نحو رقابة فدرالية على المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف
هل حان الوقت لإخضاع المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف لمراقبة مصالح الكنفدرالية على غرار جميع المؤسسات المسجلة في سويسرا، وما معنى ذلك وهل بإمكانه وضع حد للمشاكل التي هزت هذه المؤسسة في الفترة الأخيرة؟
الأستاذ عبد الرحيم غازي، أحد محامي الموظفين الأربعة المفصولين قبل فترة من المؤسسة يقول إنه توصل برسالة من وزير الشؤون الداخلية في الحكومة الفدرالية تلبي مطالب إخضاع المؤسسة لهذه الرقابة الفدرالية. أما الشيخ يوسف إبرام، نائب مدير المؤسسة فيؤكد بأنها “لم تتوصل بأي إشعار من هذا القبيل، وأن عملية التسجيل كمؤسسة تتم بناء على طلب من مصلحة التسجيل العقاري الفدرالية”.
تعرف المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف التي تضم أكبر مسجد في المدينة وفي سويسرا عموما، منذ عام ونصف تقريبا عدة مشاكل استأثرت باهتمام عدد من وسائل الإعلام السويسرية والناطقة منها بالفرنسية على وجه الخصوص.
البداية تمثلت في فصل أربعة موظفين من العمل ساهم البعض منهم في نشاط المؤسسة منذ قيامها قبل حوالي 30 سنة، ثم بلغت هذه المشاكل الذروة في أعقاب تعيين المدير الجديد السيد فتحي نعمة الله، إلى الحد الذي دفعه إلى الاستقالة بعد أشهر قليلة من تقلده المنصب.
يوم 23 مايو الجاري، أوردت وكالة الأنباء السويسرية أخبارا تُفيد بتوصل محاميي الموظفين الأربعة المفصولين من المؤسسة وهما الأستاذ عبد الرحيم غازي والأستاذ جون بيرنار فيبر بردّ من السيد باسكال كوشبان، وزير الشؤون الداخلية في الحكومة الفدرالية جوابا على التماس سبق أن قدماه أوضح فيه “اعتزام السلطات الفدرالية ممارسة صلاحيات مراقبة المؤسسة الثقافية الإسلامية عبر المصلحة الفدرالية لمراقبة المؤسسات”.
دعوة لإشراك المقيمين في التسيير
في اتصال بالمحامي عبد الرحيم غازي أكد هذا الأخير توصله بهذا الرد من الوزير كوشبان ورأى فيه وعيا من طرف وزير الشؤون الداخلية “بمدى الأهمية التي تمثلها المؤسسة الثقافية الإسلامية بالنسبة لجنيف وللدور الذي يجب أن تلعبه ليس فقط على مستوى جنيف بل على مستوى سويسرا ككل”، وأضاف في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “ومن هذا المنطلق يبدو لي أنه اتخذ القرار السليم المتمثل في أن المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف يجب أن تخضع لرقابة المصلحة الفدرالية المعنية بمراقبة المؤسسات”.
وعن النقاط التي تضمنها الإلتماس المقدم من طرف المحاميين للسلطات الفدرالية، يقول الأستاذ عبد الرحيم غازي “أوضحنا في طلبنا أنه يجب أن يتم احترام بنود قانون التأسيس الذي قامت عليه المؤسسة سواء فيما يتعلق بسير نشاط المؤسسة أو بالهدف الذي حدده المؤسسون أي معرفة الإسلام ونشر الثقافة الإسلامية في سويسرا. وأن يتم تكييف بنود قانون التأسيس مع هذه الأهداف ومراعاة الجالية المسلمة في جنيف بالخصوص التي يبدو لي أنه يجب أن يكون لها حق المشاركة بشكل مباشر أو عن طريق الانتخاب والتصويت في إدارة أمور المؤسسة لأنها هي المعنية بالدرجة الأولى”.
وعن الأسباب التي جعلت المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف تبقى خارج هذه المراقبة الفدرالية منذ تأسيسها في عام 1978، يقول السيد عبد الرحيم غازي “يجب أن نعود قليلا الى الوراء للتذكير بالهدف الرئيسي الذي أقيمت من أجله المؤسسة الثقافية الإسلامية أي التعريف بالإسلام في سويسرا. ومن الواضح أن العنصر الرئيسي في هذه المؤسسة يتمثل في المسجد الذي من مهامه الإسهام في نشر الثقافة الإسلامية. ومن هذا المنطلق اعتبرت السلطات أنها مؤسسة دينية بحتة وبالتالي لا يجب إخضاعها لرقابة السلطات وفقا للقانون”.
وعن التأثير الذي يتوقعه من هذه الخطوة سواء فيما يتعلق بإشراك المسلمين في الإشراف على أمور المؤسسة أو على سير القضية المتعلقة بموكليه الأربعة المطرودين من المؤسسة بطريقة اعتبروها “تعسفية”، يقول الأستاذ عبد الرحيم غازي: “إنني لا أشكك في صلاحية رابطة العالم الإسلامي في الاستمرار في الإشراف على الجانب الروحي أو الديني. ولكن فيما يتعلق بالتسيير اليومي للمؤسسة يبدو لي أن مستعملي المؤسسة من مسلمين مقيمين في سويسرا هم أولى من يحق لهم اختيار من يقوم بدور المشرف أو همزة الوصل مع السلطات ومع المجتمع الذي يعيشون فيه”.
وأضاف الأستاذ غازي “أما فيما يتعلق بتأثير هذا القرار على قضية موكلينا فلست أدري ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤثر مباشرة على قضية الأشخاص المعنيين الذين تم فصلهم من قبل المدير المعين آنذاك بطريقة أقل ما يمكن أن نقول عنها أنها كانت عنيفة ومثيرة للجدل. وحتى ولو كان لي أمل في أن يكون لهذه الخطوة تأثير على القضية التي أرعاها، فإن الهدف الذي نتوخاه يفوق ذلك ويتمثل في تأمين تسيير حسن لهذه المؤسسة خصوصا وأن الأوضاع تتمثل، حسب علمي، في عدم إقدام مجلس إدارة المؤسسة على تعيين مدير جديد لحد اليوم بدل المدير المستقيل”.
مجرد “رماد في وضح النهار”..
في محاولة للاستفسار من الساهرين على حظوظ المؤسسة الثقافية الإسلامية حاليا عن ردود فعلهم على قرار من هذا القبيل يُخضع المؤسسة لمراقبة السلطات الفدرالية، اتصلت سويس إنفو بالشيخ يوسف إبرام، إمام مسجد جنيف ونائب مدير المؤسسة الذي أوضح بأن “كل هذا ما هو إلا رماد في وضح النهار”، مضيفا بأن المعني بالأمر أي المؤسسة الثقافية الإسلامية “لم تتوصل بأي خطاب لا من الحكومة السويسرية ولا من وزير داخليتها السيد كوشبان أو من سلطات مدينة جنيف”.
ويذكّر الشيخ يوسف إبرام بأن “علاقة المؤسسة بالسلطات تعود إلى البداية عندما لم يقم المسؤولون السابقون عنها بتسجيلها في السجل التجاري كمؤسسة محترمة لها وضعية قانونية ولها ملكيات عقارية متواجدة في كانتون جنيف وهذا وفقا لقانون المؤسسات”.
وأضاف إمام مسجد جنيف ونائب مدير المؤسسة بأنه “بعد المشاكل التي عرفتها المؤسسة الثقافية الإسلامية خلال العام الماضي رأت السلطات أنه آن الأوان ألا يتركوا هذا الفراغ، توصلنا بعدها ليس من مصالح السيد كوشبان ولكن من مصلحة التسجيل العقاري في برن بخطاب يطالبنا بتسجيل المؤسسة بغض النظر عن كونها مسجدا، بل لكونها مؤسسة مالية لها ممتلكات. وهذا الملف قدمناه للمحامي وهو يقوم الآن بإجراءات التسجيل. أما موضوع المراقبة أو غيرها فلم نتوصل بأي خطاب”.
وبخصوص المعلومات التي أفادت بتوصل المحاميين (المدافعين عن الموظفين الأربعة المطرودين) بخطاب من وزير الداخلية، قال الشيخ يوسف إبرام: “إننا سنقوم بالإجراءات الضرورية ونستوضح الأمر على كل حال من السلطات لأنه إذا كتبت الصحف كلاما فهو إما صحيح أو غلط. وإذا كان كلاما صحيحا فمن المفروض أن نُكاتب بهذا الخصوص لأننا نحن المعنيين بهذا الأمر. وإذا كان مجرد اختلاق واختراع فنريد موقفا من السلطات”.
وعما إذا كان هذا التسجيل للمؤسسة سيُخضعها حتما إلى رقابة من نوع ما من جانب السلطات الفدرالية، أجاب الشيخ يوسف إبرام “لا يا أخي الكريم” مضيفا “أنا كنت اشتغل في مؤسسة تشرف على مركز زايد الإسلامي في زيورخ، فلما غيرناها من جمعية إلى مؤسسة اضطررنا لتسجيلها بموجب قانون المؤسسات، وهو القانون الذي يفرض تسجيل المؤسسات على مستوى الكانتون إذا كانت ميزانيتها، حسبما أعتقد، تقل عن 100 الف فرنك، وعلى مستوى الفدرالية إذا تعدت ذلك الرقم. وفي هذه الحالة تكون المراقبة من قبل العاصمة الفدرالية برن”.
وعن طبيعة المراقبة التي تُفرض في هذه الحالة، يشير الشيخ يوسف إبرام إلى أنها “مجرد إرسال تقرير مالي وتقرير إداري في كل سنة ثم تتحقق السلطات من صحتها أو عدم صحتها لأن قانون المؤسسات يراعي حق المؤسس أيا كانت طبيعة هذه المؤسسة إما إسلامية أو مالية أو تجارية”.
وبغض النظر عن التأويلات التي يبديها هذا الطرف أو ذاك، يبدو أن هناك خطوات تتم حاليا، تسير في اتجاه إخضاع المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف لرقابة المصلحة الفدرالية لمراقبة المؤسسات. وهو تطور يعقد عليه العديد من المسلمين في سويسرا عموما، وجنيف بالخصوص، آمالا كبرى لوضع حد لمشاكل زعزعت هيبة وسمعة مؤسسة عريقة يُفترض أن تلعب دورا أساسيا في الحفاظ على مقومات الجالية المسلمة (التي يناهز تعدادها 400 ألف شخص في البلاد)، مع العمل على حسن اندماجها في المجتمع الذي تعيش فيه.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
تبنى فكرة إقامة وبناء المؤسسة الإسلامية الثقافية وأمر بتنفيذها الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1972.
تم افتتاح المؤسسة يوم 1 يونيو 1978 من طرف العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبد العزيز بحضور رئيس الحكومة الفدرالية وأعضاء حكومة جنيف المحلية والوزراء وعدد من سفراء الدول الإسلامية والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في سويسرا إضافة إلى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
بلغت قيمة الأرض وتكاليف البناء والتجهيز والتأثيث حوالي 21 مليون فرنك سويسري تحملتها حكومة المملكة العربية السعودية وحدها بالكامل.
تقع المؤسسة الإسلامية الثقافية والمسجد التابع لها في حي Petit Saconnex بمدينة جنيف وهي مقامة على أرض تبلغ مساحتها 4000 متراً مربعا.
تبلغ مساحة المسطحات بالمؤسسة أكثر من 8000 متراً مربعاُ تشمل الجامع الذي يتسع لأكثر من 1500 مُصلي كما يوجد مكان خاص للنساء يتسع لأكثر من 500 مُصلية.
تتوفر المؤسسة الإسلامية الثقافية على مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة للمحاضرات وإحياء المناسبات الدينية والوطنية والإعلامية وعلى مطبخ كبير وعلى غرفة واسعة بها ثلاجة كبيرة مجهزة لحفظ الأموات من المسلمين ريثما يتم غسلهم وتجهيزهم أو إرسالهم إلى بلادهم ليُدفنوا فيها.
تعتمد المؤسسة الثقافية الاسلامية في مصروفاتها المختلفة على إيراد العقار الذي تم بناؤه على نفقة العاهلين السعوديين الراحلين الملك خالد والملك فهد وعلى دعم حكومة المملكة العربية السعودية. وتخضع للإشراف المباشر لرابطة العالم الإسلامي التي يوجد مقرها في جدة.
(المصدر: الموقع الرسمي للمؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.