا أمر يدعو إلى الفزع، خصوصا بالنسبة للدول الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة أمام القوة الأعظم.
فالأمريكيون وقيادتهم يعيشون منذ 11 أيلول محنة حقيقية، وحالة من الذعر والذهول، قد تجعل اندفاعهم نحو الانتقام، مغامرة في المجهول.
فالإرهاب ليس دولة أو جيشا أو جماعة بعينها يمكن محاربتهم، والجماعات الإرهابية تعمل خارج إطار الجغرافيا ومنطق السياسة، لكن الأخطر من ذلك هو إلصاق صفة الإرهاب بفئة من الناس أو بعقيدة معينة أو التلميح هنا وهناك، إلى أن الحرب الأولى في الألفية الثالثة، ستكون حرب الحضارات بين “الشرق الحائر” و “الغرب الجائر”.
إن معظم دول العالم، وبالتحديد دول العالم العربي، مسؤولة سياسيا عن تنامي الفكر المتطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب، والولايات المتحدة مسؤولة أيضا عن نتيجة سياساتها غير العادلة تجاه العديد من الصراعات، وعلى رأسها نزاع الشرق الأوسط.
كما أن واشنطن تتحمل مسؤولية جسيمة تجاه تنامي الإرهاب والتطرف، بسبب اتكالها على أنظمة سياسية بالية يئست شعوبها من قدرتها على مواكبة الحداثة.
وكي لا تتحول الحرب الأمريكية العالمية ضد الإرهاب الى حملة لتفريخ المزيد من الإرهاب، يتعين ترجيح العقل وإعادة قراءة التاريخ بمنطق، غير منطق الحرب الباردة أو صراع الحضارات.
محمود بوناب
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.