مهرجان لوكارنو… شاب في الستين
لم يفقد فيرديريك مير شيئا من قوته الهادئة، منذ توليه إدارة المهرجان الدولي للفيلم في لوكارنو قبل عام.
فهو رغم مشاغله المتعددة، لم يتوقف عن زيارة مختلف انحاء العالم لاكتشاف آخر الأفلام السينمائية التي ستطبع الدورة الحالية للمهرجان.
يعقد المهرجان الدولي للفيلم في لوكارنو دورته الستين ما بين غرة أغسطس والحادي عشر منه بعرض أكثر من 160 شريطا سينمائيا من بينها 80 فيلما في أول عرض عالمي و20 كأول انتاج.
في الحديث التالي الذي خص به سويس إنفو يشرح المدير الفني للمهرجان فريديريك مير خصوصية هذه الدورة وأهم مميزاتها.
سويس إنفو: يستعد المهرجان للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسه، هل يمكن مقارنته بخمرة توفرت لها كل الظروف لكي تصبح معتقة؟
فريديرك مير: إذا ما ابتعدت عن المقارنة بالخمر، يمكنني القول أن مهرجان الفيلم الدولي في لوكارنو لن يأخذ منه الدهر، بل العكس هو الصحيح إذ أنه دائم الشباب. فهو يتميز بديناميكيته وبحيويته لأنه يعمل جاهدا وبدون توقف على اكتشاف الأفلام والتوجهات والمواهب الجديدة.
سويس إنفو: كيف أعددتم هذه الدورة الستين التي توافق الدورة الثانية منذ توليكم دارة المهرجان؟
فريديريك مير: لقد أعددناها وفقا للمعايير التي حددت العام الماضي والنجاح الذي تم تحقيقه في العام 2006 سواء لدى الجمهور او على الساحة الدولية. لقد تم كالمعتاد اختيار الأفلام المشاركة في الدورة وفقا لمعايير دقيقة. وهنا أود أن أذكر بأن العديد من الأفلام التي عرضت في مهرجان لوكارنو، حصلت فيما بعد على رواج جيد على المستوى العالمي.
ويمكن القول أن الظروف كانت مثالية للإعداد لهذه الدورة. فقد استطعنا ضمان مشاركة عدد من الأفلام الكبرى، مما يسمح لنا بتقديم العديد من المفاجآت وتمكين هواة الفن السابع وزوار المهرجان من قضاء لحظات ساحرة.
ولا تشكل عملية اختيار الأفلام عموما تعقيدا يُذكر، ولكن بتزامن هذه الدورة مع الذكرى الستين يبدو في بعض الأحيان وكأننا نعد لمهرجانين في آن واحد.
سويس إنفو: كيف يتم الإعداد لدورة تصادف الذكرى الستين للمهرجان؟هل ستضيفون بعض الجوانب الاحتفالية هذه المرة؟
فريديريك مير: إن اهتمامي الكبير ينصب على تقديم برنامج ذي جودة عالية من حيث المحتوى. وأن الجانب الاحتفالي بالذكرى الستين يجب أن يتم بتخصيص لحظات للاحتفال بالحدث. ولكن أرى أن قيمة الدورة تكمن دوما في جودة الأفلام التي تعرض فيها.
ولكن هذا سوف لن يمنع هذه السنة من مشاهدة بعض الأفلام الطويلة التي عُرضت في مهرجان لوكارنو باستقبال شخصيات بارزة في عالم السينما. إذ سيخصص المهرجان تكريما خاصا لنجوم السينما الإيطالية من خلال برنامج خاص تحت شعار “سيداتي، سادتي”، وهو البرنامج الذي يعكس عينة عن إنتاج الستين سنة الماضية للسينما الإيطالية وقد تم إعداده بالاشتراك مع مؤسسة “سيني شيتا” (Cinecitta).
كما نأمل في إثراء هذا الاحتفال بحضور بعض الممثلات الشهيرات اللواتي سيثرن بشكل افتراضي رقة وجاذبية البساط الأحمر. وأود أن أشدد على كلمة “بشكل افتراضي” لأن مهرجان لوكارنو لم يقبل ولن يقبل مظاهر البساط الأحمر، لأننا نفضل شاشتنا البيضاء بدل ذلك.
سويس إنفو: على ذكر الشاشة البيضاء التي تمثل شعار هذه الدورة، هل هي عودة لما هو أساسي ولنوع من النقاء أم أنها بصمة فريديريك مير؟
فريديريك مير: إن عبارة النقاء تثير بعض المخاوف لدي خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعمل السينمائي. لكن الصورة التي اخترناها شعارا لدورة هذا العام تتمثل في شاشة عرض بيضاء تحيط بيها ساحة بياتزا غراندي (الساحة الكبرى وسط مدينة لوكارنو). وهي شاشة مشعة تجرؤ على عرض كل شيء ومفتوحة أمام الجميع.
وإذا ما نظرنا للأمور من هذا المنظور يمكن القول أن النقاء يكمن في اللون الأبيض ولكون الشاشة فارغة من اية صور. ولكن يجب أن يستمر مهرجان لوكارنو في استقبال جميع الأنماط السينمائية، وهذا ما يجعل هذه اللافتة تشخص انفتاح مهرجان لوكارنو على كل الأنماط في عالم السينما.
أما فيما يتعلق بالنقاء والتواضع، فهما من سمات مهرجان لوكارنو. وبعبارة أخرى يمكن القول أن مهرجان لوكارنو يتسم بكثير من المهنية والكفاءة وبقليل من المبالغة في نفس الوقت.
فنحن ، شأننا شأن هذه الساعات الفاخرة السويسرية التي تعتبر من أجمل الساعات في العالم، لنا مظهر خارجي أصيل وأساسي ولكنه يخفي آلية معقدة داخلية.
سويس إنفو: في الإطار الدولي وبغض النظر عن هذا الانفتاح، كيف تصنفون مهرجان لوكارنو؟
فريديريك مير: أود أن أأكد بأن مهرجان لوكارنو هو بحق مهرجان إكتشاف المواهب. وقد إكتشفنا أنا وزملائي أثناء تحضير هذه الدورة كيف أن مهرجان لوكارنو ساهم في التعريف بعدد من المخرجين الشبان. عدد كبير منهم أصبح من النجوم التي يحتفى بها في مهرجانات “كان” و “البندقية” وغيرها.
وأود أن أعود لحديث عن الشكل الذي يتخذه مهجران لوكارنو بحيث أنه يتسم بالحرفية العالية ولكن في تواضع تام بحيث يولي الأهمية الكبرى للمحتوى دون المبالاة بالمظاهر. ومن هذه الزاوية على مهرجان لوكارنو ان يحتفظ بتنوعه وهي السمة الرئيسية التي على اية تظاهرة أن تلتزم بها. ورغبتي في أن يُنظر له على أنه مهرجان “من نوع خاص” كما يقول الفرنسيون.
سويس إنفو: على المستوى الشخصي والمهني كيف عشتم الدورة الأولى على رأس المهرجان؟
فريديريك مير: لما صعدت لأول مرة في حياتي فوق الخشبة بساحة بياتزا غراندي وظهري للجمهور لأشاهد شاشة العرض، اعتراني إحساس غريب رغم انني كنت أقوم بذلك منذ سنوات بوصفي ناقدا سينمائيا، وقد تساءلت عما أفعله هنا. لكن سرعان ما أدركت أن مكاني هو هنا.
وأثناء بحثنا في الأرشيف لتحضير هذه الدورة، كم كنت سعيدا لاكتشاف أن عملي يتم وفقا للخطوط التي سار عليها من سبقوني في إدارة هذا المهرجان. إذ أشاطرهم فكرة إبقاء المهرجان عبارة عن مختبر سينمائي دائم الحركية.
سويس إنفو: ما هي الذكرى التي تودون محوها من ذاكرتكم إلى الأبد مما عشتموه في العشرة ايام من مهرجان عام 2006؟
فريديريك مير: أود محو ذكريات الأربع وعشرين ساعة الأخيرة من المهرجان إذ كما تعرفون أجبرت “لأسباب تقنية” (ضحك) على عدم حضور حفل تسليم الجوائز نظرا لنقلي للمستشفى بسبب وعكة صحية. وبغيابي هذا تكون لدي إحساس بأنني لم أقم بمهمتي لإتمام أشغال المهرجان. ولكنني مستعد لإعادة التجربة من الصفر.
ولكن الذكريات الجميلة فهي عديدة. وإذا ما أجبرت على اختيار واحدة منها فأختار اللحظة التي قبل فيها المخرج الكبير آكي كاوريسماكي الصعود الى الخشبة رغم إرادته، متغلبا على وجله وخشيته.
فالتواجد جنبا الى جنب مع هذا المخرج العظيم الذي لا يقبل التبجيل، وفي مواجهة جمهور في ساحة “بياتزا غراندي” الذي يرغب في تكريمه، كان بمثابة إحساس لا يُنسى.
أجرت الحوار: فرانسواز غيرينغ – سويس إنفو – لوكارنو
(ترجمه إلى العربية وعالجه محمد شريف)
تدور فعاليات الدورة الستين للمهرجان الدولي للفيلم في لوكارنو من 1 إلى 11 أغسطس 2007.
يعرض المهرجان 160 شريطا طويلا، من بينها 80 فيلما في أركانه الرئيسية.
تتميز دورة هذا العام بعرض 80 شريطا للمرة الأولى في العالم، من بينها 20 تعتبر الأعمال الأولى لمخرجين شبان.
البلدان الممثلة في مهرجان لوكارنو، تناهز الثلاثين.
يتنافس 19 شريطا ضمن المسابقة الدولية للمهرجان، من بينها شريط سويسري للمخرج فولفيو بيرناسكوني من كانتون تيتشينو.
تم اختيار 35 شريطا سويسريا لدورة هذا العام ستُـعرض في مختلف فروع المهرجان.
ولد فريديريك مير في 27 أكتوبر 1961 في نوشاتيل من أب سويسري وأم إيطالية. قبل تعيينه على راس المهرجان الدولي للفيلم في لوكارنو، اشتغل كناقد سينمائي، وكصحفي، ومخرج. كما كان أحد مؤسسي “الفانوس السحري”.
ساهم منذ العام 1986 وبشكل منتظم في إعداد دورات مهرجان لوكارنو حيث تقلد عدة مناصب ومسؤوليات في هيئته المديرة. كما شارك في لجنة البرامج للفترة الممتدة ما بين عامي 1997 و 2000.
أصدر بمناسبة الذكرى الخمسين لمهرجان لوكارنو كتابا بعنوان “المهرجان الدولي للفيلم في لوكارنو، التسلسل التاريخي ومحتوى 10 أعوام، ما بين 1988-1997”.
تم اختياره منذ عام 2001 كعضو في لجنة دعم الثقافة السينمائية بالمكتب الفدرالي للثقافة (قسم السينما) وهو يترأسها منذ عام 2004.
تم اختياره للإدارة الفنية للمهرجان الدولي للفيلم في لوكارنو في شهر أغسطس عام 2005 إثر إعلان المديرة السابقة إيرين بينياردي الانسحاب من منصبها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.