مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نـفـايـات نـوويـة تبحث عن مـقـبـرة

مفاعل بينتسناو النووي في كانتون آرغاو (وسط سويسرا) أثناء اجراء عمليات الصيانة الدورية له في شهر أغسطس 2003 Keystone

تشارك إحدى المنظمات الخاصة الحكومة السويسرية في برنامج مشترك مع بعض الدول الأوروبية للتوصل إلى حل عاجل لمشكلة التخلص من النفايات النووية المشعة.

من جانبها، أعلنت السلطات الفدرالية أن الحل يجب أن ينبع من الداخل السويسري، وألا يعتمد على الخارج.

مشكلة التخلص من النفايات النووية المشعة على اختلاف درجاتها، واحدة من الملفات التي تؤرق المؤسسات التي تدير شبكات الطاقة على وجه الخصوص، حيث يجب عليها التفكير بشكل مستمر في إيجاد حل لهذه المشكلة حتى عام 2019، وهو الموعد الذي يوافق تاريخ نهاية العمل في آخر المفاعلات النووية في سويسرا.

ذلك التاريخ لن يشكل بدوره نهاية للمشكلة، ذلك أن البحث سيكون على أشده من أجل التخلص من المعدات والأجسام والبقايا الناجمة عن تفكيك المفاعلات السويسرية، التي ستكون هي الأخرى مصدرا للإشعاعات بدرجات متفاوتة.

وعلى الرغم من انتشار مفاعلات الطاقة النووية والذرية في بلدان كثيرة، إلا أن أيا من تلك الدول لم تعلن رسميا حتى الآن بأن لديها مقبرة مخصصة لدفن النفايات المشعة مثلما صرح بذلك أنطون دراير المتحدث باسم قسم الأمن في مفاعل فورينلينغن إلى سويس إنفو.

ويضيف دراير، بأن أول دولة أعلنت أنها ستقوم ببناء مخزن مخصص لذلك هي فنلندا، ولكن العمل فيه سيستغرق سنوات طويلة قبل أن يبدأ في استقبال النفايات النووية.

“مشكلة قومية خطيرة”

أما في سويسرا، وعلى الرغم من وجود هيئة معنية بهذا الشأن، فلم يتمكن الخبراء والمتخصصون من العثور على المكان المناسب لبناء مثل ذلك المستودع أو المقبرة، للتخلص من النفايات النووية التي يمكن أن يستمر إصدار إشعاعاتها لمئات الآلاف من السنين.

وكانت سويسرا قد اقترحت إنشاء مقبرة لنفاياتها النووية في كانتون نيدفالدن في وسط البلاد، ورغم موافقة الحكومة المحلية على المشروع، إلا أن الناخبين رفضوه مرتين في استفتاء شعبي عام، مما جعل المسؤولون يعدلون النظر عن هذا الكانتون، الذي كان ينظر إليه الخبراء على أنه مثالي، نظرا لوجود مساحات واسعة وغير مستغلة فيه، إلا أن الخوف من تسرب الإشعاعات وتأثيرها على البيئة أثار مخاوف المواطنين – رغم تطمينات الخبراء – فرفضوه في المرة الأولى بفارق ضئيل في الأصوات، وفي المناسبة الثانية بأغلبية كبيرة.

وقد أدى هذا الرفض إلى وقوع الحكومة الفدرالية في مأزق حرج، قاد إلى تغيير في العلاقة بين واضعي القوانين والسلطات المحلية، حيث بات من الصعب على الكانتونات اتخاذ القرارات النهائية بشأن ما تراه برن هاما وحاسما بخصوص الأقبية والمخابئ الواقعة تحت الأرض.

ويقول هانز إسلر رئيس الجمعية السويسرية للتخلص من النفايات المشعة أنه يجب على الكنفدرالية العمل بوتيرة أسرع للعثور على حل لتلك المشكلة بشكل دائم وحتى عام 2040، ويضيف: “يجب أن يكون ذلك على رأس أولويات الحكومة لأنها مشكلة قومية خطيرة”.

أما العثور على هذا المكان خارج أراضي الكنفدرالية فهو أمر حساس للغاية، فعلى الرغم من أن سويسرا سوف تتعهد بأنه سيتم إنجاز المبنى (أي المقبرة) بنفس المواصفات التقنية وخاصة من ناحية المواد العازلة لضمان عدم تسرب أية إشعاعات منه، إلا أنه لابد أن يقع الإختيار على دولة تتمتع بالاستقرار السياسي وألا يتعارض المشروع مع تشريعاتها.

البحث عن حل أوروبي مشترك

ونظرا لأن مشكلة التخلص من النفايات النووية لا تقتصر على سويسرا فقط، بل تشمل جميع الدول الصناعية، فكان من المنطقي أن يفكر الأوروبيون في إمكانية التوصل إلى حل جماعي مشترك.

وقد أدت المفاوضات والمباحثات التي دارت بين القانونيين من ناحية والعلماء من جهة أخرى إلى تشكيل هيئة تعرف اختصارا باسم SAPIERR والتي من المفترض أن تقدم خلال عامين القواعد الأساسية والخطوط العريضة لإنشاء أول مركز أوروبي متعدد الجنسيات للتخلص من النفايات النووية، لاسيما تلك ذات العمر الإشعاعي طويل المدى.

وقد شاركت سويسرا في تلك المفاوضات على الرغم من أنها ليست عضوا في الاتحاد الأوربي، إلا أن وضعها الجغرافي يفرض على الطرفين الجلوس إلى طاولة واحدة ومناقشة تلك القضية والمشاركة في حلها.

ولا تقتصر المشاركة السويسرية على الحوارات والأفكار، بل تشمل التمويل، حيث خصصت برن 220 ألف فرنك في إطار ميزانية البرنامج الأوروبي السادس للبحث العلمي والتنمية التقنية، بغرض التنسيق بين الموقفين السويسري والأوروبي، وهو عمل كُـلـفت به إحدى المؤسسات الخاصة.

غياب الكبار

أما اللافت للنظر في تلك المشاورات فهو أنها تضم بلجيكا وايطاليا والنمسا، ومعهم الأعضاء الجدد في الاتحاد الاوروبي، بينما تغيبت عنها كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، على الرغم من ضلوع الدول الثلاث في مجال الطاقة النووية سواء على مستوى الإنتاج أو التقنيات والأبحاث وتقدمها بخطوات واسعة على الدول سالفة الذكر.

وقد يرجع إحجام الدول الثلاث عن المشاركة في هذا البرنامج إلى قيامها بالتخطيط لوضع حلول لمشكلة التخلص من النفايات النووية بشكل منفرد وعلى صعيد داخلي، إضافة إلى أن فرنسا تحاول من خلال المباحثات المشتركة أن تنأى بنفسها عن المشاركة في صنع القرار، مما يعطي الانطباع بأنها تريد اختيار طريق منفصل لحل تلك المشكلة.

ويطرح غياب الكبار التساؤل عن الهدف من إصرار سويسرا على الحل الجماعي، ولماذا لا تلتجئ إلى البحث عن مقبرة لنفاياتها النووية في الخارج في دولة مثل روسيا على سبيل المثال، بعد أن تحول العثور على مكان داخل حدود الكنفدرالية أمرا شبه مستحيل.

سويسرا والتزاماتها

وتقول السيدة ماريانا تسوند من المكتب الفدرالي للطاقة بأن البحث عن حل في الخارج قد لا يكون معقدا من الناحية السياسية بقدر ما يمثل مشكلة أو مسؤولية أدبية ذات بعد اجتماعي. من جهة أخرى لا تعتقد السيدة تسوند بأن الرأي العام سيوافق على تصدير النفايات النووية المشعة التي ينتجها هو بنفسه لدفنها في أراض غير سويسرية، ولذا تجد أنه “من الضروري أن يكون الحل نابعا من داخل الكونفدرالية” على حد قولها.

ومن الواضح أن تفكير المسؤولة في المكتب الفدرالي للطاقة يسير في الاتجاه الصحيح، فقد أعلن الفرع السويسري لمنظمة السلام الأخضر المعنية بحماية البيئة، بأن الكونفدرالية التزمت رسميا بأن يكون حل مشكلة النفايات النووية المشعة داخليا.

ويقول مدير المنظمة ايف تسينغر في حديثه إلى سويس انفو، بأن من يطرحون حل إبعاد النفايات إلى الخارج يطبقون المثل القائل “البعيد عن العين، بعيد عن القلب” لإزاحة المشكلة إلى مكان آخر، ويشير إلى أن بلدا مثل روسيا لم تعتمد حتى الآن المعايير الأوربية في التعامل مع النفايات النووية المشعة، وهو ما يشكل خطرا كبيرا إذا ما فكرت سويسرا في اللجوء إلى أراضيها لدفن تلك النفايات الخطرة فيها.

لذلك من المتوقع أن يتم التركيز في المناقشات التي تجريها سويسرا في إطار تلك المنظمة الخاصة مع مجموعة من الدول الأوروبية (أغلبها انضمت مؤخرا إلى الاتحاد الأوروبي)، منصبا على إيجاد حل مشترك بين البلدان المشاركة.

ولازال من غير الواضح الآن ما إذا كانت الأمور تسير في اتجاه التوافق على استغلال أراضي دولة معينة، أم إيجاد صيغة مشتركة تساهم في حل المعضلة بشكل يتحمل الجميع تكاليفها المادية وتبعاتها السلبية على حد سواء.

سويس أنفو

يوجد في سويسرا 5 مفاعلات نووية، تم تشييد أولها في عام 1969 في بينتسناو.
تحصل سويسرا على 40% من طاقتها من المفاعلات الخمس، ولم تتوصل إلى الآن إلى حل نهائي للتخلص من نفاياتها النووية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية