مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نداء لـ”انتفاضة جمهورية” في سويسرا!

نشرت صحيفة "لوتون" الرصينة الإعلان يوم الخميس 23 سبتمبر، وأعادت نشره يوم الجمعة 24 صحيفة "لوماتان" واليومية المجانية "20 مينوتن" swissinfo.ch

في حدث قد يشكل سابقة في التاريخ السياسي لسويسرا، اتحد رؤساء 5 أحزاب للتعبير عن ضجرهم من أساليب الدعاية "المُُبغضة" لليمين المتطرف.

ونشر هؤلاء الرؤساء، بدعم 19 شخصية سياسية من أحزابهم، نداء للشعب السويسري في ثلاث صحف أكدوا فيه أن “الديمقراطية تقتضي الكرامة”.

لم يعد يفصل الناخبين السويسريين سوى يوم واحد عن الاستفتاء الشعبي الذي سيتقرر فيه مصير أربع مبادرات وطنية تتعلق بتسهيل إجراءات منح الجنسية للجيلين الثاني والثالث من الأجانب، وبتوفير تأمين على الأمومة للنساء العاملات، وبتحديد مستقبل مكاتب البريد.

ولا شك أن الحملة المضادة للمبادرة الأولى، بقيادة لجنة تنطوي تحت الجناح الأكثر تطرفا في حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد، هي التي ستظل عالقة في ذهن الرأي العام لما تثيره من انتقادات ممتعضة ونقاش مُشتعل لم تخمد ناره بعد، حتى عشية توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع.

الجدل تفجر في وسائل الإعلام السويسرية بعد أن نشرت اللجنة التي اختارت لنفسها اسم “اللجنة المضادة للتجنيس بالجملة” إشهارا سياسيا يوم 4 سبتمبر الجاري في بعض الصحف، من بينها صحيفة “لوتون” الرصينة الصادرة بجنيف. وزعمت اللجنة في هذا الإعلان الذي لوحت فيه بأن المسلمين يشكلون خطرا محدقا بمستقبل سويسرا، أن هذه الجالية ستتحول قريبا إلى أغلبية في البلاد إذا ما أقر تيسير إجراءات الحصول على الجنسية للجيلين الثاني والثالث.

الديمقراطية تحتم الكرامة

الأسلوب الجارح الذي اعتمدته اللجنة واستنادُها لأرقام خيالية بنت عليها توقعات وهمية، غذى سيلا من النقاشات الإعلامية التي امتزجت فيها مختلف التوجهات الفكرية والسياسية. أما الأعمدة المخصصة لرسائل القراء في الصحف، فامتلأت برسائل غاضبة ومنددة بمضمون الإشهار السياسي، وأخرى مساندة لفحواه أو متحفظة عليه لكنها مؤيدة لنشره بدعوى أن ذلك يدخل في إطار ممارسة حرية التعبير في دولة ديمقراطية.

“حرية التعبير” و”الديمقراطية” هما بيت القصيد. الغوص في معنى هذين المفهومين وشروط -أو على الأقل أسلوب ممارستهما- جعل خمسة أحزاب سويسرية ذات توجهات ورؤى مختلفة تتجاوز خلافاتها وتتوحد للتعبير عن ضجرها من أساليب الدعاية “المُبغضة” التي يلجأ إليها أقصى اليمين المتطرف.

وفي حدث منفرد ربما يكون سابقة في الحياة السياسية السويسرية، أطلق رؤساء خمسة أحزاب يمينية ويسارية، وهم هانس يورغ فير من الحزب الاشتراكي، وروت غينير من حزب الخضر، ودوريس لوتار من الحزب الديمقراطي المسيحي، وكلود روي من الحزب الليبرالي، ورولف شفايغر من الحزب الراديكالي، نداء مشتركا للشعب السويسري حمل عنوان: “الديمقراطية تقتضي الكرامة”.

المطلوب “انتفاضة جمهورية”!

في هذا التحذير الرسمي الذي يعد صفعة نادرة لحزب الشعب السويسري اليميني المتشدد، الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، أكد الرؤساء الخمسة مدعومين بـ19 شخصية سياسية تمثل الأحزاب المذكورة أن حرية التعبير هي بالفعل من أعمدة الديمقراطية، لكنها “تقتضي أن نمارسها بصدق وكرامة لأن الديمقراطية، وإن كانت ثمينة، فهي أيضا هشة وغير معصومة من الخطأ”.

وشدد موقعو الإعلان في إشارة ضمنية لـ”اللجنة المعارضة للتجنيس بالجملة” وأقصى اليمين المتطرف عموما، على أن “حركات سياسية عديدة تنتهك منذ سنوات عديدة حرية التعبير”. ولم يغفلوا في هذا السياق تعداد ممارسات مثل اللجوء إلى “خلط المفاهيم” و”الأرقام الخيالية” و”الافتراء السفيه” و”الإعلانات المثيرة للكراهية”.

وبعد التأكيد على أن هذه الأساليب تفلح فقط في “إشاعة جو من الخوف والكراهية غير المُبرّرين” وأن النتيجة النهائية تتمثل فقط في “تقويض معنويات وروح الانفتاح وديناميكية السويسريات والسويسريين”، توجه مؤلفو النداء إلى مواطنيهم قائلين: “نحن ندعو المواطنات والمواطنين، الذين يحبون سويسرا مثلنا، إلى انتفاضة جمهورية. فلنحد عن هذه الأٍساليب المدمرة التي يذكرنا التاريخ الحديث بمخاطرها”.

وحرص الموقعون على التذكير بأنهم ينتمون لأحزاب تتحول إلى خصوم في بعض الأحيان لكنها أحزاب “بنت سويسرا المعاصرة منذ 1848 بالحوار واحترام الآخر”.

وبأحرف عريضة اختتموا نداءهم للشعب السويسري بالقول: “اليوم، التحرك ليس مسألة خيار، بل هو واجب”، كما دعوا الناخبين إلى التصويت بـ”نعم” على المشروع الحكومي الخاص بتسهيل إجراءات الجنسية للجيلين الثاني والثالث من الأجانب.

ويُذكر أن المبادرة الحكومية تقترح منح الشبان والمراهقين الأجانب، ممن درسوا 5 سنوات في المدارس التعليمية الإلزامية في سويسرا، حق الحصول على الجنسية بشكل مُبسط. كما تقترح منح الجنسية بصفة تلقائية للمهاجرين ممن ولدوا في سويسرا أو عاش أحد والديهم في سويسرا خمس سنوات أو درس فيها.

“كفى!”

وقد اختار رؤساء الأحزاب الخمسة صحف “لوتون” و”لوماتان” الصادرتين باللغة الفرنسية في جنيف ولوزان حسب الترتيب، واليومية المجانية “20 مينوتن” الأكثر انتشارا في المناطق المتحدثة بالألمانية، لنشر الإعلان المضاد لإشهار “اللجنة المضادة للتجنيس بالجملة”.

ويشار في هذا الصدد أن زعماء حزب الشعب السويسري لم يحركوا ساكنا لإدانة الإشهار السياسي الذي أثار فور نشره ردود فعل مستاءة ومنددة من “اللجنة الفدرالية للأجانب” ومن “اللجنة الفدرالية لمناهضة للعنصرية”. واكتفى حزب الشعب بالتشديد على أنه لم يمول حملة اللجنة بقيادة أولريش شولر، أحد أعضاء الحزب الأكثر تطرفا، وبالتنويه إلى أن مضمون الإشهار “إعلامي محض”.

فرانساو لونشون، رئيس الحزب الرايكالي في جنيف، كان من بين المحركين الأساسيين لصدور الإعلان المضاد لهذا الإشهار السياسي. وشرح في حديث مع صحيفة “لوتون” (عدد 23 سبتمبر) كيف رأى هذا الإعلان النور حيث صرح: “تبادلنا مع سياسيين من أحزاب أخرى بصفة غير رسمية ردود فعلنا على الحملة العنيفة لحزب الشعب السويسري ضد التجنيس، أصبنا جميعا بالصدمة والقلق. لقد بلغت درجة الاستخفاف بالسياسة ومن يمارسونها حدا وقحا، كان لا بد من التحرك”.

أما المتحدث باسم الحزب الاشتراكي السويسري جون فيليب جانري فقال: “عندما نشر الإعلان الشهير الذي استهدف المسلمين في الصحف، كان استنتاجنا واحدا: إنه هجوم على الديمقراطية!”

من جهته، شعر النائب البرلماني جون فيليب ميتر من الحزب الديمقراطي المسيحي أيضا بضرورة القول “كفى!” حيث أوضح أن “الخلط العبثي للسيد شولر (…) يغطي النقاش الديمقراطي بالوحل، لقد ذهبوا بعيدا، ولم يعد هذا الأمر مقبولا أبدا”.

فهل سيتمكن هذا الإعلان المضاد المُوقع من قبل 3 أحزاب مشاركة في الإئتلاف الحكومي من التأثير على الرأي العام وترجيح كفة الأصوات لصالح المعسكر المؤيد لتسهيل إجراءات التجنيس للجيلين الثاني والثالث؟ آخر سبر للآراء كشف أن نسبة المؤيدين تراجعت بعد صدور الإشهار السياسي المسيء للجالية المسلمة التي يزيد تعدادها عن 300 ألف شخص، فهل سيتأثر الشعب السويسري بالإعلان الجديد ويلبي نداء “الانتفاضة الجمهورية”؟

كلمة “الانتفاضة” قد تكون قوية على مجتمع هادئ ومسالم كسويسرا، ولكن من يدرى.. ربما ينتفضون بطريقتهم الخاصة يوم 26 سبتمبر، فلننتظر ونرى! لم يبق سوى يوم واحد..

إصلاح بخات – سويس انفو وصحيفة “لوتون”

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية