مي يماني: وقت الإصلاح فات!
يُحاكم ثلاثة من الإصلاحيين في السعودية منذ 9 أغسطس الماضي بتهمة "التشكيك في نهج ولي الأمر وكيان الدولة القائم على تطبيق الكتاب والسنة"، مثلما ورد في لائحة الإدعاء.
الدكتورة مي يماني، الأستاذة في المعهد الملكي للعلاقات الدولية بلندن، اعتبرت في حديث خاص أن جريمة الإصلاحيين الوحيدة أنهم “يطالبون بالإصلاح”.
“المشكلة أن إجراءات الإصلاح التي تدعو إليها العائلة المالكة لا تزيد عن خطوات “تجميلية”، صُممت خصيصاً والعين على الغرب الساخط . أما الدعوات الجادة إلى قيام إصلاح فعلي فهي مرفوضة قلباً وقالباً، وهو الأمر الذي يساهم في زيادة عزلة العائلة الحاكمة”.
هذا هو ملخص الحديث الذي خصت به سويس إنفو الدكتورة مي يماني، الأستاذة في المعهد الملكي للعلاقات الدولية بلندن، وذلك في معرض تعليقها على محاكمة الدكتور متروك الفالح والأديب عبد الله الحامد والشاعر علي الدميني، الذين طالبوا – ومعهم 116 شخصاً- بتأسيس ملكية دستورية في السعودية.
سويس إنفو: لماذا تخشى المملكة العربية السعودية من الملكية الدستورية؟
الدكتورة مي يماني: لأن العائلة المالكة لا تريد أن يشاركها أحد ٌ في السلطة.
سويس إنفو: الإجراءات الصارمة التي اتُخذت بحق الإصلاحيين الثلاثة – من اعتقالهم ومحاكمتهم – هل تعني أن العائلة المالكة في السعودية حددت السقف الأعلى لأي مطالب إصلاحية؟
الدكتورة مي يماني: المطالب الإصلاحية والخطوات التي اُتخذت ويتحدثون عنها كلها تجميلية وسطحية. على سبيل المثال، حديثهم عن الانتخابات البلدية ما هو إلا إجراء تجميلي. العملية كلها علاقات عامة موجهه إلى الغرب، كي يقال سيكون لدينا مجالس بلدية نصفها منتخب. ولكن ما الذي يعنيه هذا “النصف المنتخب”؟ ديمقراطية جزئية؟ أو إصلاح جزئي؟ انتخاب النصف لا ينفي أن القيود والضغوط ستكون متواجدة، لأن النصف الثاني سيعينه الحكام. أعود إلى سؤالك، الوضع لدينا (السعودية) شبيه بأكثر البلدان العربية، ففي السعودية هناك مجموعة صغيرة من المقربين اختارتها العائلة المالكة، وهؤلاء هم الذين يتحكمون ويقمعون باقي الشعب. وعندما سجنت السلطات في شهر مارس 13 شخصا (ممن وقعوا على عريضة الإصلاحات المطالبة بالملكية الدستورية)، طلبوا منهم أن يوقعوا ويتعهدوا بعدم المطالبة بالإصلاحات أو بالتوقيع على العرائض (…)، ووقعوا. أما الثلاثة (الدكتور متروك الفالح والأديب عبد الله الحامد والشاعر علي الدميني)، الذين لم يقبلوا أن يوقعوا، فقد ظلوا في السجن منذ شهر مارس الماضي إلى الآن، وجريمتهم الوحيدة أنهم تجرءوا وطالبوا بالإصلاح والملكية الدستورية. وحتى هذه المحاكمة استخدمتها العائلة الحاكمة (للدعاية)، فقالوا لدينا الآن جلسات مفتوحة ومحاكمة علنية، واستقدموا 60 شخصاً ممن يعملون في المخابرات وأجلسوهم بين الناس. أنا أعرف أقارب الإصلاحيين المسجونين، هؤلاء لم يجدوا مكاناً يجلسون عليه، والجو كله تغير لأن المواطنين الحاضرين أصبحوا خائفين من وجود رجال الحكومة. هؤلاء الذين طالبوا بالإصلاح اعتقلوهم بطريقة مهينة، وهم أناس محترمون ومتعلمون ومثقفون، هؤلاء هم الطبقة الوسطى المثقفة، فمن الذي بقي للعائلة المالكة؟ فلو عدنا إلى بداية أعمال العنف في البلد، كان الناس متحمسين للوقوف في صف الحكام، ويؤكدون قائلين “سنقف مع الحكام” في وجه هذه الأعمال. لكن الآن يقولون “لقد حاولنا أن نجد حلول”، فالإصلاحيون الثلاثة كانوا يحاولون المساعدة في إيقاف العنف. من إذن سيقف إلى جانب العائلة المالكة؟ لقد انعزلوا، وهذه سياسة التهميش.
سويس إنفو: إذا كانوا يرفضون الحديث عن هذا النوع من الإصلاح، فما هي نوعية الإصلاح المقبولة من قبل المؤسسة المالكة؟
الدكتورة مي يماني: هم (العائلة المالكة) يرفضون استقلالية منظمات حقوق الإنسان. وهذا ما طالب به الإصلاحيون. فما كان من السلطات إلا أن عينت هيئة لحقوق الإنسان. فما الذي حققته هذه الهيئة؟ هل حمت أحداً، هل غيرت شيئا؟ أبداً. عندما اعتقلت السلطات الإصلاحيين، لم تحرك هيئة حقوق الإنسان هذه ساكنا، كأن الأمر لا يعنيها.(…) والملفت أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زادت من ملاحقتها للناس. بطبيعة الحال هم كانوا دائما ظاهرين في البلد، لكن الحالة زادت. أخبرني بعض الناس أنه في هذا الصيف، أعطت الحكومة الهيئة سيارات أكثر، وتركتهم يدورون في البلد يبحثون عن الخطيئة، وهم في الواقع يساهمون في زيادة حيز الخطيئة في البلد. فما هو المقبول بالنسبة للعائلة المالكة؟ نحن نعرف أن المعركة للفوز بالعقول والقلوب في كل من أمريكا وبريطانيا جارية، من خلال احتفالات بالثقافة السعودية، وإبراز عدد من المثقفين الأنيقين، المتحدثين باللغة الإنجليزية، يقولون لهم “كل شئ تحت السيطرة في البلد، والإصلاحات تسير بخطى حثيثة”. ودائماً ما يستعملون العذر القائل: إن المملكة هي موطن مكة والمدينة، اللتان لهما خصوصيات مقدسة، ولذا لا نقدر أن يكون لدينا إصلاح كما هو الحال في البلدان المجاورة، لأننا دولة خاصة جداً. لكن من خلال دراستي للحجاز أثناء إعدادي لكتابي الجديد “مهد الإسلام: الحجاز والبحث عن هوية عربية”، وجدت أن مكة والمدينة خلال فترة حكم الهاشميين والعثمانيين من قبلهم، كانت الحضارة مزدهرة فيهما، وكان لديهم مجلس شورى، ومجلس شورى منتخب؛ وفي المسجد الحرام وحلقات العلم كان يجلس الزيدي وبجانبه الشافعي والمالكي، كانوا من جميع أنحاء العالم – مسلمين من وسط آسيا ومن الهند ومن مصر ومن تركيا – كلهم يجلسون في نفس المكان، يتحاورون ويتناقشون. وكان فيها أيضا (الحجاز) صحف ومدارس ومكتبات عامة. وجدتي فاطمة وجيلها الذي ولد في بداية القرن العشرين لم يكونوا يلبسون هذا الحجاب وهذا الغطاء، كانوا يغطون رأسهم بخمار، لكن لم يكن هناك حجاب. فمكة والمدينة كانتا في الأساس مجتمعاً منفتحاً على العالم، مجتمعاً مدنياً وعاصمة للمسلمين.
سويس إنفو: يوم الاثنين الموافق 23 أغسطس، أدى تجمع 400 مؤيد للإصلاحيين الثلاثة وهتافاتهم الداعية للملكية الدستورية داخل قاعة المحاكمة إلى تأجيل الجلسة. هل هذا مجرد تحرك نخبوي لأشخاص مثقفين ، أم أن مسألة الملكية الدستورية وجدت صدى حقيقي لدى الرأي العام؟
الدكتورة مي يماني: هؤلاء المثقفون الذين يطالبون بالإصلاح، يعرفون ما هي الملكية الدستورية، وما الذي يعنيه الإصلاح. لكن الشعب عامة لا يعرف مفاهيم الحرية، أو مفاهيم الدستور، لأن ثقافته لا تسمح بذلك في ظل غياب مؤسسات مدنية أو مجتمع مدني أو تعليم فعلي. وللتدليل على ذلك دعيني أقص عليك ما حدث في ندوة جرت وقائعها في أكسفورد قبل أيام. فقد حدثنا أحد الحاضرين السعوديين أن الشاب الآن في السعودية بالنسبة له أسهل عليه أن يذهب ليفجر نفسه من أجل “الجهاد”، من أن يقوم بتنظيف مدخل باب منزله. والسبب في ذلك بسيط، لأنهم (الشباب) لا يشعرون أنهم ينتمون إلى البلد. وثانياً، لأنه طريق مختصر، فلكي يعمل في اتجاه تحقيق المفهوم الكامل للديمقراطية، ليست أمامه طرق أو وسائل توصله إلى هذا الهدف. في المقابل فإن المسألة مشرفة، يضع القنبلة، ويعطوه مسدسا، ويعملوا له زفة الشهيد ويروح. بصورة أساسية لدينا أربع مخارج تعبيراً عن القمع الموجود في البلد: أولاً، فئة الأشخاص الذين يطالبون بحقوق الإنسان وبالملكية الدستورية، ويزج بهم في السجون. وثانيا، فئة الأشخاص الذين يجلسون صامتين وفي حالة لا مبالاة ساخرة، سموها في المؤتمر اختناق. هؤلاء يكتفون بالدعوة، والله يجازيهم، وخلاص هذا كفاية. الفئة الثالثة هي هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم، أو يذهبوا إلى المجاهدين. بمعني إما يهرب إلى العراق أو يروح للُخُـبـر. أما الفئة الرابعة، وهذا حزين جداً، يتركوا البلد، وهي الفئة الأكثر تعليماً وثقافة وحرفية وخبرة، تلك التي تحتاجها البلدان العربية، يتركوا البلد ويدّرسوا في أكسفورد أو السوربون … إذن، هؤلاء الذين حضروا المحاكمة تأييدا للإصلاحيين، هؤلاء هم المثقفون، وهم يمثلون كافة المناطق في المملكة، بينهم الشيعة، وفيهم من عسير ومن حجاز ومن كل المناطق. هؤلاء هم النخبة في البلد. لكن سيكون لهم صدى. فهناك هجوم مضاد من قبل الحكومة. في هذا الصيف، وعلى التلفزيون السعودي وبطريقة مسرحية للغاية، عرضوا للقاءات جمعت في كل منها بين الأمير عبد الله وقبيلة معينة، وعلى التلفزيون يقول الأمير “نحن نثق بكم وأنتم ناس طيبين، وأحنا اعطيناكم”، فيخرج واحد من هذه القبيلة ليقول “نحن شاكرين، انتم أعطيتمونا الماء والكهرباء”. والله شئ مؤلم، يعتقدون أن المشكلة انحلت، وقضية الولاء انحلت، وكل حاجة. لسوء الحظ أن الوقت أصبح متأخراً، أعتقد أن الوقت قد فات.
سويس إنفو: لكن الأمر لا يمكن أن يتواصل هكذا؟
الدكتورة مي يماني: لا. هذا الصيف مع الأسف سافرت عدة مرات، وزرت فيها أماكن، شاهدت فيها البذخ والاستهلاك المنافي للذوق السليم، يصرفون ويصرفون.. الأمراء يؤجرون اليخوت والطائرات. والطائرات تسافر إلى البلد كي تنقل حليب الناقة للأمير سلطان، وهم لا يفعلون ذلك خفية، بل يفعلونه بصورة ظاهرة وبينة ومفرطة. يشتروا في المحلات والمطاعم وفي السيارات. وأنا أقول مع الأسف أن هذا النوع من الانحطاط يأتي عادة قبل أن يسقط الناس. يعني مع الأسف، عندما سئلت عن رأيي (تجاه هذه التصرفات)، رددت عليهم بالقول أفكر في كل محمد وعبد الرحمن من الشباب، الذين على الإنترنت يلعنون، ويقولون هذه أموالنا أنتم تسرقوننا. لأنه طبعا،ً مفهوم الثروة في الإسلام، أن كل الثروة مملوكة لله، وأن الشخص هو مؤتمن على الثروة، فعندما يرى (الشباب) هذا، وخاصة في هذه الفترة الذي لازال يواجه فيه الشعب البطالة وعدم الاستقرار!.. هناك عامل مهم جدا هنا وهو سعر البترول، فقد انتعش سعر البترول منذ بداية الحرب على العراق إلى الآن، لكن المسألة مؤقتة للغاية، فمع الأسف يعتمد الاستقرار كثيرا في البلد، وبقاء هؤلاء الحكام على سعر البترول، وعلى العراق، لأن الأمريكيين يفعلون كل ما يستطيعونه لحماية العائلة المالكة في السعودية.
سويس إنفو: هل تعني الإجراءات الحالية، من قبضة جديدة تجاه التيارات المتطرفة، ورفض لأي حديث عن ملكية دستورية، أن الحديث عن انقسام العائلة المالكة إلى جناحين قد انتهى؟
لا. العائلة المالكة لازالت منفصلة، وكما ترين لازال الملك مريض وكبير، لكن لازال إخوانه السديريون محتاجين له، وهم محافظين عليه. كما لازال الأمير عبد الله يفتقر إلى السلطة مع أنه مفروض أنه الحاكم الفعلي، ويفتقر إلى السلطة الكافية لإطلاق سراح الإصلاحيين المعتقلين، أو إلى البدء في برنامج إصلاحي فاعل. لدينا إذن هذا الإصلاحي ومجموعته (الأمير عبد الله)، وفي المقابل طبعاً الأمير نايف، وهذا الانقسام خطير، لأنه خطر عليهم. هذا الانقسام تجدينه في الحرس الوطني التابع للأمير عبد الله، والقوات الأمنية التابعة للأمير نايف. وكل واحد (أمير) يعين ولده المفضل. الملك فهد لديه إبنه المفضل عبد العزيز، و(الأمير) نايف لديه ولده المفضل النائب، والأمير عبد الله لديه متعب. هذا خطر أخر، الانقسام داخل العائلة المالكة. لدينا عنف في البلد، وهم لا يظهرون كجبهة موحدة في التعامل معها، أو في العثور على حلول سياسية للمشكلة، بما يعنيه ذلك من إصلاح فعلي وتنظيف للمنزل. كما أن الانقسام ليس فقط في العائلة المالكة ولكن أيضا في المؤسسة الدينية.
أجرت الحوار إلهام مانع – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.