نصف قرن من الحقوق السياسية للمرأة السويسرية
احتفلت قرية اونتربيخ جنوبي سويسرا في 3 مارس 2007، بذكرى مرور نصف قرن على تمكن أول حركة نسائية سويسرية من النجاح في الحصول على حق التصويت، رغم أنف الرجال.
ورغم استحضار الكثير من ذكريات تلك المرحلة وما حققته المرأة السويسرية من ورائها، إلا أن الحديث عن الواقع الراهن والمستقبل غلب على الاحتفالية وطرح أكثر من تساؤل.
إنطلقت الحركة النسائية السويسرية من هذه القرية الهادئة في أحضان جبال الألب على ارتفاع 1220 مترا فوق سطح البحر، لتكون بداية عصر جديد، حطمت فيه المرأة السويسرية قيد حرمانها من المشاركة في الحياة السياسية، وذلك عندما توجهت 33 سيدة من نساء القرية إلى صندوق الاقتراع للإدلاء بأصواتهن معلنات عن رغبتهن في المشاركة في الحياة السياسية.
لم يكن تجمعا نسويا على مستوى فدرالي، وإنما مبادرة خاصة من نسوة القرية، تجاهلن استنكار الرجال، وتحذيرات قساوسة الكنيسة وذهبن إلى عمدة القرية آنذاك يطالبن بحقهن في المشاركة في الحياة السياسية وأن يكون لهن حق التصويت وإدلاء الرأي فيما يتعلق بهن، إذ كانت سويسرا تشهد في مثل هذا اليوم قبل نصف قرن استفتاءا يدلي فيه الرجال فقط بأصواتهم حول ما إذا كان “يحق للمرأة ان تؤدي الخدمة المدنية العامة أم لا”!!.
ولأن عمدة القرية كان يؤمن الديمقراطية الحقيقية، فقد ترجم هذه القناعة إلى عمل فعلي، وقبل أوراقهن، وسجلهن في دفاتر من يحق لهن التصويت وإبداء الرأي، وتعرض هو للمسائلة من قبل السلطات لأنه “ارتكب تجاوزا خطيرا”، حسبما قيل آنذاك.
ثم تطورت بعدها مسيرة المرأة السويسرية في الحياة السياسية، لكن هذه الخطوة الأولى لم تأخذ مكانها الصحيح إلا في عام 1971، فدخلت النساء البرلمان وحصلن على المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات، وظهرت أسماء مثل اليزابيت كوب وروت درايفوس وروت ميتسلر وميشلين كالمي ري ودوريس لويتهارد كوجوه نسائية عكست نجاح المرأة السويسرية في الوصول إلى أعلى سلم الهرم السياسي الفدرالي.
تساؤلات تبحث عن إجابات
وكان من الطبيعي أن يستضيف هذا اليوبيل أول وزيرة فدرالية؛ حيث تحدثت اليزابيت كوب عن تجربة المرأة السويسرية في العمل السياسي، فرأت أنه رغم الكفاح في الحصول على الحقوق، إلا أن عدد النساء المشاركات في العمل السياسي قليلات للغاية، “ومن دخلن هذا المعترك ووصلن إلى الحكومة السويسرية لم يكتب لغالبيتهن النجاح” حسب قولها، واستدلت على ذلك بخروجها هي وزميلتها روت ميتسلر من الحكومة واستقالة روت درايفوس بمحض ارادتها، لتجعل من هذه الخسارة لحظة توقف للتساؤل: ماذا ترتكب المرأة السويسرية من أخطاء، ليصل بها الحال إلى هذا المستوى؟
وتجيب كوب على هذا السؤال من واقع تجربتها الخاصة ومراقبتها للحركة النسائية في البلاد قائلة، “إن المرأة تدخل في صراع بين دورها في السياسة ودورها في الحياة الخاصة، ويعزز المجتمع هذا الصراع بتذكيرها دائما بأنها انثى، وهذا أمر طبيعي، لكن اغلب النساء يشعرن بالاختلاف الكبير بين شخصيتهن في البيت وفي المكتب”.
كما ترى الوزيرة السابقة (1984 – 1989) أن العلاقة بين المرأة والسلطة تختلف عن علاقة الرجل بالسلطة، “لأن المرأة تريد أن تحصل دائما في أقل فترة ممكنة على انجازات متعددة، فهي تدرك من خلال العقل الباطن أن هناك أحلاما مؤجلة، وحان وقت تنفيذها، مما يجعل سلوكها يكون تلقائيا محط تساؤل ممن حولها، ويأتي هذا بشكل لا إرادي، وينتهي إلى توجيه الانتقادات”.
أما الفشل النسوي الجماعي في العمل السياسي فتعزوه الوزيرة المنتمية إلى حزب الراديكالي، بأنه يعود إلى “غياب التنسيق الجماعي بين النساء سواء داخل الحزب الواحد أو داخل البرلمان، على عكس الرجال، كما يقوم الإعلام أيضا بالتشهير بأنثوية المرأة إذا لجأت إلى برنامج معين لم يرق للإعلام أو الصحافة.
كذلك الحال أيضا مع الناخبات “إذ تضعن قائمة طويلة من الطلبات أمام الوزيرة أو النائبة البرلمانية وكأنها تمتلك عصا سحرية لجميع حلول بنات حواء، ففي نظر الكثير أن من وصلت إلى منصب سياسي كبير، فلها طاقات كبيرة”، وهذا ما يجعلها أيضا محل انتقادات بنات جنسها.
ثم العنصر الأخير – من وجهة نظرها – هو أنه على الرغم من قناعة الرأي العام بدور المرأة في المجتمع والسياسة إلا أن الدوائر الفدرالية الرسمية “لم تتمكن من ترجمة هذا التوجه الشعبي إلى رغبة حقيقية في التعامل مع المرأة في السياسة بنفس الاهتمام الذي يعاملون به الساسة الرجال”.
وتصل كوب إلى أن وضع المرأة الآن بعد نصف قرن من بداية الحصول على الحقوق لم يحل كل المشكلات بل فتح أبوابا جديدة، فأشارت إلى أن المرأة إذا أرادت العمل مهما كان نوعه فعليها ألا تفكر في الأسرة، والعكس صحيح، وهذا في حد ذاته موضوع يحتاج إلى إعادة ترتيب الإهتمامات مجددا.
وحلول تنتظر التطبيق
ومن هذه النهاية تكلمت اورسولا فيس النائبة البرلمانية الشابة (34 عاما) عن الحزب الإشتراكي، ورئيس مجموعة الحزب في البرلمان، فنوهت إلى أن مشكلة المرأة الآن لم تعد السعي للحصول على الحقوق السياسية وانما “البحث عن الإستقرار الأسري والأمن العائلي”، وهي مشكلة كبيرة حسب قولها، “تهدد جميع المكاسب التي حققتها سويسرا خلال نصف قرن من النمو الإقتصادي والنجاح في مجالات مختلفة”، وأشارت إلى تراجع نسبة المواليد وانعكاس ذلك على الأيادي العاملة مستقبلا، والتغيرات الإجتماعية التي ستظهر فيما بعد من جراء تلك الظاهرة.
ورأت السياسية الشابة أن المرأة إن فكرت في الإنجاب فعليها أن تكون ثرية أو زوجة لميسور الحال، وتنسى دورها المهني، وإن اتجهت إلى العمل بحثا عن ذاتها مهنيا أو سياسيا، فعليها أن تنسى الزوج أيضا، وإن اتجهت للعمل فقط فعليها أن تنسى الأطفال.
وساقت اورسولا فيس أمثلة عديدة عن نساء يعانين من مشكلات مختلفة في رعاية الأطفال، فلا توجد دور الحضانة الكافية، وإن تواجدت فلا تتناسب مواعيدها مع مواعيد العمل، أو ان تكون باهظة التكاليف، ولذا تطالب فيس بتغيير جوهري يتمثل في “التفكير في المرأة العاملة الأم التي يجب أن تتوفر لها كل الإمكانيات”.
لكن الأسئلة التي لم تجد لهاإجابات كانت في دور الدولة ورأي القطاع الإقتصادي في هذه المقترحات التي بدأت تظهر بقوة في المجتمع السويسري في الآونة الأخيرة.
ولأن المشكلة أكبر من أن يتم حلها في اونتربيخ، فقد رأت روت درايفوس (أول سيدة تتقلد منصب رئاسة الكنفدرالية) أن علاج الظواهر الإجتماعية التي ظهرت في سويسرا في نصف القرن الأخير، معروف، إذ يجب العودة إلى القيم الإجتماعية الأصيلة، “فكم من عائلات وأسر تكونت في الماضي، وكان لها نشاطها الإقتصادي والصناعي” وأكدت على أن “التضامن الإجتماعي المفقود هو أحد وسائل العلاج الهامة، بعدما اختلطت مفاهيم القيم والتقدم”، حسب قولها.
مرور نصف قرن على بداية عمل المرأة السياسي في سويسرا، لم يعد عليها بالكثير، إذ يقول خبراء الإجتماع إن الطفرة النسوية السياسية هامة، لكن الثمن كان باهظا للغاية، فتراجعت نسبة المواليد، وأصبحت سويسرا مثل غيرها من دول غرب أوروبا تفكر في البحث عن أياد عاملة وعقول مفكرة في المجالات الهامة، ولم تستطع المرأة من موقعها السياسي أن تقدم الحلول المناسبة بل تسارعت النساء كل واحدة منهن تأمل في فرصة هذا المنصب أو ذاك تعوض به ما ضحت من أجله، “فإذا كانت المجتمعات الأوروبية قد فشلت في أن تحافظ على كيان الأسرة تحت مسميات مختلفة، فعليها أن تقبل أن يسد البولنديون والهنود والروس الفراغ الذي ستشهده غرب أوربا بعد اقل من نصف قرن”، حسب قول أحد المشاركين في الحفل.
سويس انفو – تامر أبوالعينين – اونتربيخ
نسبة المرأة في مختلف المجالات الهامة في سويسرا
54% من تعداد السكان
30% من أعضاء البرلمانات المحلية
26% من أعضاء البرلمان
23,9% من أعضاء مجلس الشيوخ
24,9% من أعضاء برلمانات الكانتونات
9% من أعضاء مجالس إدارات كبريات الشركات المسجلة في سوق الأوراق المالية.
تضم الحكومة الفدرالية في عام 2007 وزيرتين اثنتين من اجمالي 7 وزراء.
اليزابيت كوب
أول سويسرية تتقلد منصب وزيرة في الفترة ما بين 2 أكتوبر 1984 و 12 يناير 1989 تولت فيها مهام وزارة العدل والشرطة، استقالت بعدد ضغوط مورست عليها بسبب ما قيل آنذاك بأنه عدم شفافية في تعاملات زوجها المالية.
تنتمي إلى الحزب الراديكالي.
روت درايفوس
ثان سيدة دخلت الحكومة الفدرالية في 10 مارس 1993 واستقالت في 31 ديسمبر 2002 تولت خلالها منصب وزيرة الشؤون الداخلية، وتخللت هذه الفترة حصولها على رئاسة الكنفدرالية لعام 1999، بعد عام واحد من توليها منصب نائب رئيس الكنفدرالية.
تنتمي إلى الحزب الإشتراكي.
روت متسلر
تولت منصب وزيرة العدل والشرطة في الفترة من 11 مارس 1999 إلى 31 ديسمبر 2003، ولم تتم إعادة انتخابها مرة اخرى.
تنتمي إلى الحزب الديموقراطي المسيحي.
ميشلين كالمي-ري
دخلت الحكومة الفدرالية منذ عام 2003 وتولت منصل وزيرة الخارجية، ما تقوم في عام 2007 بمهام رئاسة الكنفدرالية.
تنتمي إلى الحزب الإشتراكي.
دوريس لوتهارد
تم انتخابها في عضوية الحكومة لتولي مهام وزارة الإقتصاد التي بدأتها في 1 أغسطس 2006.
تنتمي إلى الحزب الديموقراطي المسيحي.
تجمعت 33 سيدة من نساء تلك القرية الواقعة بأقصى جنوب سويسرا، للمطالبة بحقهن في التعبير عن رأيهن والمشاركة في الإستفاء المقام في 3 مارس 1957 حول امكانية قيام المرأة بالخدمة المدنية في الكنفدرالية، ولم يكن للنساء الحق في التصويت آنذاك، وطالبن بتفعيل حقهن كمواطنات يضمن لهن الدستور كافة الحقوق.
كانت ألويزا تسينهوزر هي أول سويسرية تضع ورقة انتخابية في صندوق اقتراع
أثار هذا التحرك الحياة السياسية في سويسرا بالإرتباك، فأعتبرت الحكومة أن الخطوة النسائية غير قانونية، واهتمت الصحف العالمية بالحدث وكتبت عنه صحفية نيويورك تايمز تقريرا مفصلا بإعتباره حدثا تاريخيا.
ثم توالت الأحداث تباعا :
1971 موافقة الناخبين على منح المرأة حق التصويت.
1976 تشكيل أول لجنة فدرالية متخصصة في شؤون المرأة،
1981 موافقة الناخبين على أن يضم الدستور السويسري فقرة تضمن المساواة.
1991 أول إضراب نسائي، للمطالبة بتطبيق قوانين المساواة.
1996، قانون خاص بالمساواة بين الرجل والمرأة في العمل.
لم يتوصل المؤرخون إلى اليوم في سر نجاح نساء اونتربيخ في اتخاذ هذه الخطوة دون غيرهن من نساء المدن الكبرى مثل زيورخ أو جنيف أو برن أو بازل، لكن بعض من تحدثو إلى سويس انفو قالوا بأن هذه القرية التي لا يتجاوز تعداد سكانها عن 426 شخصا، انهم اعتادوا دائما التحرك ضد ما لا يروقهم، فكان لهم مواقف ضد البرجوازيين في العصور الوسطي وينتقدون قرارات الكنيسة، وربما يكون هذا السبب في ثورة النساء سعيا للحصول على حقوقهن.
يتسائل سكان القرية اليوم عمن يعود له الفضل في هذه الثورة، هل هم الرجال الذين كتبوا الدستور ووضعوا فيه بنود المساواة؟ أم الرجال الذين وافقوا على دخول النساء إلى قاعات الإنتخابات قبل 50 عاما؟ أم عزيمة النساء التي صممت على كسر هذا الحاجز مواصلة مسيرتهن إلى اليوم؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.