مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مهام عسيرة وامكانيات محدودة

رئيس الوزراء العراقي الجديد إياد عـلاوي أثناء إعلانه يوم 1 يونيو عن أسماء أعضاء الحكومة الإنتقالية العراقية swissinfo.ch

انتهى ماراثون تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وقضي الأمر واستقرت سفينة الأخضر الابراهيمي على أرض هشة..

وجاءت الحكومة العراقية الجديدة تحمل في طياتها أمراض التشكيلة السابقة بل تضيف إليها برأي مراقبين أعباء أخرى..

بصرف النظر عن الخطاب الاعلامي المتفائل الذي وعد العراقيين بمستقبل مشرق واقتصاد مزدهر وأمن مستقر، وبعيدا عن الأمنيات الوردية، لا يمكن القطع بتحقق الوعود التي قدمها كل من رئيسي الجمهورية والوزراء الجديدين في العراق.

وبدا واضحا أن الشارع العراقي ينقسم حيال هذه التشكيلة المعلنة أخيرا الى فريقين، يرى الاول منهما ضرورة منحها فرصة من اجل اثبات قدرتها من عدمها، وهو موقف بعض المواطنين الذين يرغبون بالخروج من الازمة التي يمر بها العراق بصرف النظر عن الخلفيات والتفاصيل والتحليلات ، فيما يرى الثاني أن هذه الحكومة لا تمثل الجميع وانها لم تتخلص من المحاصصة الطائفية والعرقية التي بدت واضحة على نحو لا يمكن انكاره والتي كانت طيلة المرحلة الماضية مدار اتهامات عديدة بشرذمة العراق أديانا وأعراقا ومذاهب بعيدا عن بناء الوحدة الوطنية وتقوية مكونات النسيج الاجتماعي العراقي الواحد.

الدور الأمريكي

تبدو هذه التشكيلة معينة من قبل المحتل الامريكي حتى وإن ألبست ثيابا أخرى سواء عبر الامم المتحدة او بالضجيج الاعلامي الذي رافق عمليتي اختيار رئيس الوزراء الدكتور اياد علاوي ورئيس الجمهورية الشيخ غازي الياور باعتبار الأخير مرشح الشعب او مرشح مجلس الحكم الانتقالي المنحل ازاء الدكتور عدنان الباجة جي الذي اعتبر مرشح الأمم المتحدة والجانب الامريكي، وهي مغالطة تنطوي على تلميع وتشويه مقصودين اكدهما الدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط والتعاون الدولي والمساعد الأقرب للدكتور الباجة جي.

وتشير تسريبات صادرة عن بعض أوساط مجلس الحكم المنحل ان الحاكم الامريكي للعراق السفير بول بريمر قد يكون أكد لأعضاء المجلس انهم “لا يمثلون الشعب العراقي بكل اطيافه” وان اختيار اياد علاوي “تم بقرار امريكي” أبلغ اليه عبر مستشارة الأمن القومي غونداليزا رايس التي – تقول التسريبات – حسمت الأمر لصالح علاوي وليس من خلال المجلس كما تم الترويج له في العاصمة العراقية.

ومن اللافت للنظر ان التشكيلة الحكومية العراقية الجديدة تتساوق تماما مع رؤية وزير الخارجية الامريكي الأسبق هنري كيسنجر التي أعلنها مطلع العام الحالي والقاضية بضرورة تشكيل حكومة علمانية تكنوقراطية تقصي المتطرفين من أتباع المذهبين السني والشيعي ليتسنى صياغة الحكومة الجديدة على وفق الرؤية الأمريكية لشرق أوسط جديد يكون العراق فيه نقطة ارتكاز أساسية.

اعتراضات جوهرية

ويأتي اختيار هذه التشكيلة التي لا تختلف كثيرا عن المكونات الأساسية لمجلس الحكم المنحل بعد ان تم اقصاء خياري الانتخابات العامة التي روَّجت لها الأطراف الشيعية المتشددة وتساوق معها المرجع الشيعي اية الله علي السيستاني بعد ان تم افتضاح تدخل الأطراف الايرانية في التركيبة الديموغرافية العراقية وخاصة في مدن الفرات والجنوب، وبعد ان تم استبعاد الخيار الثاني بعقد مؤتمر وطني موسع يضم أطياف الشعب العراقي السياسية.

ويرى عدد من المراقبين ان اختيار هذه التشكيلة يتصل كثيرا بالصراع بين أقطاب الادارة الامريكية اكثر من اتصاله بالحاجات العراقية الفعلية، ذلك ان اختيار علاوي لمنصب رئاسة الحكومة يتعلق بتحويل ملف العراق من عهدة البنتاغون الى ذمة وزارة الخارجية الامريكية ووكالة المخابرات المركزية، وهذا ما يفسر سر الانقلاب ضد احمد الجلبي الذي كان “بطل” غزو العراق واحتلاله والشخصية الأثيرة لصقور الحرب في واشنطن وتل ابيب.

كما يرون ان التشكيلة الجديدة التي احتفظت بعشرة وزراء من اصل واحد وثلاثين وزيرا وضمت أعضاء وأعضاء مناوبين في مجلس الحكم الانتقالي المنحل اليها سعت الى ضخ دماء جديدة لكنها لم تضم قوى سياسية فاعلة في الشارع العراقي كانت مهمَّشة في العهد السابق وما تزال كذلك اليوم، لأنها ببساطة سعت الى ضم شخصيات جديدة وليس قوى جديدة فضلا عن انها ضمَّت 18 عنصرا من المقيمين في الخارج، الأمر الذي يعني ان القوى المشار اليها ستظل تنظر بعين الريبة الى حكومة السيد اياد علاوي ولا تتعاون معها.

ويتضح ايضا نجاح النموذج الكردي الذي قدَّمه هذه المرة زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني، ويكفي في هذا السياق لفت الأنظار الى اختيار رئيس وزراء حكومة السليمانية في اقليم كردستان العراق برهم صالح ليكون نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الأمن الوطني واختيار الشخصية التاريخية في الاتحاد الوطني فؤاد معصوم ليكون رئيسا للمجلس الوطني المؤقت الذي سيكون بمثابة برلمان موقت يعدُّ العدَّة للانتخابات المقبلة.

من جهة أخرى، ظلت مسألة استمرار تغييب وتهميش القوى العربية السنية في الهيئة الرئاسية ومجلس الوزراء والبرلمان قائمة، حيث لم يحصل العرب السنة الا على منصب الرئاسة الفخرية في حين حصل الأكراد على ثلاثة مناصب وحصل الشيعة العرب على منصبين.

وفي هذا الصدد يقول متحدث باسم جامعة مدينة العلم للامام الخالصي ان قوات الاحتلال كررت خطأها التاريخي في فرض ارادتها على الشعب العراقي بتعيين عناصر لا يكن لها العراقيون احتراما لارتباطهم المعروف بدوائرها العسكرية والاستخبارية، مؤكدا ان سلطات الاحتلال لم تعط الفرصة لأبناء العراق لإبداء رأيهم في الوجوه المحمولة قسرا الى المناصب في هذا البلد.

اما الدكتور قيس العزاوي الناطق الرسمي باسم الحركة الاشتراكية العربية أبرز القوى القومية العربية في العراق فيرى ان الامم المتحدة تم استخدامها لتوفير غطاء لصفقة سياسية ، مشيرا الى ان الحركة قررت عدم المشاركة في الحكومة الجديدة بعد ان اتضح لها وجود مساومات وألاعيب سياسية بين اطراف وقوى داخل المجلس الانتقالي وخارجه على منصب رئيس الوزراء ووزارات السيادة بشكل خاص.

ويعتقد العزاوي ان هذه الحكومة ليست الا امتدادا طبيعيا لحكومة مجلس الحكم الانتقالي الذي أخفق على مدى الأشهر الماضية في معالجة قضايا مهمة أفرزها الاحتلال مثل التدهور الامني ومشكلة البطالة مما سيزيد من المأزق السياسي والامني خصوصا مع عدم وضوح الرؤية لدى المواطن والتشويش المقصود للقوى السياسية حيال آلية نقل السلطة وما يجري من مداولات في مجلس الامن الدولي، ووصف الحكومة الجديدة بأنها حكومة “تصريف اعمال” وليس حكومة “المهمات الصعبة” كما كان متوقعا.

صعوبات بالجملة

هنا لابد من التأكيد على أن التشكيلة المقبلة ستواجه مهاما عسيرة للغاية تتعلق أولاها بموضوع السيادة المنقوصة والسلطات الناقصة التي ستتسلمها اعتبارا من تموز -يوليو المقبل وانهاء الاحتلال فعليا وليس شكليا فحسب ثم قضية الأمن الذي يزداد تدهورا على نحو خطير وموضوع تلاشي بعض أجهزة الدولة وضعف اداء البعض الآخر، وأخيرا هناك قضية البطالة والتدهور الحاصل في اقتصاد البلاد.

يقول الدكتور قيس العزاوي ان امام الحكومة اليوم امتحان عسير وتحديات كبيرة، متسائلا : هل ستكون هذه الحكومة في مستوى التحديات وتمحو الصورة السلبية التي رسَّخها نظام المحاصصة الذي عاد للظهور في الاختيارات الوزارية الجديدة؟ أم انها ستكون على شاكلة مجلس الحكم الراحل وتسير على وفق رغبات سلطة الائتلاف المنحلة.

ومع ان الدكتور عبد السلام السامر استاذ الاعلام في جامعة بغداد يرى ان تشكيل هذه الحكومة “خطوة لا باس بها وانه أفضل من لا شيء” معتبرا ان الشارع العراقي قابل الاعلان عنها بشكل جيد نسبيا وانها ضمت عناصر مقبولة الا انه يؤكد ان “الولايات المتحدة هي التي ستدير الأمور في البلاد بشكل مباشر او غير مباشر لأن السفارة الأمريكية ستدير البلاد كما كان دور السفارة البريطانية ايام الاحتلال الانجليزي للعراق مطلع القرن العشرين” على حد قوله.

ويقول مراقبون في العاصمة العراقية أنه يتحتم على هذه التشكيلة ان تنظر بعين الاهتمام الى القوى التي كانت نافذة داخل مجلس الحكم المنحل والتي تضررت مصالحها كثيرا خاصة وانها كانت المرشح الأقوى للظفر بأهم المواقع الحكومية الجديدة، وأعني بها تحديدا احمد الجلبي الذي فقد كثيرا من سطوته ونفوذه في هيكل الحكم الجديد، إذ لا يتوقع ان يمرَّ الموضوع بسلام من جانب هذا الطرف الذي طالما روَّج على ان اختيار الجلبي رئيسا للعراق او للوزراء بات امرا محسوما.

ويضيفون بأنه يتعين على الجميع النظر الى الامكانيات المحدودة التي ستعمل الحكومة في اطارها ومن خلالها، حيث ما تزال الصلاحيات محدودة وخاصة في مجال الأمن والامكانات قاصرة حيث ما تزال الموارد خاضعة – على نحو أو آخر – لسلطة الاحتلال والسيادة منقوصة حقيقة.

أخيرا، هناك مشكلة الضعف المتعمد في بنية الجيش العراقي الجديد، فبرغم اعلان الدكتور علاوي عن نيته اعادة اربع فرق من الجيش السابق الى الخدمة الا ان هناك اتجاها قاطعا بتحجيم الجيش عددا وعدة وتحديد صلاحياته وتهميش قياداته المحترفة من خلال اختيار وزير دفاع مدني والاعتماد على كادر مدني يصل الى نسبة 80 % منه.

بين السلبي والايجابي

في كل الأحوال فإن الأمر لا يخلو من ايجابيات، فالشيخ الياور له مميزات وعليه سلبيات، ومما يحسب له انه لم يتهم مثل اعضاء في مجلس الحكم الإنتقالي او حكومته السابقة بتلقي رشاوي او طلبها ويسجل له عدم صلته بقضايا الفساد الاداري او المالي كما انه لم يتهم – مثل آخرين – بقضايا اغتيال وقتل او التسبب في أعمال عنف في البلاد، غير انه يسجَّل عليه حداثة عهده بالعمل السياسي وانه كان عضوا في مجلس الحكم الإنتقالي المنحل الذي قُـوبل طيلة الأشهر الماضية بالرفض الشعبي الواسع النطاق.

اما السيد اياد علاوي فتسجل ضده صلاته المفضوحة مع وكالة المخابرات المركزية وكونه جزءا لا يتجزأ من المشروع الأمريكي في العراق وخارجه، كما يؤخذ عليه فشله في ادارة الملف الأمني عندما تولى رئاسة اللجنة الأمنية في المجلس الإنتقالي المنحل وعندما كان ممثله نوري البدران وزيرا للداخلية، غير انه يسجل له انه لم يكن متحمسا لقرار اجتثاث البعث الذي أقصى مئات الالاف من الموظفين والعسكريين الذين كانوا عصب الدولة الرئيسي وقواتها المسلحة، كما سعى الى ادامة الصلات معهم واجتذاب بعض منهم لدعم حركته، فضلا عن انه لم يدخل في خصومات مباشرة مع القوى السياسية العراقية خارج المجلس.

وفي كل الأحوال يبقى الميدان سيد الحسم وتبقى الساحة العراقية مفتوحة على كل الاحتمالات. فهل سيعمد الامريكيون الى إنجاح هذه التجربة بضخ مزيد من الاموال وتوفير قدر معقول من الامن والخدمات ام انهم سيفشلون هذه التجربة بمواقفهم المتعنتة والمنفردة وحينها يصدق قول الابراهيمي باعتبار بريمر “ديكتاتور العراق”؟!.

مصطفى كامل – بغداد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية