نحو تأسيس قطب لحقوق الإنسان في جنيف
لدعم حضور الدول الفقيرة في دورات مجلس حقوق الإنسان، تسخر سويسرا مساعدات للدول الاكثر فقرا، كالإسهام في نفقات الإيجار وتوفير مكاتب للدول غير الممثلة.
وتنظر السلطات والمنظمات غير الحكومية في كيفية تعزيز تواجد ومساهمة منظمات المجتمع المدني في أشغال المجلس الممتدة على طول السنة والاستفادة من تواجد مراكز أكاديمية متخصصة.
تحاول سويسرا، التي كانت وراء مشروع استبدال لجنة حقوق الإنسان بمجلس لحقوق الإنسان وبذلت الكثير من أجل إنجاح الفكرة التي سترى النور في 19 يونيو القادم، توفير الظروف الملائمة لعمل كل الأطراف في المجلس الجديد، وبالأخص مساهمة الدول الفقيرة ومنظمات المجتمع المدني.
إجراءات عملية
ومن الخطوات التي اتخذتها السلطات السويسرية بعد الإعلان عن موافقة الدول الأعضاء على تأسيس مجلس حقوق الإنسان، إعلانها عن جملة من المساعدات المقدمة للدول الأقل نموا لكي تساهم بدورها بشكل فعال في أشغال المجلس القادم.
ومن هذه الخطوات، مساهمة السلطات في دويلة جنيف في دفع إيجار الدول الأقل نموا التي ترغب في إقامة ممثلية لها في جنيف، إلى حدود 3000 فرنك شهريا.
كما تنوي سويسرا وضع مكاتب تحت تصرف الدول التي ليست لها ممثليات في جنيف لكي تتسنى لها المشاركة في أشغال مجلس حقوق الإنسان المقبل.
وبما أن أغلب المنظمات الدولية لها مقر في جنيف، فإن السلطات السويسرية قبلت السماح لممثلي الدول الأقل نموا بالحصول على اعتماد لدى الكنفدرالية السويسرية في برن، والحصول في الوقت ذاته على اعتماد لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف مع اختيار مقر الإقامة في جنيف.
تحديات منظمات المجتمع المدني
ويضع تأسيس مجلس لحقوق الإنسان – تمتد نشاطاته على طول السنة بدل دورة واحدة لمدة ستة أسابيع مثلما كان الحال في عهد لجنة حقوق الإنسان- منظمات المجتمع المدني أمام تحد كبير لا تسمح لها ظروفها المادية والبشرية بمواجهته.
وفي هذا السياق، قال ممثل الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية دانيال بولومي: “إن تأسيس مجلس لحقوق الإنسان تحد كبير بالنسبة لسويسرا ولجنيف وللمنظمات غير الحكومية”.
وإذا كان التحدي الذي يتعين على سويسرا مواجهته ذا طابع مادي وتنظيمي، فإن التحديات التي تنتظر منظمات المجتمع المدني متعددة ومتنوعة نظرا لأشغال المجلس التي ستمتد على طول السنة ولفترة عشرة أسابيع على الأقل، فضلا عن الجلسات الخاصة التي تمليها الضرورة.
شح التمويل
على المستوى المادي، قد تجد منظمات المجتمع المدني، وبالأخص الصغيرة منها والتي تنتمي الى بلدان العالم النامي، نفسها أمام تحدي تمويل تواجدها طوال السنة في مدينة معروفة بغلاء المعيشة مثل جنيف.
وحول هذه النقطة، نوه السيد بولومي إلى “وجوب مساهمة منظمات كبرى مثل منظمة العفو الدولية في تسهيل المشاركة الفعلية والدائمة للمنظمات الصغيرة في مجلس حقوق الإنسان”.
وعلى المستوى التنظيمي، تعرف جنيف تكاثرا غير مسبوق للمنظمات غير الحكومية العاملة في ميدان حقوق الإنسان. وهو ما دفع احد أقدم الناشطين في هذا الميدان ورئيس منظمة “جنيف من أجل حقوق الإنسان”، كلود أدريان زولر، الى التلميح الى “أن تمويل هذه المنظمات لم يكن يعرف مشاكل حتى نهاية الثمانينات، أما اليوم فإن تكاثر أعدادها يجعلها تتصارع من أجل الحصول على موارد مالية باتت تعاني من شح مستمر”.
تخوف من التراجع عن المعايير
لكن التحدي الكبير الذي ستواجه منظمات المجتمع المدني عند تأسيس مجلس حقوق الإنسان، يكمن في التخوف من مراجعة طريقة مساهمة منظمات المجتمع المدني في أشغال المجلس بعد أن تم الاعتراف لهذه المنظمات في الماضي بدور فعال وفريد من نوعه في لجنة حقوق الإنسان.
فقد كانت تسهم منظمات المجتمع المدني بشكل بارز في أشغال دورات لجنة حقوق الإنسان بالتعبير على الأقل عن آرائها في مختلف النقاط المطروحة للنقاش، ولئن لم تكن تتمتع بحق المشاركة في التصويت.
مع فتح النقاش من جديد أثناء السنة الأولى من تأسيس مجلس حقوق الإنسان بخصوص مراجعة طريقة عمل المجلس، أبدت بعض منظمات المجتمع المدني الدولية مخاوفها من استغلال بعض الدول مراجعة طريقة عمل المجلس من أجل التقليص من صلاحيات المنظمات غير الحكومية.
وقال مدير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إيريك صوتا بهذا الشأن: “نحن نحاول على الأقل الحفاظ على المكانة التي كانت لنا من قبل في لجنة حقوق الإنسان، وسنحارب من أجل ذلك”.
أما مدير الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أنطوان بيرنار، فيشدد على أن “مكانة المنظمات غير الحكومية في آليات الدفاع عن حقوق الإنسان مهمة جدا لأن حوالي 80% من المعلومات المتداولة عن وضعية حقوق الإنسان في البلدان هي من مصادر تابعة لمنظمات المجتمع المدني”.
ويرى السيد بيرنار أن هناك حوارا متواصلا مع مكتب المفوضية ومكتب اللجنة من أجل معرفة الممارسات التي يراد الحفاظ عليها في إطار هذه المراجعة، “هل الممارسات الإيجابية أم السلبية؟”.
دعوة للتنسيق
ومن أجل تنسيق تصور منظمات المجتمع المدني للمكانة التي تريد تبوؤها في المجلس القادم لحقوق الإنسان، عّقد بعد انتهاء مهرجان فيلم حقوق الإنسان يوم دراسي جمع العديد من منظمات المجتمع المدني لتوضيح التطلعات المرتقبة من مجلس حقوق الإنسان.
وتولي السلطات السويسرية أهمية بالغة للتنسيق بين منظمات المجتمع المدني تمهيدا للشروع في تأسيس مجلس حقوق الإنسان. كما باشرت في إقامة قطب أكاديمي يجمع مختلف المعاهد التي تعنى بتدريس مواضيع لها علاقة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وفي مقدمتها معهد الدراسات التنموية والمعهد العالي للدراسات الدولية.
وعن هذه النشاطات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية رافئييل صابوريت: “إن هناك رغبة في تنسيق الجهود في شبكة تجمع مختلف الكفاءات المتواجدة في جنيف، لأن النجاح في تحقيق ذلك يعد تعزيزا لمكانة جنيف كعاصمة دولية لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي”.
سويس انفو – محمد شريف – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.