مهمة نظيف في تنظيف صورة الإصلاح السياسي المصري
اتفق كل من المصريين في الولايات المتحدة والمحللين السياسيين في واشنطن على أن أداء رئيس الوزراء المصري خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن كان مشرفا في حدود لباقته ونظرته الواثقة في المستقبل.
ولكن، هل نجح الدكتور أحمد نظيف في إزالة الصورة السلبية عن تلكُّـؤ النظام المصري في إدخال إصلاحات سياسية حقيقية؟
كان ملف الإصلاح السياسي في مصر أهم بند على جدول أعمال المباحثات المصرية الأمريكية أثناء زيارة رئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف إلى واشنطن، وهو ما أكده بنفسه عقب خروجه من البيت الأبيض، ولقائه بالرئيس بوش حين قال: “إن الرئيس بوش حث على أن تكون انتخابات الرئاسة القادمة في مصر حرة ونزيهة، وأن تتخذ مصر المزيد من خطوات الإصلاح السياسي لكي تقود مصر عملية التحول نحو الديمقراطية في المنطقة”.
وقد حاول الدكتور نظيف تقديم صورة أكثر بياضا للتعديل الدستوري الجديد، الذي يسمح بإجراء انتخابات رئاسية يتنافس فيها أكثر من مرشح بعد نصف قرن من الاستفتاءات على الرئيس المصري الموجود بالفعل في السلطة دون منافسة من أحد، فقال: “إن الرئيس بوش أشاد بقرار الرئيس مبارك إجراء انتخابات رئاسية تعدُّدية لأول مرة في تاريخ مصر”.
وفيما نفى رئيس الوزراء المصري أن يكون الرئيس بوش قد تطرّق أثناء الاجتماع للطلب الأمريكي الخاص بضرورة قيام مراقبين دوليين بالإشراف على تلك الانتخابات، أكد المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان أكد أن الرئيس بوش “حث مصر على المُـضي قدما في إجراء انتخابات حرة مع توفير مناخ يسمح للمرشحين بتنظيم حملات انتخابية حقيقية وبحضور مراقبين دوليين”، على حد قوله.
من جانبها، صرحت مصادر أمريكية قريبة من المباحثات بأن الجانب الأمريكي طالب بضرورة ضمان أكبر قدر من الشفافية في انتخابات الرئاسة المصرية القادمة، وضرورة تعديل شرط موافقة 65 عضوا من أعضاء مجلس الشعب على ترشيح المستقلين إلى 30 عضوا فقط لكي لا يصبح شرطا تعجيزيا.
ويبدو أن الجانب الأمريكي طالب كذلك بفتح الإعلام المصري أمام المرشحين المنافسين للرئيس مبارك، لأن الدكتور نظيف تحدّث بعد لقائه بالرئيس بوش، ولأول مرة، عن توفير المساواة بين المرشحين في الحصول على وقت محدد في وسائل الإعلام المصرية، وأعاد التأكيد على ذلك التطور في لقائه بممثلين عن الجالية المصرية في الولايات المتحدة.
نجاح في التصوير
ويرى المحللون السياسيون في واشنطن أن رئيس الوزراء المصري، المتفهم تماما لمحدودية الرغبة الأمريكية في الضغط الحقيقي على مصر لإدخال إصلاحات فعلية قد نجح في الترويج، لأن النظام المصري جادّ في سعيه للتحوُّل نحو الديمقراطية، وأنها لازمة كمطلب للشعب المصري.
وفي هذا السياق، أعرب الدكتور نظيف بذكاء عن تأييده لدعوة الرئيس بوش نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولكنه كرّر مقولة أن “مصر تتمسك بأن لكل دولة خصوصيتها وبرنامجها الديمقراطي الملائم لتلك الخصوصية، وأن مصر تستطيع بالفعل أن تنظم انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وتكون علامة مضيئة في عملية التحول نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط، وإمعانا في الترويج لنموذج ديمقراطي مصري”.
وكرر الدكتور نظيف في أكثر من تصريح أثناء زيارته لواشنطن أن التحدي الحقيقي هو أمام أحزاب المعارضة المصرية لكي تتقدم بمرشحيها، ليتمكن الناخب المصري من اختيار من يراه المرشح الأفضل بين عدة مرشحين. ونفى رئيس الوزراء المصري أن التعديل الدستوري انطوى على شروط تعجيزية وقال: “إنه لا يضع أي شروط أمام مرشحي الأحزاب القائمة بالفعل، ويضع شروطا معقولة تفي بالحد الأدني المطلوب لرئاسة أكبر دولة عربية”.
وكان من المُـلفت للنظر في كل اللقاءات التي جرت بين الدكتور أحمد نظيف والمسؤولين والمشرّعين الأمريكيين، أن أحدا لم يتطرق إلى القمع الذي يمارسه نظام الرئيس مبارك ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي يُـجمع الخبراء الأمريكيون في الشؤون المصرية على أنها أكبر جماعات المعارضة المصرية تنظيما، وأكثرها تأثيرا من حيث القواعد الشعبية لها في أنحاء مصر من الدلتا وحتى أسوان.
ولاحظ هؤلاء الخبراء أنه بينما اهتمت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بقضية اعتقال عضو مجلس الشعب المصري المعارض أيمن نور الليبرالي التوجه، إلى حد إلغاء زيارتها التي كانت مقررة لمصر وطالبت بالإفراج عنه في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، فإنه لم يصدر أي تعليق رسمي أمريكي على حملة الاعتقالات المتنامية التي قامت بها الحكومة المصرية في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الدكتور عصام العريان الذي تردّدت أنباء عن ترشيحه لخوض انتخابات الرئاسة المصرية في الخريف القادم، والذي أظهر استطلاع أجرته قناة الجزيرة أنه يتفوق على الرئيس مبارك بنسبة 3 إلى واحد كمرشح للرئاسة، مع التسليم بأنه لن يتمكن من استيفاء الشروط التي وضعها التعديل الدستوري الجديد في مصر.
وهكذا نجح الدكتور نظيف في استغلال عدم رغبة واشنطن في ممارسة ضغط حقيقي من أجل إصلاح سياسي حقيقي لتصوير الأزمة، وكأنها عدم رغبة أحزاب المعارضة في دخول حلبة السباق على الرئاسة في مصر، خاصة مع إدراك إدارة الرئيس بوش لعدم وجود معارضة فعّـالة في الأحزاب السياسية الورقية في مصر، وتشكك المسؤولين الأمريكيين في حقيقة اقتناع الإخوان المسلمين بفكرة الديمقراطية وتداول السلطة.
تقييم الجالية المصرية
كذلك، نجح رئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف في إرساء تقليد جديد، هو الحرص على الالتقاء بممثلين عن الجالية المصرية في الولايات المتحدة لشرح برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي في مصر، وخرجوا من ذلك اللقاء بانطباع طيّـب عن إخلاص الرجل في سعيه لتحسين الأوضاع الاقتصادية لعامة الشعب ورغبته في الإصلاح الحقيقي، ولكنهم أشفقوا عليه من رغبة النظام الحاكم في المُـماطلة في الإصلاح السياسي، والرغبة في استمرار حكم مبارك ليُـصبح أطول حاكم لمصر في تاريخها الطويل بعد رمسيس الثاني، ومحمد علي، وربما تمرير السلطة خلال الفترة الرئاسية الخامسة لمبارك إلى إبنه جمال باستخدام الشروط التي انطوى عليها التعديل الدستوري الذي رفضته كبرى أحزاب المعارضة المصرية.
ولتعريف أبناء الجالية بجهود حكومته لتنمية المجتمع المصري، وزّع رئيس الوزراء على ممثلي الجالية المصرية كُـتيّـبا يحتوي برنامج النقاط العشر لتنمية مصر:
أولا، تحقيق معدل أعلى للتنمية الاقتصادية عن طريق زيادة الاستثمار، وفتح آفاق جديدة للتصدير وخلق فرص عمل جديدة.
ثانيا، تعزيز الأداء الاقتصادي من خلال إعادة هيكلة القطاع المالي، وخفض الضرائب والحواجز الجمركية، وتوفير مناخ للمنافسة الاقتصادية.
ثالثا، تحرير السياسات الاقتصادية الكلية لمساندة التحول إلى نظام السوق مع تقليص الآثار السلبية على محدودي الدخل.
رابعا، بناء مجتمع المعلومات في مصر بتوفير خدمات الاتصالات بأسعار معقولة، وتعزيز برامج التدريب والتعليم لتمكين الشباب المصري من المنافسة الدولية.
خامسا، تطوير التعليم والبحث العلمي والتركيز على تطوير الجامعات وتشجيع النابغين.
سادسا، تحديث الجهاز الإداري في الحكومة المصرية وتمكينه من الاستخدام الرشيد لموارد الدولة.
سابعا، سد الفجوة القائمة بين الخدمات المقدمة لسكان الحضر، وتلك المقدمة لسكان المدن المصرية.
ثامنا، تحديث خدمات الرعاية الصحية والسيطرة على النمو السكاني.
تاسعا، تطبيق برامج الإصلاح السياسي، وتشجيع المشاركة السياسية للمواطنين المصريين، وإصلاح النظام القضائي ومساندة حقوق المرأة، وتشجيع مشاركة الشباب.
عاشرا، الاستغلال الأقصى للموارد الطبيعية في مصر مع المحافظة على البيئة.
رد الجالية المصرية ..
وكان من المفارقات أن رد الجالية المصرية في الولايات المتحدة، والذي حمل توقيعات مجموعة من المثقفين وأساتذة الجامعات المصريين الأمريكيين من تكساس وحتى فلوريدا، جاء تحت عنوان: بيان النقاط العشر من أبناء مصر في الولايات المتحدة واحتوى أيضا على عشرة مطالب:
أولا، إلغاء قانون الطوارئ وغيره من القوانين المقيّـدة لحقوق التعبير والتنظيم والاجتماعات السلمية، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وفتح الطريق أمام كل القوى السياسية الوطنية للمشاركة في العمل السياسي.
ثانيا، إطلاق حرية تشكيل الأحزاب دون وصاية من النظام الحاكم، وحق كل مواطن في الترشح والترشيح، والتخلي عن فرض شروط تعجيزية تحد من فرص المنافسة في انتخابات الرئاسة، وإضافة كل التعديلات الدستورية المطلوبة وعلى رأسها تحديد فترات الرئاسة في مصر بفترتين فقط، وتحجيم الصلاحيات المطلقة التي يكفلها الدستور الحالي لرئيس الجمهورية دون مسؤوليته أمام ممثلي الشعب.
ثالثا، إعادة فتح باب تسجيل الناخبين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، حيث أن تعديل المادة 76 جاء بعد إغلاق باب التسجيل أمام الراغبين في الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على الرئاسة، وليس الراغبين في الإدلاء بأصواتهم في انتخابات بين أكثر من مرشح، وإتاحة الفرصة لملايين المصريين – من أبناء مصر في الخارج – للمشاركة في الانتخابات بعد تسجيل أسمائهم في السفارات المصرية.
رابعا، فتح أجهزة الإعلام العامة، وخاصة الإذاعة والتليفزيون أمام المترشحين، لضمان وصول آرائهم وبرامجهم السياسية والاقتصادية للناخبين المصريين، لكي يكون انتخاب الشعب للرئيس القادم مبنيا على الاقتناع والاختيار الحر، بدلا من الاحتكار الحالي للإعلام من قبل النظام الحاكم.
خامسا، الاستجابة الفورية لمئات من القضاة الشرفاء في مصر بالإشراف الكامل على الانتخابات الرئاسية، بدءا من تنظيم جداول المرشحين، ومرورا بعَـدّ الأصوات، وانتهاء بإعلان النتائج ضمانا للمساواة والعدل بين جميع المتنافسين، مع ضمان استقلال القضاء استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية.
سادسا، السماح لمراقبين دوليين مستقلين بمراقبة عملية الانتخابات لضمان نزاهتها والحيدة الكاملة فيها، وعدم تكرار انتهاكات الماضي.
سابعا، البدء في التحضير لفترة انتقالية، يتمكّـن الشعب المصري خلالها عن طريق تنظيماته الحرة من وضع نظام سياسي تأسيسي جديد، وإتاحة الفرصة لهذه التنظيمات من خلال الممارسة الديمقراطية السليمة أن تقرر قياداتها التي تعبر بصدق وشفافية عن مصالح وآمال الشعب المصري.
ثامنا، تشكيل جهاز شرطة قضائية مستقل يتبع وزارة العدل والمحاكم المصرية، ويتلقى أوامره منها مباشرة، وليس من وزارة الداخلية، ويعينها في مهامها القانونية، بما فيها الإشراف على الانتخابات..
تاسعا: دعوة قوى الجيش والشرطة المصرية إلى عدم الانجراف نحو قمع المواطن المصري، أو التحيّـز إلى النظام الحاكم الذي يدفع الجميع ضريبته، بما فيه القوات المسلحة وقوات الشرطة، ودعوة قوى الجيش والشرطة إلى الوقوف على الحياد في المعارك السياسية، وترك السياسة للسياسيين. فالجيش والشرطة يمثلان كل المصريين بمختلف مشاربهم الدينية والفكرية والسياسية، وحيادهما هو الضامن للتغيير السياسي السلمي، دون فتن أو آثار سلبية.
عاشرا، دعوة القوى الدولية المهتمة بمصر، وبمكانتها الإقليمية المهمة، وثقلها السياسي والدبلوماسي في محيطها العربي والإسلامي، أن تتفهم حاجة الشعب المصري إلى التغيير والانتقال السلمي من الاستبداد إلى الديمقراطية، وأن تُـدرك أن مصالحها بعيدة المدى في مصر وفي المنطقة، مرهونة بحدوث التغيير والإصلاح الذي يطمح إليه اليوم كافة المصريين.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.