هدنة بالعربي والعبري!
تحدث الفلسطينيون والإسرائيليون عن هدنة، كل بلغته ومعانيه، بينما تسعى الإدارة الأمريكية ومعها مصر لوضع صياغة واحدة لاتفاق وقف إطلاق نار.
المهمة الصعبة المنال، معلقةٌ بأسباب تطال مواقف أطراف المواجهة، بل تصيبها في أساس قوتها وضعفها.
يريد الفلسطينيون هدنة تحمل المعنى اللغوي للكلمة، وقفا للحرب حتى التوصل إلي شروط الصلح. أما إسرائيل، التي لا تحمل لغتها العبرية من مفردات الهدنة سوى مصطلح وقف “إطلاق نار”، فتروج لاتفاق ينزع صفة الشرعية عن المقاومة الفلسطينية.
إسرائيل تخاطب شعبها في سياق الترويج لوقف إطلاق النار، مستخدمة كلمة هدنة بأحرفها العربية ولفظها العبري والاهم بروحها الدينية، التي يترجمها الشارع الإسرائيلي على الفور بأنها استراحة المحارب وليست “افسكات ايش” أو وقف إطلاق النار باللفظ والمعنى العبري للكلمة.
في الجانب الفلسطيني، يسير الخطاب السياسي على وقع الضغوط الأمريكية والدولية، حيث تنزع الحكومة صفة المقاومة عن عمليات حماس الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين وحتى عن هجمات المقاومة ضد الجنود والمستوطنين، كما جاء على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني مؤخرا.
في دوامة اللغة هذه، تنجح الأطراف في دفع محادثاتها حول الهدنة أو وقف إطلاق النار نحو الجهة التي تريد، وتغلف الهدف بالصفات التي تريد وتلونه وفقا لخيارات المرحلة القائمة.
إصرار أمريكي .. ولكن!
هكذا راحت أطراف الحرب الدائرة في الأراضي المحتلة وإسرائيل تعمل كل وفق أدواته وهامش مناورته، لاتفاق تصر الإدارة الأمريكية أن يخرج للنور بالرغم من كل التناقض الذي يغلف مواقف الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
تعمل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، كما يدل انخراطها المكثف الأخير في مساعي الهدنة، جاهدة حتى لا تضيع بوصلة خارطة الطريق التي وضعتها بعد طول انتظار وتردد عن التدخل المباشر في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكن ظروف الزمان والمكان تغيرت. فأمريكا قوة محتلة في العراق القريبة والانتخابات الرئاسية على الأبواب، ولابد لسيد العالم أن يظهر براعته وقدرته في البقعة الحاضنة لواحد من أطول الصراعات وأكثرها تأثيرا، صراع الأرض المقدسة.
الفرصة الآن مهيأة لتحقيق اتفاق، أي اتفاق في المواجهة الدامية التي شارفت على دخول عامها الثالث، دون أن ينجح أي طرف في كسر الأخر، ودون تسجيل انتصار دبلوماسي يتيم واحد حتى ألان .
لكل أسبابه!
تقف محادثات الهدنة الفلسطينية الإسرائيلية، التي لم تحبطها حدة المواجهة واندفاعها نحو أعلى درجات العنف والعنف المتبادل، عند نقطة رئيسية واحدة تكاد تكون بمثابة روح الاتفاق، وهي التناقض ذاته الذي يحرم الفرصة من اخذ أكُلها: إنها المخاوف التي تصيب القادرين على إطالة لعبة الموت جراء الكشف عن مكامن قوتهم وأسباب ضعفهم.
في المقام الأول، تأتي إسرائيل إلى طاولة محادثات الهدنة بشرط تجريد المقاومة الفلسطينية من كل أسباب استمرارها: عدة وعتادا وخطابا. و في هذا السياق، كان طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي لنظيره الفلسطيني محمود عباس: يجب أن تسحقهم.
لا يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى حديث الهدنة لطلب سحق المقاومة نهائيا، فهو يريد استمراره في حصار الفلسطينيين حتى يذهب إلى خطة خارطة الطريق وفق بوصلته هو.
شارون يريد من محادثات الهدنة أن تمنحه الأسباب الكافية للخوض في اتفاق عدم اعتداء “وقف إطلاق نار” مع الفلسطينيين، وليس الدخول في مفاوضات سياسية تسمح بها شروط الهدنة بمعناها العربي والسياسي.
الفلسطينيون بدورهم، منقسمون بين السلطة، تدعمها شبه غالبية في حركة فتح، التي ترى في فرصة الهدنة أيضا مناسبة لإعادة سيطرتها وهيبتها التي طوحت بها عمليات المقاومة كما طوحت بها آليات الجيش الإسرائيلي خلال أعوام إعادة الاحتلال الأخيرة.
الدائرة تضيق!
في المقابل، تقف حركات وفصائل المعارضة، تقودها في ذلك حركة حماس الإسلامية، التي تدري أن الخناق يضيق عليها في الخارج والداخل، وأنه لا مناص من توجهها إلى اتفاق غير مباشر مع إسرائيل ومباشر مع السلطة.
تحتار حماس في ضرورة الخروج بأقل الخسائر أو تحقيق بعض المكاسب. لذلك، تصر على ربط إطلاق سراح مجموعة القادة المحليين وعلى رأسهم مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية والقائد غير المنصب للانتفاضة والمتحدث باسمها.
حماس التي تضع شروطا أخرى، ترى في خروج البرغوثي إنجازا لها على صعيدين. أولها، أمام الشارع الفلسطيني ليعطيها تذكرة الموافقة على وقف المقاومة. وثانيها، انه صاحب مشروع ضم القوى الفلسطينية تحت لواء الانتفاضة، يستطيع أيضا أن يكون صاحب مشروع جمعها من جديد، بما فيها حماس، تحت لواء مرحلة ما بعد الانتفاضة.
تشبه محادثات الهدنة الفلسطينية الإسرائيلية، كل مراحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني السابقة، غير أن الذاكرة قصيرة.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.