“نـحن لا نتـخلـّى عن لبـنـان”
هذه العبارة وردت أكثر من مرة في الحديث الهاتفي الذي أجرته سويس انفو يوم 4 أغسطس الجاري مع السفير السويسري لدى بيروت فرانسوا باراس.
وقدم السيد باراس تقييما لما وصفه بـ”المأساة الحقيقية” في لبنان، وحصيلة للتحركات السويسرية على الميدان.
سويس انفو: تم قبل يومين إجلاء آخر المواطنين السويسريين من لبنان. ما هي حصيلة هذه العمليات؟
السفير فرانسوا باراس: لم تكن عمليات إجلاء، بل بالأحرى مساعدة السويسريين الراغبين في مغادرة لبنان على العودة إلى الوطن. ومازال عدد لا بأس به من الرعايا السويسريين هنا. فقد احتفلنا بعيدنا الوطني يوم 1 أغسطس، واستدعيت 120 من مواطنينا.
سويس انفو: ما هي المشاكل الرئيسية التي واجهتموها وكيف توصلتم إلى حلها؟
السفير فرانسوا باراس: في البداية، تلقينا مكالمات هاتفية كثيرة. كما توجـّب علينا الاتصال بكافة المواطنين المُسجلين في السفارة. واقتضى الأمر إنشاء نظام لإدارة الوضع بمـُساعدة متطوعين. ولم تجر الأمور بشكل سيء.
لكن الاتصال الدائم مع المواطنين المُسجلين لدينا، خاصة في جنوب لبنان، كان صعبا، حتى أن بعضهم ظل منعزلة لفترة.
سويس انفو: الآن، وبعد أن رحل المواطنون السويسريون الراغبون في العودة، ما هي أوليتكم كـسفير سويسرا لدى بيروت؟
السفير فرانسوا باراس: نحن دخلنا مرحلة ثانية، تتمثل في المساعدة الإنسانية. لدينا فريق، يضم أطباء ومتخصصين في المياه والإمدادات اللوجستية، يعمل منذ عشرة أيام تقريبا على الميدان بالتعاون مع السلطات اللبنانية.
وقام هذا الفريق على الخصوص ببناء مخيمات لإيواء النازحين الذين يقدر عددهم بـ700 ألف إلى مليون شخص. لقد أخلي جنوب البلاد من سكانه، وتدفقوا على وسط وشمال البلاد.
أما الرسالة التي نريد إبلاغها من خلال هذه المساعدة الإنسانية فهي: “نحن لا نتخلى عن لبنان. نحن معكم في هذه الأوقات العصيبة”.
سويس انفو: أين تقف سويسرا ميدانيا على المستوى الدبلوماسي والسياسي؟
السفير فرانسوا باراس: نحن لدينا دور خاص بوصفنا حارس معاهدات جنيف (سويسرا هي الدولة المؤتمنة على معاهدات جنيف، التحرير). ويكمن دور سويسرا في إدانة انتهاكات هذه الاتفاقيات. وأُوضح هنا أن هذا ليس له علاقة بالحياد السويسري: إنه الدفاع عن مبدأ.
كما أن لدينا حظ التواصل مع مختلف أطراف النزاع، ونحن رهن إشارتهم.
سويس انفو: بحكم تواجدكم في عين المكان، كيف تقـيـّمون الوضع الحالي في لبنان؟
السفير فرانسوا باراس: خلال الأيام الخمسة عشر الأولى من الأزمة، لم يتوفر لدينا الوقت للتفكير فيما كان جاريا. فقد اضطرتنا الأوضاع للتركيز على تنظيم عمليات عودة الرعايا، وعـمٍلنا تقريبا ليلا نهارا. أما الآن، فندرك شيئا فشيئا ما يعيشه لبنان، إنها مـأساة حقيقية.
قبل ثلاثة أسابيع فقط، كنا نعيش فصل الصيف وكانت فترة المهرجانات على وشك البداية بالدورة الخمسين لمهرجان بعلبك. إنني أشعر بعطف كبير جدا إزاء اللبنانيين الذين يرون جهودهم لإعادة بناء هذا البلد تـُدمـّرُ مرة أخرى بعد قرابة عشرين عاما من الحرب الأهلية، ثم اغتيال رفيق الحريري (رئيس الوزراء اللبناني السابق يوم 14 فبراير 2004، التحرير).
لقد دُمرت البنى التحتية… كأنها لعنة، وهذا مؤلم جدا لأن بلاد الأرز لديها قيم إيجابية جدا. إن هذا البلد له قيمةُ “حاملٍ لرسالة” في هذا الجزء من العالم، إذ تتعايش فيه 18 طائفة. إنها ديمقراطية، إنه بلد كان يريد أن ينطلق من جديد، وهاهي تـُوجه إليه ضربة شبه قاضية.
سويس انفو: لكن كيف يمكن وصف الحياة اليومية للسكان، على مستوى الأمن، والحصول على الماء الصالح للشرب، والكهرباء، والأغذية والأدوية؟
السفير فرانسوا باراس: إن الأوضاع تختلف حسب المناطق. ففي بيروت، مازالت المتاجر مُمونة بالسلع، لكن هنالك طوابير انتظار طويلة أمام محطات الوقود لأن الجميع يخشى من الافتقار للنفط في المستقبل. لقد تم عزل لبنان بالحصار الجوي والبحري، والآن انقطعت أيضا الطرق الرئيسية على الميدان.
سويس انفو: أنتم استلمتم منصبكم في لبنان منذ شهر مارس 2006، أتصور أنكم لم تكونوا تـتوقعون أن يحدث كل هذا…
السفير فرانسوا باراس: لا، بالفعل. لدي معرفة لا بأس بها بالشرق الأوسط الذي أحبه كثيرا. كنت مُلما بالتوتر والأخطار. لكنني اعتقدت أنني قدمت لبلد كان بصدد النهوض وكان يحاول ضمان التعايش بين مختلف الجاليات في منطقة من العالم يطبعها التطرف.
كنت أيضا بصدد التحضير لمعرض الكتاب الذي يُفترض أن يـُفتتح في أكتوبر، ودعيت له عددا كبيرا من المهنيين السويسريين في مجال الكـُتب. وآمل أن تتم هذه التظاهرة لأن الرسالة التي نريد توجيهها للبنان اليوم هي أننا لا نتخلى عنه.
سويس انفو – ماتياس فروادفو
(نقلته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)
السيد فرانسوا باراس من مواليد عام 1952 في مدينة سيير بكانتون فالي.
حصل على إجازة في الحقوق من جامعة جنيف وعلى شهادة الدكتوراه في الأنتروبولوجيا (علم الإنسان) من جامعة لندن.
التحق بوزارة الخارجية السويسرية عام 1986، وقام بفترة تدريبية في برن وتل أبيب.
في عام 1989، أصبح مسؤولا عن الشؤون الثقافية في السفارة السويسرية في واشنطن، ثم مساعدا أولا لرئيس البعثة السويسرية في مكسيكو عام 1994. وفي عام 1999، عُين سفيرا في الإمارات العربية المتحدة.
في عام 2003، عُين قنصلا عاما في هونغ كونغ وماكاو، ومنذ مارس 2006، أصبح سفيرا فوق العادة ومفوضا لسويسرا في الجمهورية اللبنانية.
منذ اندلاع المواجهة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني يوم 12 يوليو الماضي، رصدت سويسرا مبلغ 5,2 مليون فرنك لفائدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما أرسلت 800 كيلوغراما من الأدوية و7 أطنان من المعدات.
تم ترحيل أكثر من 920 مواطنا سويسريا من لبنان. وغادر 15 آخرون بلاد الأرز يوم الأربعاء 2 أغسطس الجاري في آخر عملية لإعادة من يرغبون في ذلك إلى الوطن.
قصفت القوات الجوية الإسرائيلية يوم الجمعة 4 أغسطس أربعة جسور على الطريق الساحلية السريعة الرابطة بين بيروت وشمال البلاد، وهي طريق رئيسية بين لبنان وسوريا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.