“نطالب سويسرا بالمساعدة على جمع شمل جميع العقلاء والمعتدلين”
يتابع الصوماليون في سويسرا أحداث بلادهم بقلق بالغ، يزيد منه صعوبة التواصل مع الأهل ومعرفة أحوالهم، ويشعرون أنهم مكتوفي الأيدي أمام ما يعانيه المدنيون تحت ظروف معيشية صعبة، وقلق من مستقبل البلاد.
ويعتقد بعض أبناء الجالية أن الاستفادة من التجربة السويسرية في الحوار الهادئ والبناء هو أفضل الحلول للتفاهم وحقن الدماء، استعدادا لإعادة ترتيب البيت الصومالي مجددا، قبل أن تصل الأمور بالبلاد إلى هاوية مجهولة.
حاورت سويس انفو الأستاذ سعد صوبان سكرتير جمعية الجالية الصومالية في كانتون زيورخ، وتعرفت على رأيه ونظرة الجالية الصومالية في سويسرا إلى الأحداث الدامية في القرن الإفريقي، وكيف ينظرون إلى المستقبل في ظل هذه الظروف غير المستقرة، وما يمكن تقديمه لبلادهم.
سويس انفو: كيف تتابع الجالية الصومالية في سويسرا ما يحدث في مقديشو؟
سعد صوبان: الجالية تأسف لما تمر به الصومال بعد المستجدات الأخيرة، فبعد استقرار الوضع لمدة 6 شهور فقط دخلت البلاد الآن مرحلة نجدها مجهولة، فالبلاد عانت من الحرب الأهلية الضروس، في مرحلة انتصر فيها الفساد وانتشر الظلم والنهب والسلب، وعانى الصوماليون من جراء كل تلك الأوضاع، ثم تم تحريض مليشيات من مقديشو وما حولها، كي يقتاتوا بدماء الصوماليين، ولما تم التخلص منها واستقر الأمر وبدأ الناس يشعرون بأن هناك بداية جيدة من استقرار نسبي للأمن ورد المظالم لأهلها وبدأت العاصمة تستعيد بعضا من هيبتها، حتى أتت قوات خارجية تتباكى وكأنما هبط عليها الوحي هاتفا أنقذوا الصومال، فدخلت القوات الإثيوبية ومعها ما يدعى الحكومة الانتقالية، لتدخل البلاد إلى مرحلة اقل ما يمكن أن توصف بأنها مجهولة.
وكل ما يخشاه الصوماليون في سويسرا الآن، هو أن يتحول الوضع في القرن الإفريقي إلى ما هو عليه الحال الآن في العراق، فانفجار الوضع يمكن ان يجعل دفة الصراع تعود مرة أخرى بين القبائل والعشائر الهامة في مقديشو وما حولها، فتعود للاقتتال فيما بينها، فكل قبيلة لا تريد تسليم ما لديها من أسلحة لتحتفظ به للدفاع عن نفسها، فهذا الخوف من الحالة المجهولة، يخلق نوعا من اختلاط الأوراق، مع دخول أطراف مختلفة كل له مصلحته عدا استقرار الصومال، والوحيد الذي يعاني من هذا الدمار هو الشعب الصومالي.
سويس انفو: كيف تتواصلون مع ذويكم هناك وتتعرفون على أخبارهم؟
سعد صوبان: الصومال بلاد كبيرة جدا، وتعاني الجالية الصومالية في سويسرا من صعوبة الاتصال مع الأهل والعشائر في القرن الإفريقي للتعرف على أحوالهم، وهو ما يزيد من مشاعرهم بالقلق والخوف، ورغم أن 30% من سكان الصومال اضطر للهجرة من البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنهم يحلمون بالاتصال بذويهم ويحرصون على ذلك بالطرق المختلفة المتاحة لهم، واريد أن أقول أن أبناء الصومال مهما اختلف انتمائهم القبلي أو العشائري، إلا أنهم دائما يفكرون في البقية فأنا من هرجيسة من الشمال ورغم ذلك أتابع أحداث الجنوب والعاصمة والأهل والأخوة، فما يمس مقديشو يمس جميع المدن، مثل بربرة وبرعة وكل المناطق الأخرى، لأن العاصمة إذا اشتكت، تشتكي جميع المناطق الأخرى، وهناك أيضا اتصالات عبر السياسيين الذين يخرجون من حين إلى آخر خارج البلاد ينقلون لنا الأخبار وما يحدث للأهل والعشيرة.
سويس انفو: هل تنسقون فيما بينكم لإرسال مساعدات للمتضررين من المدنيين في الصومال؟
سعد صوبان: كما تعلمون فإن الصومال مرت بحروب مختلفة؛ أولها حرب القبائل في عام 1988، ثم حرب مقديشو 1991، وما كنا نتمكن من إرسال مساعدات جماعية للقبائل، لأن توزيعها كان صعبا للغاية، فكل قبيلة كانت تريد المعونات لها أو الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن.
أما في وقت الفيضانات والكوارث الطبيعية مثل القحط أو المجاعة، فنحن نقوم بالتعاون مع بعض المؤسسات الخيرية السويسرية بجمع ما في استطاعتنا ونعتقد أن الآخرين بحاجة إليه، لإرساله إلى هناك، وكانت تجارب ناجحة، ولكن الآن الأمر مختلف، فإذا أردنا أن نرسل شيئا فلا نعرف لمن؟ فالدولة لا تحتاج لأن الولايات المتحدة تدعمها، وأعطت مبلغا غير قليل للرئيس عبد الله يوسف في نيروبي، ووعدت بمبالغ أخرى لدعم استقرار الأمن في العاصمة، أي للجنود.
إن توزيع المساعدات المالية بالتحديد في هذا الوقت أمر معقد وصعب للغاية فالقتال والمعارك منتشرة في كل بقعة ويسود البلاد الهرج والمرج وعدم الاستقرار بصورة غير عادية، ولا نرضى أن تكون عملية جمع الأموال والتبرعات لصالح فئة ضد فئة أخرى، بهذا سيؤجج الصراع ويلهب المشاعر، وما استمرار الحرب في الصومال إلا بسبب مثل هذه التبرعات التي تحرض على مواصلة القتال بين القبائل والعشائر.
سويس انفو: بحكم أنكم مقيمون هنا منذ سنوات فماذا تنتظرون من سويسرا الرسمية؟
سعد صوبان: نسقنا مع الحكومة السويسرية أيام دخول القوات الأمريكية إلى الصومال للمرة الأولى وبعثنا كجمعية وأشخاص برسائل احتجاجية على الأسلوب غير المتحضر الذي استخدمته الولايات المتحدة آنذاك وعدم احترامها للقوانين الدولية، والآن أيضا بعثنا برسائل احتجاج بشكل شخصي من أعضاء الجمعية وباسم الجالية أيضا، وحاولنا التعرف على رأي الجهات الرسمية مما يحدث في الصومال من خلال التواصل مع الأحزاب السياسية، ونرى أنها تتماشى مع وجهة النظر الأوروبية في أنها تستنكر دخول الإثيوبيين إلى البلاد بهذه الطريقة، وتستبعد أنها ستعمل على إحلال الأمن، ويتخوف السويسريون أيضا من عودة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل، وأن تعاني الصومال من نفس المقولة التي قيلت عن العراق بأنه تحرر من صدام حسين، فعندما يقولون بأن مقديشو تحررت من المحاكم الإسلامية، فهذه مغالطة لأنها تفتح باب المزايدات، فيختلط الحابل بالنابل، ليقول كل شخص ما يريد ضد من يريد، دون ضوابط أو معايير تتمتع بمصداقية عالية.
إننا نطالب سويسرا بالمساعدة من خلال فلسفة الحوار التي تجيدها الدبلوماسية السويسرية، أن تساعد على جمع شمل جميع العقلاء والمعتدلين سواء من أهل الخبرة أو العلمانيين أو الإسلاميين، لأن هذه الجهود العاقلة هي التي ستقف دون وقوع البلاد في يد الفرق المتشددة والمتطرفة التي ستدفع بها إلى المجهول، ولا نريد أن نعطي فرصة لتغليب المصالح الخاصة والأهواء القبلية على الصالح العام.
لقد تعلمنا في سويسرا لغة الحوار وأن يجلس الجميع على طاولة واحدة، ويستقر الجنوب مثلما استقرت بقية المناطق في الشمال أو بونت لاند، أي أن يحصل الجنوبيون أيضا على متنفس لهم، فإذا استمر هذا الحال من سرقة ونهب وأخذ ما للغير بدون وجه حق، فلن يستقيم الأمر في الصومال ولن تنعم بالهدوء والاستقرار، بل ستنتهز العصابات المسلحة هذه الفوضى للانقضاض على كل ما هو متاح للاستيلاء عليه، حتى وإن كان على حسبا دماء الصوماليين، وكل ما نطلبه ألا تنحاز سويسرا إلى فئة على حساب أخرى، بل نريد منهم النظر إلى الأمر بموضوعية وعقلانية، أي إعطاء الفرصة للاعتدال والعقلاء للمناقشة والعثور على الحلول الوسط.
سويس انفو: كيف تنظر الجالية إلى مستقبل الصومال، هل تعتقدون أنه سيتم تقسيم الصومال في نهاية المطاف؟ أم سيعود دولة موحدة ذات سيادة مستقلة؟
سعد صوبان: إن واقع الصومال الآن انه مقسم إلى دويلات وأقاليم منذ حرب 1991، وإذا نظرنا إلى القاعدة الشرعية “ما لا يردك كله لا يترك جله”، فنقول إذا لم يستقر الجنوب فلا محالة أن المطاف سينتهي به إلى التقسيم، مثلما حدث من قبل وقسم الاستعمار البلاد، فلدينا الصومالي الشمالي والوسط، وما بقي إلا الجنوب، فإذا هدأ ولو حتى بحكومة عميلة تابعة للخارج، فقد تعمل على الأقل على إحلال الأمن والاستقرار والخروج من تلك الفوضى، ولكن في ظل الاحتلال الإثيوبي فلا نرى إلا ضرورة التخلص من هذا الاحتلال أولا، ثم يرتب الجنوبيون أمورهم، ويستعيدون الاستقرار، وأعتقد أنه يمكن حينها أن يبحث الشمال والجنوب عن سبل التوحد مرة أخرى، وإذا رأوا عدم إمكانية العيش بين جدران بيت واحد مرة أخرى، فلا اقل من العيش كجيران مسالمين متحابين دون العداوة والبغضاء، فليس المهم رئيس واحد وعلم واحد والحكم من الشمال إلى الجنوب، بل المهم هو الإستقرار والأمان وإعادة ترتيب البيت الصومالي من جديد.
سويس انفو – تامر أبو العينين
يصل عدد الصوماليين في سويسرا إلى 2500 شخص وفق بيانات المكتب الفدرالي للإحصاء لعام 2000، أغلبهم يقطن في شرق سويسرا المتحدث بالألمانية، ويتركزون في كانتون زيورخ، الذي يضم أكثر من ربع الصوماليين في سويسرا.
تقدم جمعية الجالية الصومالية في زيورخ لأعضائها أنشطة ثقافية واجتماعية ورياضية وتشرف على مدرسة لتعليم أبناء الجيل الثاني اللغة والثقافة الصومالية، وتعتبر نفسها جسر التواصل بين الجالية في سويسرا وبين الصومال، ومع المجتمع السويسري أيضا والدوائر المعنية بشؤون اللاجئين والأجانب.
الأستاذ سعد صوبان من أبناء هرجيسة في شمال الصومال لجأ إلى سويسرا منذ عام1990، ويقيم في زيورخ، درس أعمال الإدراة والمبيعات والحسابات في زيورخ، يتولى منصب سكرتير الجميعة الصومالية في كانتون زيورخ ومن مؤسسيها، وله أنشطة اجتماعية وثقافية في خدمة الجالية، كما يدير المدرسة الصومالية في زيورخ منذ عام 1992.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.