نحو إدماج ليبيا في المسار المتوسطي..
كثف المسؤولون في الإتحاد الأوروبي خلال الأشهر الأخيرة زياراتهم إلى ليبيا أملاً في تسريع خطى إدماج طرابلس في المسار الأورو- متوسطي، الذي انطلق من برشلونة في نوفمبر 1995.
المحادثات بين الجانبين حققت “تقدماً مهماً” على حد تعبير شخصيات أوروبية مطلعة، ولكن ملف الهجرة غير المشروعة يظل “النقطة السوداء الرئيسية”…
عبر مارك بييريني، سفير الإتحاد الأوروبي لدى ليبيا والمقيم في تونس، عن الأمل بأن تُـتوج الاتصالات الحالية بين الجانبين بفتح مفاوضات لضم ليبيا رسميا إلى المسار الأورو – متوسطي قبل القمة المزمع عقدها في الذكرى العاشرة للندوة التأسيسية يومي 25 و26 نوفمبر المقبل في برشلونة.
وقال بييريني، في حديث خص به سويس انفو في تونس العاصمة، إن المحادثات التي أجراها وفد رفيع المستوى من المفوضية الأوروبية، ضم اثنين من كبار مساعدي رئيسها مانويل باروزو مؤخرا في طرابلس، “حققت تقدما مُهما في تعبيد الطريق لكي تلحق ليبيا بالبلدان المغاربية الأخرى المشاركة في مسار برشلونة”، على حد تعبيره.
وتكتم بييريني على نقاط الخلاف، التي مازالت تعرقل الوصول إلى اتفاق في هذا الشأن، إلا أن مصادر مطّـلعة أكّـدت أن ملف الهجرة غير المشروعة هو “النقطة السوداء الرئيسية في المفاوضات الليبية – الأوروبية”، خصوصا بعدما تكثفت في الفترة الأخيرة موجة السفن التي تصل إلى جزر الجنوب الإيطالي محمّلة بالمهاجرين الأفارقة والمغاربيين وحتى الآسيويين انطلاقا من موانئ ليبية.
ليبيا تطلب “ثمناً باهظاً”
وقالت تلك المصادر إن مفوض الأمن والعدل في الإتحاد الأوروبي جان فرانكو فيني وجد صعوبات جمّة خلال زيارته إلى ليبيا الشهر الماضي، والتي رافقه فيها السفير
بييريني، في إقناع السلطات الليبية باتخاذ مزيد من الإجراءات الحازمة لفرض رقابة مشدّدة على سواحلها الغربية، لمنع انطلاق مهاجرين غير شرعيين منها.
كان فيني، الذي هو وزير خارجية إيطاليا السابق، قد تفاوض في هذا الملف مع المسؤولين في طرابلس عندما كان يقود دبلوماسية بلده،. إلا أن مقربين منه أسروا لسويس أنفو بأنه من العسير إقناع الليبيين بالسيطرة على الهجرة غير المشروعة، “لكونهم يطلبون ثمنا باهظا مقابل قيامهم بهذا الدور، في مقدمته حصولهم على خافرات سواحل، ومعدات متطورة للمراقبة، إضافة لمساعدات مالية”.
مع ذلك، بدا الأوروبيون متفائلين بأن مسار العلاقات التي كانت مفقودة أصلا بين الإتحاد وليبيا، ستتطور في المرحلة المقبلة. ولم يستبعد السفير بييريني إمكانية فتح سفارة للإتحاد في ليبيا في الأمد المتوسط، وتعيين سفير مقيم في طرابلس، بدلا من أن يكون مقيما في تونس، لكنه رفض تحديد تاريخ لاستكمال الخطوتين.
والثابت، أن العامل الحاسم في التطور الذي أبصرته العلاقات الثنائية في الفترة الأخيرة، هو تغيير موقف الحكومات الأوروبية الرئيسية، أي لندن وباريس وبرلين من نظام الحكم في ليبيا، بعدما كانت روما العاصمة الوحيدة الداعية للتطبيع مع طرابلس لأسباب تاريخية معروفة.
تحول جوهري في الموقف الليبي من الشراكة
وبعد قطيعة استمرت عشرة أعوام على خلفية أزمتي تفجير طائرة “بان أميركان” فوق قرية “لوكربي” في اسكتلنده وطائرة “الخطوط الفرنسية” فوق صحراء النيجر أواخر الثمانينات، تصالح الأوروبيون والأمريكيون مع ليبيا، وبدأ قادة الإتحاد الأوروبي يتوافدون على العاصمة الليبية لتطبيع العلاقات.
ولوحظت في تلك الأثناء نقلة جوهرية في الموقف الليبي من الشراكة الأورو- متوسطية. فبعدما أقصِيت طرابلس من مسار برشلونة لدى انطلاقه، بحجّة أنها كانت خاضعة لعقوبات دولية، ارتفع صوت الإعلام الليبي، ومن ورائه المسؤولون السياسيون، متّهما الأوروبيين بإقامة “مشروع استعماري جديد”، والعمل على إعادة الإستعمار إلى المنطقة من النافذة، بعدما خرج من الباب.
لكن هذا الموقف سُرعان ما تغير، وبدأت ليبيا تطلب ضمّـها إلى المسار، بل قامت بتوسيط مصر وعواصم مغاربية لإقناع أوروبا بإدماجها في الشراكة، وهكذا أسند لها الأوروبيون مقعدَ مراقب في الإجتماعات الوزارية، اعتبارا من ندوة شتوتغارت في ألمانيا عام 1997، ما أتاح لوزير خارجيتها عبد الرحمن شلقم أن يحضر الإجتماعات الأوروبية – المتوسطية مع نظرائه العرب، على رغم المشاركة الدائمة لوفود إسرائيلية فيها.
“خطة الجوار الجديدة”
ضمن هذا السياق، استضافت ليبيا للمرة الأولى اجتماعا للمنتدى الأورو – متوسطي على المستوى الوزاري عام 2003، وضمّ أحد عشر بلدا عربيا وأوروبيا باستثناء إسرائيل.
إلا أن الخبير في الشؤون الأوروبية فيليب برنار، الذي يشغل منصب المدير العام للشراكة الأورو – متوسطية في المفوضية الأوروبية في بروكسل، أوضح لسويس انفو أن العلاقات مع الشركاء في الضفة الجنوبية للمتوسط، لا يمكن أن تقتصر على حضور الإجتماعات الوزارية، وإنما هناك ملفات تخص التعاون في قطاعات مختلفة، ينبغي التفاوض بشأنها لوضع العلاقات على سكة شراكة حقيقية أسوة بباقي بلدان الضفة الجنوبية للمتوسطة.
ولا يستبعد الأوروبيون أن تكون ليبيا مدرجة ضمن سياسة الجوار الجديدة التي صاغها الإتحاد، لتكون إطارا للعلاقات مع شركائهم المتوسطيين والآسيويين في المرحلة المقبلة.
غير أن الليبيين يعتبرون أن طبيعة علاقات الإتحاد ببلدهم تختلف عن علاقاته مع المغرب أو تونس مثلا، ويؤكدون أن الاتحاد بحاجة إلى ليبيا أكثر مما هي بحاجة إليه، لكونها لا تصدّر منتوجات صناعية ولا زراعية للبلدان الأوروبية.
وذهب بعض المراقبين إلى القول إن قسما من الطاقم الحكومي في ليبيا غير متحمس لتطوير العلاقات مع الإتحاد الأوروبي، لقناعته بأن “مفاتيح اللعبة الإقليمية مازالت وستبقى في الأمد المنظور بأيدي الولايات المتحدة” ، وهو ما يفسر التطور السريع الذي أبصرته العلاقات الأمريكية – الليبية في السنتين الأخيرتين.
لكن يبدو أن للجغرافيا أحكامها التي لا تردَ، وأن ليبيا لا تستطيع الإستغناء عن إقامة علاقات مؤسسية مع جيرانها الأوروبيين الذين صاروا يتعاطون مع بلدان الجوار أساسا من المنظور الجماعي، وفي إطار “خطة الجوار الجديدة”.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.