نزعُ الألغام بزرع الآمال
عندما تُبادر مُنظمةٌ إنسانية، لا تعتمدُ سوى على التبرُّعات، بنزع الألغام من مناطق ذاقت مرارة الحروب ومازالت تعاني من تابعاتها فذلك يستدعي وقفةَ تأمل.
“الفدرالية السويسرية لنزع الألغام” لا تكتفي بإزالة الألغام في الدول المُتضررة بل تحرص على تكوين أبناءها في هذا المجال وتدفع لهم راتبا فوق ذلك…
لا يعني انتهاء الحرب في بؤرة من بؤر النزاع في العالم بداية حياة طبيعية وآمنة للذين عايشوها ونجوا منها. فشبحُ الصراعات المُسلحة لا يكتفي بمُلاحقة ذاكرتهم فحسب بل يتجسد أمامهم في شكل بقايا ذخيرة لم تنفجر بعد، ليُهددُ حاضرهُم ومُستقبلهم. وبعد نهاية الحرب مع الخصم أو العدو، يبدأ الاحتراس من الألغام التي زُرعتْ حولهم أثناءَ الحرب وزَرعتِ الخوفَ في قلوبهم بعدها.
وغالبا ما يُهدد انفجار الألغام وبقايا ذخيرة الحرب فئة المدنيين كبارا وصغارا. فان لم تأخذ حياتهم تُحدث لديهم عاهات مُستديمة. وتنضاف على التعقيدات الناجمة عن الإعاقة عرقلة النمو في المنطقة المُتضررة بعدما تحولت مزارعها إلى حقول ألغام.
أمام هذا الواقع المأساوي، أبت مُنظمة غير حكومية وهي “الفدرالية السويسرية لنزع الألغام” إلا أن تتحرك، بطريقتها الخاصة، لنجدة من يواجهون خطر انفجار الألغام ومُساعدتهم على كسب قوتهم بتعلم وظيفة تنقذ الأرواح وتفتح أبواب الرزق.
المساهمة في تحقيق تنمية مستديمة
عند نشأتها عام 1997، كانت الفدرالية السويسرية لنزغ الألغام تهدفُ إلى تمكين لاجئي كوسوفو ويوغوسلافيا السابقة في سويسرا من الحصول على تكوين في مجال إزالة الألغام قبل العودة إلى بلادهم والمُساهمة لاحقا في إنقاذ حياة مُواطنيهم الذين يعيشون تحت تهديد انفجار الألغام. لكن نشاطات الفدرالية امتدت منذ تلك الفترة لتشمل دولا عديدة أهمها أفغانستان وألبانيا وإقليم كوسوفو ولبنان مُستقبلا.
وما يُميز هذه المنظمة الإنسانية غير الحكومية، التي يعتمد تمويلها على تبرعات أعضائها ومساعدات الكنفدرالية وبعض المنظمات الدولية، هو حرصها على تنفيذ مهماتها في إطار سياسة تنمية مُستديمة.
وفي هذا السياق، يقول السيد جاك بيتيكس الملحق الإعلامي لـ”الفدرالية السويسرية لنزع الألغام في تصريح لـ”سويس انفو”:”إن سياستنا تكمن في تكوين مُتخصصين محليين في نزع الألغام في بلد يعيش تحت التهديد الدائم للذخيرة التي لم تنفجر بعد. نقوم بتوظيفهم وندفع لهم رواتب أثناء تكوينهم، الشيء الذي يسمح لهم بالمُساهمة في تنظيف منطقتهم من الألغام وضمان دخل لأسرهم.”
أبعاد انسانية واجتماعية
وقد أتت المجهودات التطوعية للفدرالية السويسرية لنزع الألغام ثمارها في أفغانستان وألبانيا مثلا حيث تمكنت فرق المُنظمة بالتعاون مع الموظفين المحليين من تنظيف أكثر من 100000 متر مُربع من المساحات ما بين بداية هذا العام ومُنتصف شهر أغسطس الماضي، حيث أزالوا أو فجروا 29.240 لغم وذخائر لم تنفجر بعد.
ومول عمليات تطهير ساحات القتال في أفغانستان برنامجُ الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. وأوضح الملحق الإعلامي للفدرالية السويسرية لنزع الألغام في حديثه لـ”سويس انفو” أن فريق الفدرالية (الذي لا يتجاوز عشرة أشخاص في أفغانستان) يعمل لحساب المنظمة الأممية لمساعدتها على تأمين الطرق التي تسمح بإيصال المُساعدات الغذائية العاجلة إلى السكان الأفغان في مختلف أنحاء البلاد، وذلك بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتؤكد الفدرالية السويسرية لنزع الألغام التي تتخذ من كانتون فريبورغ مقرا لها، أن المُقاتلين الأفغان السابقين يُشكلون حاليا أغلبية المُوظفين لديها في المدن الأفغانية، وأن العمل الذي توفره لهم يسمح لهم بإثبات ذاتهم وسط المجتمع وباستعادة كرامتهم الشخصية. وتوضحُ الفدرالية أن الراتب الذي يتقاضاه مثلا موظفُ إزالة ألغام في أفغانستان يُمكنه من إعالة ما بين 15 و20 شخصا دون اللجوء إلى المُساعدات الدولية.
افتخار بالحياد.. ونداء لنجدة لبنان
الفدرالية السويسرية لنزع الألغام ليست المنظمة الأجنبية الوحيدة النشيطة في هذا المجال في أفغانستان أو ألبانيا، لكنها تتميز بلا شك بطابعها المُستقل والمُحايد. وعن هذه الخصوصية يقول الملحق الإعلامي للفدرالية: “نحن لا نعتمد على الحكومات إطلاقا حتى إن كنا نتعاون معها، نحن محايدون لذلك تحظى الفدرالية السويسرية لنزع الألغام بتقدير عدد من الدول التي تعتبر هذا الحياد ميزة.”
ومن بين الدول التي تنوي الفدرالية السويسرية لنزع الألغام الإسراع بمُساعدتها لُبنان حيث مازالت الألغام التي خلفتها إسرائيل منذ انسحابها من الجنوب في 24 مايو من عام 2000 تسقط عشرات القتلى والجرحى.
وقد وجهت المنظمة السويسرية هذا العام نداء عاجلا لجمع التبرعات الضرورية لتنفيذ برنامج إنساني لتخليص لبنان من الألغام، لكن الملحق الصحفي للفدرالية أكد لـ”سويس انفو” أن المنظمة السويسرية لم تتلق بعد الدعم الكافي. وأوضح السيد بيتيكس أن المشكل الذي يعترض مثل هذه المشاريع هو الفارق الزمني الذي يفصل تاريخ الإعلان عن وعود تقديم المساعدات ووقت توصل المنظمة بهذه المساعدات.
ويؤكد السيد بيتيكس أن الفدرالية السويسرية لنزع الألغام لا تنتظر تسلم التبرعات قبل التحرك، بل تبدأ في عمليات إزالة الألغام في أسرع أجل لأن “هنالك أرواح يجب إنقاذها وأخطار يتعين القضاء عليها.” وتظل المشكلة الأساسية في هذه الحال الحصول على ما يكفي من السيولة لتمويل بداية العمليات في انتظار وصول الدعم المالي الذي وعد المانحون بتقديمه.
قضية تحتاج الى المزيد من التعريف
لكن ماذا عن اهتمام الرأي العام السويسري بقضية نزع الألغام؟ هنا يجيب السيد بيتيكس:”أينما ذهبت وتحدثت عن الألغام إلا وانهال عليَّ من حولي بالأسئلة (…) لكن إزالة الألغام مازالت قضية غير معروفة جيدة أو بالأحرى ليست ملموسة في سويسرا لأننا نعيش في بلد لم يعاني من هذه المُشكلة. لكن لحسن الحظ هنالك منظمات كثيرة تعمل جاهدة للتعريف بهذه القضية.”
ولعل خير مُمثل لهذه المنظمات، الفدرالية السويسرية لنزع الألغام بنفسها. فهي بدأت المشوار بروح تطوعية معتمدة على فلسفة نزع الألغام بزرع بذور مشاريع تنموية تنقذ سكان المناطق المتضررة من الآفات وتضمن لقمة العيش لهم ولذويهم.
إصلاح بخات – سويس انفو
تأسست الفدرالية السويسرية لنزع الألغام عام 1997 في كانتون فريبورغ
تنشط هذه المنظمة غير الحكومية أيضا في سريلانكا والفليبين وطاجكستان
تقول منظمة “هانديكاب انترناشنال” ان الالغام المضادة للأشخاص تخلف 2000 كل شهر، اي بمعدل ضحية كل عشرين دقيقة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.