ناجون من المحرقة يروون كيف بدأوا فصلا جديدا من حياتهم في إسرائيل
احتفظ نفتالي فورست وهو أحد الناجين من معسكر أوشفيتز لسنوات بقصته لنفسه لكن نجاة حفيدته من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، جعلته مصرا على الإدلاء بشهادته.
ويحذر فورست (92 عاما) من أنه “إذا نسينا ماضينا وتاريخنا فإننا نعرض أنفسنا لخطر تكراره”.
وبعد ثمانين عاما على تحرير الجيش الأحمر السوفياتي لمعسكر الإبادة أوشفيتز-بيركيناو في 27 كانون الثاني/يناير 1945، تواصلت وكالة فرانس برس مع عدد من الناجين من المخرقة الذين أعادوا بناء حياتهم في إسرائيل.
كان الكثير من الناجين شهودا على المجزرة التي ارتكبت في بولندا حيث قتل مليون من أصل ستة ملايين يهودي ضحايا المحرقة والتي أصبحت رمزا للإبادة التي نفذتها ألمانيا النازية.
– نفتالي فورست مولود في سلوفاكيا عام 1932 –
عندما أرسل فورست إلى أوشفيتز كان في العاشرة من عمره، حصل ذلك في تشرين الثاني/نوفمبر 1944. اعتقل مع والديه وتم ترقيمه بوشم دق على ذراعه.
مع اقتراب القوات السوفياتية، أجبر النازيون السجناء الباقين على السير في “مسيرة الموت” وسط الثلوج باتجاه ألمانيا والنمسا.
ويصف فورست تلك الأسابيع بأنها “أسوأ أيام حياته”.
ويقول إنه وشقيقه شاهدا “الكثير من الناس يموتون أو ينهارون على جانب الطريق، تم قتل من لم يستطيعوا اللحاق بالركب”.
ويضيف “عندما كنا نوشك على الانهيار، كنا نشجع بعضنا البعض ونرغم أنفسنا على الاستمرار والبقاء مع المجموعة لتجنب القتل”.
عندما وصلوا إلى معسكر الاعتقال في بوخنفالد في ألمانيا، أنقذهم عضو في المقاومة الشيوعية التشيكية يدعى أنطونين كالينا من الموت، وتم تكريمه لاحقا من قبل إسرائيل باعتباره “صديق بين الأمم” لإنقاذه مئات الأطفال اليهود.
كان فورست في الثانية عشرة من عمره عندما حرر الجنود الأميركيون المعسكر، ويمكن رؤيته في إحدى أشهر الصور المنتشرة حول المحرقة ممدا على لوح في ثكنة عسكرية مع ناجين آخرين من بينهم إيلي فيزيل الذي فاز لاحقا بجائرة نوبل للسلام.
اليوم، يقود فورست مجموعة من السجناء السابقين في بوخنفالد ويقول لفرانس برس إنه ينوي التحدث عما حدث طالما يستطيع “حتى لا ينسى الناس ما حدث”.
ويضيف “الكثير ممن عاشوا الفظائع ماتوا، من مسؤوليتي أن أدلي بشهادتي وأخشى بعد 50 أو 100 عام أن تصبح المحرقة مجرد صفحة في التاريخ وننسى مدى فظاعتها”.
لفورست ابنة وأربعة أحفاد وثلاثة من أبناء الأحفاد.
إبان هجوم حماس على جنوب إسرائيل في العام 2023، كان فورست في منزله في حيفا (شمال)، فيما كانت حفيدته ميكا وعائلتها يعيشون في تجمع كفار عزة ولم يتمكن من التواصل معهم عبر الهاتف.
يومها، اختبأت ميكا وزوجها وابنهم البالغ من العمر سنتين لأكثر من 12 ساعة في قبو منزلهم.
ولقي ما لا يقل من 62 شخصا من جيرانهم حتفهم بينهم والدا زوجها اللذين تم حرقهما في منزلهم، فيما اقتيد 19 منهم كرهائن.
ويقول فورست “حفيدتي وعائلتها ناجون مثلي”، لكنه لا يقارن الهجوم بالمحرقة.
ويوضح “إنه أمر فظيع، لا يمكن تصوره، مؤلم ولا يجب أن يحدث، لكنه ليس المحرقة”. ويخشى الرجل التسعيني أن “تتكرر مثل هذه الفظائع”.
– ميريام بوليه المولودة في هولندا عام 1917 –
تقول بوليه إن لديها الكثير لتقوله لكنها تؤكد “لم أفعل شيئا مميزا” لكنها كانت سكرتيرة في مجلس يهود امستردام خلال الحرب وهو مجلس أنشأه النازيون للسيطرة على الجالية اليهودية بعد الغزو.
كانت بوليه تعرف كل شي عن اعتقال اليهود الهولنديين.
في العام 1943، انتهى المطاف بالشابة ذات ال 26 عاما، في معسكر برغن-بلسن في ألمانيا.
وتقول “كانوا يريدون تجويعنا، كانوا يريدون لنا الموت.”
تم تحرير بوليه وعائلتها وآخرين “بمعجزة” في تموز/يوليو 1944، خلال تبادل مع أسرى حرب ألمان في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني.
وسافرت عبر أوروبا بالقطار إلى “أرض إسرائيل” حيث عاشت منذ ذلك الوقت.
والتئم شملها هناك مع خطيبها ليو الذي هاجر قبل الحرب وتزوجا في العام 1944 وأنجبا ثلاثة أبناء لكنهم توفوا جميعهم وهم صغار، اثنان منهم قتلا خلال الخدمة العسكرية.
أثناء وجودها في المعسكرات، كتبت ميريام رسائل لخطيبها لكنها لم ترسلها، لكنها نشرت في العام 2014 بعنوان “رسائل لم ترسل”.
وتضمنت الرسائل لمحة بسيطة عن حياة اليهود في أمستردام تحت الاحتلال النازي وتمت ترجمتها إلى سبع لغات.
وتشير بوليه التي لم تفقد أناقتها رغم بلوغها 107 سنوات “كنت أرغب بأن أروي ما حدث حتى لا يُنسى”.
وتبدو بوليه قلقة من تصاعد معاداة السامية في أوروبا.
وتقول “أنا سعيدة لكوني في إسرائيل لأنها المكان الأكثر أمنا لنا حتى مع المشاكل الحالية”.
– دان هاداني المولود في بولندا عام 1924 –
يقول داني هاداني إن العمل سمح له بالصمو د والنجاة من أوشفيتز. ويوضح “للهروب من الكوابيس وفي محاولة للنسيان، كنت أعمل ليلا نهارا، لم أتوقف أبدا، كنت متعبا جدا لدرجة عندما أنام لم أكن أحلم أبدا”.
ولد هاداني (100 عام) في بولندا، وتوفي والده في معسكر لودج قبل أن يتم إرسال عائلته إلى معسكر الموت في العام 1944.
قتلت والدته فور وصولهم أما شقيقته فقتلت عندما قام النازيون بتصفية معسكر النساء مع اقتراب الجيش الأحمر.
مكث هاداني في أحد مصانع المعسكر ونجا من “مسيرات الموت” وتم تحريره من معسكر فوبلين في ألمانيا على يد جنود أميركيين.
وعندما عاد إلى بولندا، علم بمقتل بقية أفراد عائلته، فانتقل إلى إيطاليا قبل أن يهاجر إلى إسرائيل بعد إعلان قيامها في حزيران/يونيو 1948.
أسس هاداني حياته من الصفر وأصبح ضابطا في البحرية قبل أن يطلق وكالة صور صحافية قدمت مليوني صورة تروي قصة الدولة الناشئة وحفظت في مكتبتها الوطنية.
ولا يزال هاداني ذو القامة الصغيرة واللحية المشذبة، يتمتع بطاقة كبيرة ويستعرض بفخر رخصة القيادة التي تم تجديدها قبل عيد ميلاده المئة وقبل أن يصطحب فريق فرانس برس إلى منزله في غيفعاتايم في وسط إسرائيل.
هاداني الذي ولد في دونيك زلوشيفسكي وهو أب لولدين ولديه حفيدان، مقتنع أن شهادة الآلاف من الناجين مثله ستساعد في ضمان عدم محو المحرقة من التاريخ.
لكنه قلق على مستقبل إسرائيل خصوصا بعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
ويعتبر هاداني شديد الانتقاد لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وحذر من أن المحرقة “قد تحدث مرة أخرى”.
–
المولود في ألمانيا عام 1928 –
عند سؤاله عما حدث لعائلته خلال الحرب، يسترسل فاسيرتهيل (96 عاما) في صمت طويل ويقول “أنا لست كثير الكلام”.
وكان فاسيرتهيل هجر من منزله في عمر التسع سنوات، في العام 1937.
ونجا من سلسلة من المعسكرات هي ماركشتات، وفونفتيشن، وغروس روزن، وبوخنفالد، وداوتمرغن من خلال التظاهر بأنه أكبر سنا، قبل أن يتم تحريره من آلاك وهو معسكر فرعي تابع لمعسكر دخاو بالقرب من ميونيخ في العام 1945.
التقى فاسيرتهيل بهاداني في مخيم للاجئين في إيطاليا قبل أن ينضما سويا إلى البحرية الإسرائيلية، لكنه على عكس صديقه يفضل عدم التحدث علنا عما حصل.
ويقول الأب لأربعة وله ثلاثة أحفاد “مع تقدم العمر، أدركت أنه يجب أن أتكلم”.
ويضيف لفرانس برس “في المعسكرات، كنت أفكر في شيء واحد فقط، الطعام والبحث عن شيء للأكل”.
ويؤكد ان الأهم بالنسبة له هو ” اني نقلت قصتي وقصة والديّ إلى أبنائي”.
ويصطحب فاسيرتهيل بناته بانتظام إلى بلدة كوزونو في جنوب بولندا من حيث تتحدر عائلته وهي غير بعيدة عن أوشفيتز.
وقبل عامين، افتتحت المدينة حديقة لسكانها اليهود الذين فقدوا واسموها “إستر” وهو اسم والدة فاسيرتهيل.
وبالنسبة له فإن هذه الحديقة بمثابة القبر الذي لم تحظ به والدته خصوصا أنه لا يعرف أين ومتى تم قتلها في أوشفيتز.
ورغم فقدان جميع أفراد عائلته وسكنه في منطقة في شمال إسرائيل كانت مرمى لنيران حزب الله في الأشهر الأخيرة، يصر فاسيرتهيل على أنه يشعر بسلام داخلي.
وتزامن هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر مع مراسم تشييع زوجته، وبعد عام أصاب صاروخا أطلقه حزب الله من لبنان مبنى مجاور مما اضطره للجوء إلى أحد الملاجئ.
ويقول “حياتي ستنتهي قريبا”.
ويتابع “لا أستطيع أن أفعل شيئا لتغيير الأمور، لكن أولادي بصحة جيدة، هم بخير بدوني ويمكنني التأقلم بدونهم، لهذا السبب أنا متفائل”.
– إيفا ايربن المولودة في 1930 في تشيكوسلوفاكيا –
نشأت إيفا إيربن في عائلة يهودية ميسورة بالقرب من براغ، وكانت في الحادية عشرة من عمرها عندما تم إرسالها وعائلتها إلى معسكر تيريزينشتات في العام 1941، وهو “المعسكر النموذجي” الذي استخدمته النازية كدعاية لها لتقول إن اليهود كانوا يعاملون بشكل جيد.
كانت إيربن واحدة من مجموعة الأطفال الذين غنوا أوبرا “برونديبار” هناك، والتي تم عرضها أثناء زيارة للصليب الأحمر إلى المعسكر في العام 1944.
وعندما عرضت عليها فرانس برس فيلما لأحد عروضهم، غنت إيربن ومن ثم أشارت إلى أن جميع الأطفال وطاقم التصوير تم إرسالهم إلى أوشفيتز بعد ذلك.
نجت إيربن (94 عامًا) من معسكر الإبادة، أما والدتها فتوفيت أثناء “مسيرة الموت”.
وتركت الأم ابنتها إيربن التي كانت نائمة خلفها في كومة قش قبل أن ينقذها عدد من الألمان.
وتقول “لم يكونوا جميعهم قتلة” وتشير إلى بعض التشيكيين الذين أخفوها حتى نهاية الحرب.
وإيربن أم لثلاثة ألاود ولديها تسعة أحفاد.
تستعرض إيربن بفخر صورة لها مع أولادها وأحفادها في منزلها الجميل في مدينة عسقلان في جنوب إسرائيل.
وتوضح “لم نتجاهل المحرقة، لقد عشناها والآن حان وقت الحياة، الأطفال، الغناء، ممارسة الرياضة، السفر، حياة طبيعية مليئة بالأمل والعيش الجيد”.
وبالنسبة لها فإن “المحرقة كانت (تلاحقنا) كما الظل في حياتنا، نعم، لكن تجاوزناها”.
ويتم استعراض قصة إيربن في كتاب عن المحرقة موجه للأطفال في المدارس وقد تمت ترجمته إلى عدة لغات، كما ظهرت الممرضة السابقة في أفلام ووثائقيات.
اليوم وبعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وإثر عودتها من رحلة في ألمانيا قدمت خلالها محاضرات، تقول إيربن إن الأولوية الآن تتمثل في “الدفاع عن إسرائيل”.
ورغم دوي صافرات أكثر من 600 إنذار في عسقلان القريبة من قطاع غزة منذ بداية الحرب، إلا أن إيربن رفضت النزول إلى الملجأ.
وتقول ضاحكة “إذا لم ينجح هتلر في قتلي، فلن ينجحوا هم أيضا”.
لكنها قلقة “ومحبطة من الطريقة التي يُنظر بها إلى إسرائيل اليوم في العالم”.
وتقول “من الجيد أن نأتي بالزهور لتكريم (ضحايا المحرقة)، لكننا تجاوزنا المحرقة، وأعدنا بناء حياتنا وأنجبنا أطفالا”.
والمهم بالنسبة لها اليوم “أن تحظى إسرائيل بالاحترام وتكون مقبولة”.
ميب/ها/غ ر