مُعضلةُ “المشروبات الكحولية الشبابية”!
في عام 1900، كان يستهلك السويسريون 23 لترا من الكحول الصافي للفرد الواحد سنويا. وبعد مرور قرن، باتوا يكتفون بـ9,1 لتر.
قد تكون هذه بُشرى للمعهد السويسري للوقاية من الادمان على الكُحول والمُخدرات الذي يحتفل بالذكرى المائة على إنشاءه. لكن إذا انخفض استهلاك الكحول في البلاد عموما فانه ارتفع بشكل مُرعب في أوساط الشباب.
بمناسبة الاحتفاء بالذِّكرى المائة على تأسيسه، وجَّه المعهدُ السويسري للوقاية من الادمان على الكحول والمخدرات الدعوة لخبراء من جميع أنحاء العالم لإثراء لقاء دولي عقد يومي 28 و29 في العاصمة برن حول خطورة الاستهلاك المُفرط للكحول خاصة في أوساط الشباب.
وان كان استهلاك المشروبات الكحولية الصافية قد انخفض بشكل ملموس في سويسرا عموما خلال المائة سنة الماضية، فان المُبالغة في تناول الكحول تظل اليوم مشكلة عويصة تؤرق المسؤولين عن الصحة العمومية في الكنفدرالية والمنظمات غير الحكومية النشيطة في مجال الوقاية من الإدمان على الكحول وأنواع أخرى من المخدرات.
ولا يمكن الحديث عن محنة الإفراط في تعاطي الكحول دون إثارة النفقات الصحية والاجتماعية المُتزايدة المُترتبة عن هذه الظاهرة والتي باتت تُقدر بـ2,5 مليار فرنك سنويا حسب معطيات المعهد السويسري للوقاية من الكحول والمخدرات.
الشباب والميول المُبكر إلى السُّكر
الإفراط في تناول الكحول في أوساط الشباب تصدر انشغالات الخبراء الدوليين الذين تجمعوا في برن. ولعل الوقت قد حان بالفعل للالتفات بجد لهذه المعضلة خاصة إذا علمنا أن 80% من الأحداث الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 عاما يستهلكون الكحول أو سبق لهم تناول مشروبات كحولية وأن 60% منهم قد جربوا بعدُ حالة السُّكر.
هذه الأرقام المُخيفة دفعت الخبراء إلى إدانة تسويق “المشروبات الكحولية الشبابية” المعروفة بـ(Alcopops) وهي عبارة عن أنواع مختلفة من الصودا أو عصير الفواكه يتم مزجها بالكحول. ويرى الخبراء أن هذا النوع من المشروبات يتسببُ في فتح باب تذوق الكحول مُبكرا أمام الأحداث عن طريق التغطية على طعم الكحول بمذاق السُّكر.
ويعتقد المُتخصصون في الوقاية من الإدمان على الكحول أن صانعي المشروبات الكحولية الشبابية قد “سجلوا هدفا في مرماهم” عندما اخترعوا هذا النوع من المشروبات حيث أثبتوا بوضوح أنهم يستهدفون فئة المُراهقين من أجل تعويدهم على الكحول، في حين يقترحون المشاركة في برامج الوقاية من الإدمان على الكحول.
القاء الكرة في ملعب السياسيين
عند ظهوره، لم يكن مزيج الصودا أو عصائر الفواكه بالكحول يُعتبر من المشروبات المُقطَّرة وأفلت بالتالي من أية رُسوم. لكن سرعان ما عرف هذا المزيج إقبالا ونجاحا كبيرين ثم بدأت تتضح تدريجيا تأثيراته السلبية على مُتناوليه وكانت النتيجة إخضاع المشروبات الكحولية الشبابية لدراسة قانونية.
ويوضح رئيس الوكالة الفدرالية للكحول لُوسيان ايرار أن هذه الخطوة كان لها تأثير مهول على الأسعار حيث ارتفع ثمن قنينات المشروبات الكحولية الشبابية التي تبلغ سعتها 3 “دِسي لتر” بثلاث فرنكات للقنينة الواحدة، مما دفع شركة تصنيع هذا المشروب إلى سحب سلعتها من السوق. لكن بعد اعتماد ضريبة مُوحدة على كافة المشروبات الكحولية، انخفضت الرسوم بـ50 سنتيما للقنينة الواحدة لتنتعش هذه السوق مُجددا في سويسرا.
ويأمل السيد ايرار أن يتم فرض رسوم مُرتفعة على المشروبات الكحولية الشبابية في سويسرا كما هو الحال في فرنسا على سبيل المثال، حيث مازال معظم الأحداث يجهل المَفاتن المُضللة لهذا النوع من المشروبات. وتتم حاليا مناقشة مشروع لتحقيق هذا الهدف سيُطرح قريبا على غرفتي البرلمان الفدرالي. ويقترح المشروع رفع الرسوم المفروضة على تناول المشروبات الكحولية الشبابية بفرنك وخمسين سنتيما إضافية. وبذلك ستوضعُ الكرة في ملعب السياسيين.
عولمةُ مكافحة الظاهرة قد تكون الحل
لكن السيد هولغر شميد، المسؤول في المعهد السويسري للوقاية من الادمان على الكحول والمخدرات، يثير الانتباه إلى نقطة مهمة ومُقلقة حينما يُذكِّر أن الشبان الذين يرغبون في تناول الكحول إلى درجة السكر لا يختارُون المشروبات الشبابية بل يُفضلون الكحوليات القوية.
ويضيف السيد شميد الذي شارك في إنجاز دراسة دولية حول تأثير السُّكْر على الشباب أن الأنواع الجديدة من الجعة أو “البيرة” التي تحتوي على ضعف نسبة الكحول المعتادة تلقى أيضا إقبالا شديدا لديهم. ويشير السيد شميد في هذا السياق إلى أنه يُُلحَظُُ في كل البلدان بحثٌ متزايدٌ عن حالة السُّكر لدى المُراهقين والى ضرورة التساؤل عن أسباب انتشار هذه الظاهرة.
وحسب تحليل السيد شميد، أصبحت هنالك “عولمة” لأسلوب الشرب والتسلية لدى فئة الأحداث (15 عاما) التي خضعت لهذه الدراسة. فهم “يتناولون نفس المشروبات ويدخنون نفس السجائر ويستمعون لنفس الموسيقى ويشاهدون نفس الأفلام”. ويستنتج مدير الوكالة الفدرالية للكحول أن هؤلاء الشبان يتبعون النماذج التي تُروج لها الأفلام السينمائية والقنوات التلفزيونية الدولية. ولا يستثني السيد شميد من هذه الحَلقة المسؤولين عن الإعلان والدعاية الذين لم يعودوا يُسوقون مُنتجات وإنما “أساليب حياة وأنماط معيشية يعتقد الأحداث أنهم سيحصلون بفضلها على اعتراف وإعجاب رفاقهم.”
وأمام عولمة تسويق المشروبات الكحولية، يعتقد السيد شميد أنه يجب أيضا عولمة مكافحة هذه الظاهرة وتنسيق جهود كافة الدول التي تعاني منها.
اصلاح بخات – سويس انفو وصحيفة “Le Temps”
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.