مُدن يورو 2008: جنيف .. سويسرية لكن إيقاعها دولي
جنيف.. "مدينة كالفان" أو"المدينة التي تحد البحيرة"، هذه المنطقة السويسرية التي تمثل امتدادا جغرافيا للأراضي الفرنسية، هي أرض المتناقضات وهي أكثر المدن السويسرية حضورا على الساحة الدولية من دون منازع.
ويستعيد الفنان الفكاهي السويسري إيميل شتاينبرغر ذكريات الخمسينات والستينات عندما حانت ساعة التجنيد، وكان أبواه خائفين من ذهابه إلى جنيف، حيث كان يطلَـق عليها آنذاك “مدينة الخطيئة”، وكانت حياتها الليلية مخيفة وسمعتها سيئة في سويسرا الناطقة بالألمانية، لكن لم يحدث مكروه للمُجند إيميل في جنيف!
ومهما يُـقال اليوم عن جنيف “مدينة الأبالسة” أم “مدينة القديس كالفان”، في الحالتين، كل ذلك أصبح جزء من التاريخ، واليوم جنيف مدينة سويسرية، وإن تميزت بإيقاعها الخاص.
المدينة العالمية …
بالنسبة لستيف لي، مغني الروك بمجموعة “غوتهارد”، جنيف “مدينة تنافس زيورج في تعدد الأعراق، وهي منخرطة بقوة في الدفاع عن القضايا الإنسانية”، ويشير ستيف على وجه الخصوص إلى “اتفاقيات جنيف الأربعة”.
وتتمتع جنيف بوضع خاص، إذ توجد فيها مقار 22 منظمة دولية، بما في ذلك المقر الأوروبي للأمم المتحدة و180 منظمة غير حكومية و150 بعثة دولية.. فضلا عن مجموعة كبيرة من الشخصيات الدولية. ويمثل المقيمون الأجانب في المدينة 45% من عدد السكان، ويتوزعون على 180 جنسية مختلفة.
ويقول عن جاك إينار، مدير متحف تاريخ الأجناس بالمدينة منذ سنتيْن: “ألتقي باستمرار دبلوماسيين غادروا برن للاستقرار بجنيف حيث يشعرون أن الواقع متحرك أكثر، وأن فرص التبادل وربط العلاقات أهم بسبب وجود المنظمات الدولية”.
ويحاول إيميل شتاينبرغر المقارنة بين جنيف وبرن، العاصمة الفدرالية، فيقول مازحا: “أرى أن جنيف مدينة مهمة، ويساهم الموظفون الدوليون في تشكيل صورتها، وهؤلاء يختلفون عن الموظفين المقيمين في برن، فمن الواضح أنهم يملكون أموالا طائلة ونسبة النساء الأنيقات في جنيف أكثر منهُـن في برن”.
وبالفعل، فهناك تدفق كبير للأموال في بعض الأحياء الثرية في جنيف، والأمر الذي يثير استغراب شاسبير بولت من الرومانش، هو أن الانفتاح الذي تشتهر به جنيف اليوم كان مرجعه في الأصل شيء آخر: “مدينة منفتحة، عالمية منذ قرون عدة، وعندما نتذكر الاستقبال الذي وجده اللاجؤون الهوغونوت وما يحصل اليوم، يبدو لي النقيض تماما، فالمقبلون على جنيف اليوم أثرياء وأثرياء جدا استعمروا جزء من ضواحي البحيرة ومن المدينة نفسها، وبالرغم من ذلك، أظل فخورا لوجود مدينة دولية، مثل جنيف في سويسرا”.
…والسويسرية أيضا!
“الخصوصية” التي تميز جنيف تجعل عددا من السويسريين الذين لديهم صورة نمطية عن العقلية السويسرية، يرون أن هذه المدينة لا يكاد يربطها رابط بسويسرا، وفي بعض الأوساط، من الصعب تصور توافق بين “الهوية الوطنية” و”التغيير”.
وهذا الشعور من دون شك أقل حضورا في جنوب البلاد مقارنة بشمالها، ولكن بالنسبة لشاسبير بولت: “هذا غير صحيح، لقد نظّمت دروسا للغة الرومانشية في جنيف، ويكفي تدريس تلك اللغة كدليل على اعتناء جنيف بالقيم الثقافية السويسرية”.
وإذا كان “الروشتيغرابن” (الحدود اللغوية والثقافية بين المناطق الألمانية والفرنسية في سويسرا)، حقيقة لاشك فيها، خاصة في الموسيقي، مجال اهتمام ستيف لي، فإن التيتشينو (المنطقة السويسرية الناطقة بالإيطالية)، تبدو ميّالة إلى المنطقة الروماندية وإلى جنيف خاصة، هذا على الرغم من أن أعدادا أكثر من سكان تلك المنطقة يفضلون اليوم النزوح إلى سويسرا الألمانية.
ولجاك إينار تفسير للتفاوت الملاحظ بين سويسرا وجنيف، ولابد من وجهة نظره “الاعتراف بحقيقة أن جنيف مدينة فخورة جدا بما هي عليه، وترغب دائما في أن يكون لها دور دولي دون الرجوع بالضرورة إلى السياسات السويسرية. وجنيف بهذا المعنى وفي بعض الأذهان كيان وفضاء له ما يميّزه، وإضافة طبعا للميزة الأخرى، وهي الثقافة التي تريد أن تكون في نفس الوقت محلية ودولية”.
مدينة ذات أبعاد متعددة
بغضّ النظر عن كل ما يقال، تبقى جنيف مدينة سويسرية، والدلائل على ذلك كثيرة: فالمدينة تقع بين بحيرة ليمان وجبال ساليف والجورا، وهي مهد صناعة الساعات السويسرية، وتنشأ فيها البنوك بسرعة، كما يباع فيها جوز الهند أيضا!
ولكن جنيف تتشكل في الحقيقة من أحياء شديدة التباين: من ناحية الأحياء القديمة بأناقتها والبنايات الضخمة للجناح الدولي و”ساحة الأمم”، والمركز الأوروبي للبحوث النووية CERN الذي يقع على الضواحي. ومن ناحية أخرى، لوحات جميلة، كمرسى السفن على البحيرة وعمود المياه المتصاعد في السماء. وفي المقابل، الفوضى وقصص العنف من حي “باكي”، وصعودا إلى محطة القطارات “كورنافان”.
ويشير شاسبير بولت إلى أن “التواجد الكبير للأفارقة والآسيويين في جنيف لا يعطي الانطباع بأننا فعلا في سويسرا، وأما محطة القطارات “كورنافان”، ومطار “كوانتران”، فبالإمكان وجودهما في أي مكان آخر في هذا الكون الفسيح”.
ثم أليست جنيف في النهاية، بمظاهرها المتعددة، ببساطة سوى صورة من عالم اليوم، وضمنه سويسرا، بتبايناته وتعدده؟
سويس انفو – برنار ليشو (بالتعاون مع لويجي جوريو ومارك أندري ميزري)
(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
تقع جنيف، المدينة الناطقة بالفرنسية، على الحدود الشرقية لبحيرة ليمان (تسمى كذلك بحيرة جنيف)، وهي تشكل تقريبا جيبا في فرنسا. فكانتون جنيف الذي تبلغ مساحته 282 كلم2، يتقاسم مع فرنسا حدودا يبلغ طولها 103 كلم، ومع سويسرا 4.5 كلم فقط.
ويبلغ حاليا عدد سكان المدينة 185.000 ساكنا، في حين يصل عدد سكان الكانتون إلى حوالي 445.000 نسمة.
وتغطي مدينة جنيف وضواحيها (جنيف وضواحيها التسعة) غالبية مساحة الكانتون.
وتشتهر المدينة بالنافورة المتصاعدة على أطراف البحيرة: نصف متر مكعب من الماء في الثانية، يرسل إلى علو يبلغ 140 مترا وتبلغ سرعة خروج الماء عند المنبع إلى 200 كلم في الساعة.
افتتح “ملعب جنيف”، مقر نادي FC Servette سنة 2003، ويوجد الملعب بمنطقة la Praille ، ويستوعب 30.000 متفرج.
يستقبل الملعب ثلاث مُـباريات خلال الدور الأول من المرحلة النهائية من بطولة الأمم الأوروبية 2008:
البرتغال ضد تركيا (السبت 7 يونيو 2008 على الساعة 20:45)
التشيك ضد البرتغال (الأربعاء 11 يونيو 2008، على الساعة 18:00)
تركيا ضد التشيك (الأحد 15 يونيو 2008، على الساعة 20:45)
وسيتم تخصيص “فضاء رسمي للمشجعين” (يستوعب 80.000 شخص) على ساحة “بلان بالي” Plainpalais في وسط المدينة، في حين تفتتح للغرض نفسه “قرية خاصة للمشجعين” في المركب الرياضي بو- دو- موند Bout-du-Monde ويستوعب حوالي 20.000 شخص.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.