“نظام القوائم السوداء يُوجّه رسالة مُدمّـرة إلى العالم”
صادقت اللجنة المعنية بالشؤون القانونية في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يوم الإثنين 12 نوفمبر الجاري في باريس على تقرير السويسري ديك مارتي حول القائمة السوداء لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للمشتبهين بالتورط في نشاطات إرهابية.
ودعت اللجنة إلى إعادة النظر “بشكل مستعجل” في آليات وضع تلك القائمة “التعسفية بالكامل ومنعدمة المصداقية”، آليات تجسد حسب المُقرر مارتي “انزلاقا خطيرا للديمقراطيات الغربية نحو الاستبداد في مكافحة الإرهاب وتبعث بـرسالة مدمرة إلى العالم”.
ندد السيد ديك مارتي، النائب عن الحزب الراديكالي في مجلس الشيوخ السويسري ورئيس لجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (مقره ستراسبورغ)، بالقائمة السوداء لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للمشتبهين بالتورط في أعمال إرهابية، قائلا إنها تنتهك حقوق الإنسان.
وفي مؤتمر صحفي عقده يوم الإثنين في باريس، شدد مارتي على أنه “باسم الحرب على الإرهاب، تقوم الأجهزة التنفيذية بصورة متزايدة، بالحد بقوة من مجال اختصاص السلطة القضائية، مضيفا “هذا يعني ضمنا، وهذه رسالة مدمرة، أن الحقوق الأساسية وسيادة القانون وحقوق الإنسان (…) لا تصلح إلا عندما تكون الأمور على ما يرام. أما في حالات الأزمات، فتنعدم قيمتها تماما”.
وتبنت لجنة القضايا القانونية للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تقرير السيد مارتي حول تلك القوائم التي تُدرج فيها أسماء أشخاص على أساس مجرد الاشتباه، وأحيانا، دون إبلاغها، ولا إمكانية الاستئناف ولا شطب أسمائها بعد التحقق من براءتها، حسب ما أكده تقرير المقرر السويسري.
ودعت اللجنة في بيان إلى إعادة النظر “بشكل مستعجل” في آليات تطبيق هذه اللوائح السوداء “التعسفية بالكاملة والمنعدمة المصداقية” على حد ما جاء في التقرير.
“دينامية تعسفية”
وفي عرضه لأبرز الاستنتاجات التي خلص إليها تقريره، قال السيد مارتي “إذا القينا نظرة على اللوائح السوداء، وعمليات الاحتجاز السري (…) في غوانتانامو، والتجميع الجديد للمعلومات حول كافة ركاب الطائرات، أَستنتجُ أن ثمة دينامية تعمل، باسم الحرب ضد الإرهاب، على أن تصبح الحقوق الأساسية مُقيدة بشكل متزايد، والحق في الدفاع وهمي أكثر فأكثر”.
وأضاف في تقريره الذي صدر يوم الأحد 11 نوفمبر الجاري “إن الممارسة الحالية التي تعتمد القوائم السوداء تنتهك الحقوق الأساسية وتضعف مصداقية الحرب الدولية ضد الإرهاب”.
ونوه إلى أن الأشخاص أو الشركات المُدرجة أسماؤها على تلك القوائم تواجه عقوبات فردية مثل تجميد ممتلكاتها أو حظر سفرها إلى الخارج. وندد مارتي بغياب “حقوق الدفاع” بالنسبة للأشخاص المسجلة على تلك اللوائح مشددا على أن “هذا الإجراء لا ينص على أي ضمانة بحقهم” خلافا للمعاهدات الدولية والأوروبية التي صادقت عليها كافة الدول المعنية.
وجاء في هذا التقرير الذي سيـُناقش في يناير القادم أمام نواب مجلس أوروبا في ستراسبورغ “إن العواقب قد تكون مأساوية على الحياة الشخصية والمهنية”، مذكرا أنه “في غالب الأحيان تقترح دولة ما إدراج اسم على اللائحة بدون تقديم أسباب مفصلة للجنة العقوبات التي تعطي موافقتها بدون الاستماع إلى الشخص المعني أو حتى إبلاغه بالأمر”.
اقتراحات الإنصاف.. وحالة يوسف ندا
ويقترح تقرير السيد مارتي أن يتم إبلاغ وإعلام الأشخاص المدرجين على القوائم بالاتهامات الموجهة ضدهم كي يتمكنوا من تأمين الدفاع عنهم واللجوء إلى هيئة مستقلة، وكي يتلقوا تعويضات في حال حصول انتهاك غير مبرر لحقوقهم. كما يدعو إلى شطب اسم من تثبت براءته من تلك اللوائح.
ويضيف المقرر السويسري “بصراحة، هذا الأمر يتجاوز الحد، فمثل هذا الإجراء غير قائم ومن المستحيل تقريبا سحب اسم من اللائحة السوداء، وهذا وضع غير شرعي وغير مقبول”.
واستشهد مارتي بحالة السيد يوسف ندا، التي شبه مضمونها بالأجواء الكئيبة لمؤلفات الكاتب التشيكي “فرانز كافكا”. ويُذكر أن السيد ندا هو رجل أعمال إيطالي مصري الأصل، وعضو جماعة الإخوان المسلمين، ومقيم مع عائلته منذ 30 عاما في جيب كامبيوني الإيطالي الذي يقع وسط كانتون تيتشينو جنوبي سويسرا.
وكانت الشبهات قد حامت حوله بالمشاركة في تمويل أحداث 11 سبتمبر 2001 قبل أن يُبرأ في 1 يونيو 2005 من قبل القضاء السويسري بعد تحقيق استمر أربع سنوات، إذ أصدر مكتب المدعي العام الفدرالي حكما بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى في التحقيق الأولي ضده، ليـُغلق الملف بسبب الافتقار للأدلة ولتـُقدم تعويضات بسيطة للسيد ندا.
وقال مارتي “حتى اليوم لا يزال اسمه (السيد ندا) على القائمة السوداء”، وقد حرم من ممتلكاته ومن حق السفر.
التزام أوروبي بتوضيح الأسباب
وتتضمن اللائحة السرية للأمم المتحدة أسماء 362 شخصا، و125 مؤسسة أو منظمة بحسب الأرقام التي قدمها حديثا السيد مارتي.
وتوضع القائمة السوداء من قبل لجنة يوجد مقرها بنيويورك (تعرف باسم لجنة 1267) أنشأت عام 1999 لمراقبة تطبيق العقوبات الصادرة في حق حركة طالبان في أفغانستان, ومنذ عام 2005، تم توسيع دور اللجنة ليشمل كافة الأفراد، والمجموعات أو المنظمات المتعاونة مع تنظيم القاعدة أو أسامة بن لادن أو طالبان.
وخلافا لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، فإن مجلس الاتحاد الأوروبي الذي وضع لائحة سوداء منفصلة، تعهد بتوجيه رسالة إلى الأشخاص والمجموعات المدرجة على القائمة لتوضيح أسباب وجودهم ضمنها. وتضم اللائحة 26 فردا و28 منظمة، مثل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” ومنظمة “إيتا” الانفصالية في إقليم باسك باسبانيا.
سويس انفو مع الوكـالات
استشهد المقرر الخاص لمجلس أوروبا، السيد ديك مارتي، في التقرير الذي عرضه يوم 12 نوفمبر 2007 في باريس أمام اللجنة المعنية بالشؤون القانونية في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بحالة يوسف ندا (78 عاما) المدرج في القائمة السوداء للأمم المتحدة للمشتبهين بالتورط في الإرهاب.
وقال عن هذه الحالة “تبدو القصة وكأنها من رواية لكافكا، (فرانز كافكا، الكاتب التشيكي الذي كان يكتب بالالمانية؛ 1883 – 1924)، لكنها مع الأسف تحكي وقائع تدور في القرن الحادي والعشرين تحت كنف الأمم المتحدة”.
وكان السيد مارتي قد استنذ في تقرير أولي نشره في أبريل 2007 في ستراسبورغ إلى حالة السيد ندا (مدير شركة “التقوى للإدارة” سابقا التي تحولت إلى منظمة “ندا للإدارة” في مدينة لوغانو جنوبي سويسرا، والذي سُجل اسمه في القائمة السوداء منذ خريف عام 2001 بزعم الاشتباه في تمويل الإرهاب الإسلامي، وهجمات 11 سبتمبر 2001).
وبعد تحقيق معمق تواصل أربـعة أعوام في قضية السيد ندا، أصدر مكتب المدعي العام الفدرالي يوم 1 يونيو 2005 حكما بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى في التحقيق الأولي ضده، ليـُغلق الملف بسبب الافتقار للأدلة ولتـُقدم تعويضات بسيطة له.
ورغم صدور هذا الحكم، ظل اسم السيد ندا مدرجا على القائمة السوداء، وبقيت ممتلكاته مجمدة، سواء في سويسرا أو الخارج. كما مُنع مبدئيا من مغادرة مكان إقامته بـ”كامبيوني”، وهو جيب إيطالي وسط أراضي كانتون تيشينو السويسري.
وقد حاول السيد ندا رفع دعوى مدنية ضد سويسرا لتعويضه عن الأضرار، لكن المبلغ الذي يجوز أن تمنحه المحكمة سيحجز على الفور وفقا لقرار مجلس الأمن.
كما طلب منذ مدة طويلة شطبه من هذه القائمة وبقرار رسمي من السلطات السويسرية “المحرجة على ما يبدو” حسب السيد مارتي الذي كان مدعيا عاما في كانتون تيتشينو. ووفقا لهذا الاخير، فان السلطات “لا تعرف جيدا حتى السلطة النهائية المخولة لاتخاذ قرار بهذا الشأن”، وهو ما لا يسمح في الوقت الراهن برفع التماس امام المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان.
ويضيف السيد مارتي: “كل هذا يحدث في جو من اللامبالاة”، مذكرا أن ممتلكات يوسف ندا “محجوزة منذ أكثر من خمس سنوات من دون تقديم اي دليل إثبات على إدانته”.
ويتساءل المقرر السويسري “إن يوسف ندا مسلم وعضو في حركة الاخوان لمسلمين (التي اسست في عام 1928 واصبحت القوة المعارضة الرئيسية في مصر)، وهذا لم يخفيه أبدا، فهل هذا يعتبر بعد خطأ كافيا؟ (…)إنها قصة مثالية تلخص قصصا كثيرة أخرى وتوضح خطورة تآكل حقوق الإنسان والحريات الأساسية” على حد تعبير مارتي.
وقد عرض على اللجنة يوم الإثنين في باريس شريط مصور يتضمن شهادة السيد ندا في هذه القضية.
(المصدر: سويس انفو مع وكالة الأنباء الفرنسية، بتاريخ 12 نوفمبر 2007)
7 يناير 1945: ولد ديك مارتي في بلدة سورينغو قرب لوغانو جنوب سويسرا. متزوج وله 3 بنات.
1974: حصل على الدكتوراة في الحقوق بعد دراسات جامعية في جامعة نوشاتيل وفرايبورغ بألمانيا.
1975-1989: تقلد منصب نائب المدعي العام والمدعي العام في كانتون تيتشينو.
1989-1995: وزير في الحكومة المحلية لكانتون تيتشينو.
منذ 1995: نائب عن الحزب الراديكالي في مجلس الشيوخ السويسري
منذ 1998: نائب في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
منذ 2005: رئيس للجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
يوم 10 نوفمبر 2007: حصل على جائزة 2007 من الجمعية الدولية لحقوق الإنسان (مقرها فرانكفورت بألمانيا)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.