هروب جماعي مثير للدهشة وللتساؤلات
خلف هروب أكثر من عشرين سجينا بينهم أعضاء خطرين في تنظيم القاعدة من سجن يمني تساؤلات ومخاوف العديد من الأوساط المحلية والخارجية.
وعُـدّ هروب 23 سجينا من سجن الأمن السياسي الذي يعتبر أهم القلاع الأمنية في البلاد عملية نوعية مثيرة للدهشة بل غير مسبوقة في اليمن.
خلف هروب أكثر من عشرين سجينا بينهم اعضاء خطرين في تنظيم القاعدة من سجن يمني تساؤلات ومخاوف العديد من الأوساط المحلية والخارجية.
وعد هروب 23 سجينا من سجن الأمن السياسي الذي يعتبر أهم القلاع الأمنية في البلاد عملية نوعية مثيرة للدهشة غير مسبوقة في البلاد عندما استطاع نزلاء السجن من مغادرة مكان احتجازهم عبر نفق بعمق 10 متر وبطول أزيد من 140 مترا يمتد من زنزانتهم إلى احد المساجد القريب من السجن .
وبدت خطة هروب السجناء المنتمين لتنظيم القاعدة المحكمة للغاية محرجة جدا للسلطات اليمنية التي تخوض حملة لمكافحة الإرهاب لاسيما أن من بينهم مطلوبين للولايات المتحدة مثل جابر ألبنا (39 عاما، أمريكي الجنسية من أصل يمني) ويعده مكتب التحقيقات الفيدرالية الداعم الأساس لخلية بلاكاوانا، وواحد من اخطر ستة من عناصر تلك الخلية الذين تلقوا تدريبات في معسكرات القاعدة بأفغانستان مما دفع واشنطن إلى رصد مكافأة بمبلغ 5 مليون دولار لمن يدلي بأي معلومات تقود للقبض على ألبنا.
انتكاسة وموقف خطير
ومن بين الفارين 9 من المحكومين بتفجير ناقلة النفط الفرنسية ( ليمبرج ) قبالة ميناء المكلاء بمحافظة حضرموت عام 2002 فضلا عن جمال بدوي العقل المدبر لتفجير المدمرة الأمريكية ( إس إس كول ) الذي أودى بحياة 17 بحارا أمريكيا بميناء عدن في أكتوبر من العام 2000، وكان بدوي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 15 سنة حوكم بها تخفيفا لعقوبة الإعدام التي كانت محكمة يمنية قضت بها أواخر العام 2004.
وترى العديد من الأوساط في لهروب الجماعي لأفراد تنظيم القاعدة عملية منظمة تمثل انتكاسة محققة للجهود اليمنية في مجال محاربة الإرهاب التي تخوضها صنعاء بالشراكة مع واشنطن منذ عام 2001 كما أنها مثيرة للتساؤلات والمخاوف نتيجة للطابع النوعي لهذه العملية والغموض الذي مازال يلفها بعد مرور أزيد من أسبوع على حدوثها دون الوصول للفارين على الرغم الاستنفار الأمني لتطويق الهاربين داخليا وخارجيا الذي أعلنته السلطات اليمنية والولايات المتحدة الأمريكية والدول المجاورة لليمن.
فقد دفعت تلك المخاوف إلى تحركات أمنية مكثفة داخليا وخارجيا وأعلن مكتب المباحث الفدرالي الاميركي (أف. بي . آي) متابعته عن كثب للموقف بعد فرار المحتجزين وانتشرت قبالة الشواطي اليمنية حركة مكثفة للبوارج الأمريكية عن متسللين منهم خارج التراب اليمني وبالمقابل كثفت قوات الأمن والجيش السعودي من مراقبتها للمنطقة الحدودية بين البلدين على الحدود اليمنية السعودية.
في الأثناء تشهد مداخل المدن اليمنية وشوارعها حملات تفتيش مكثفة على السيارات والأفراد بحثا عن الملاحقين ونشرت الصحف اليمنية صور السجناء الفارين فيما كثفت من حراسة المنشئات والمصالح الغربية. وبادرت لندن على إثر هذه العملية قررت إلغاء زيارة إحدى سفنها الحربية إلى ميناء عدن اليمني فيما أحيل عدد من المسئولين عن السجن للتحقيق القضائي.
وهكذا تتسارع ردود الفعل بوتائر عالية مما يدل على مدى خطورة الموقف تحسبا لتنفيذ عمليات من قبل عناصر باتت تتساوى لديها فرص الحياة والموت بل وترى في هذا الأخير خلاصها.
افتراضات وتأويلات متباينة
في هذا اليم المتلاطم من تفاعلات الحدث وتداعياته، أثارت العديد من الأوساط السياسية اليمنية الكثير من التساؤلات وشككت صحف معارضة بأن تكون عملية هروب السجناء قد تمت دون مساعدة وتواطئ رجال الأمن وحراس السجن.
وزعمت بعض الأوساط الإعلامية أن هذه العملية النوعية تمثل “تهريبا لاهروبا”، ملمحة بذلك إلى ما تسميه بوجود علاقات تربط بين بعض المتشددين الإسلاميين وشخصيات نافذة في السلطة والمجتمع القبلي. ونحى هذا المنحى المحامي والحقوقي اليمني خالد ألأنسي الذي يتولى الدفاع عن المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة فلم يخف خشيته من أن تكون عملية الهروب مدبرة بين السلطات اليمنية والإدارة الأمريكية بغاية إيجاد مخرج للسلطات اليمنية من المسؤولية المترتبة عن تسليمها مواطنيها لواشنطن لأن الدستور اليمني يحظر تسليم المواطنين اليمنيين لدول أخرى.
وبالتالي لا يستبعد الحقوقي اليمني أن تكون العملية مدبرة ضمن سيناريو سيفضي حسب اعتقاده إلى القبض على المطلوبين أمريكيا خارج الإقليم الجغرافي اليمني وترحيلهم إلى حيث تريد واشنطن مما يسقط عن السلطات اليمنية تبعات تفريطها بسيادتها وبحياة مواطنيها على غرار ما حصل في نوفمبر من سنة 2002 عندما قامت طائرة أمريكية من دون طيار بقصف سيارة أحد المطلوبين اليمنيين (أبو علي الحارثي) المتهم بزعامته لتنظيم القاعدة في اليمن وكانت تلك الحادثة قد جرت على الحكومة اليمنية انتقادات واسعة داخلية وخارجية وسببت لها حرجا شديدا.
مع تعدد الافتراضات وتباين التأويلات وفي ظل غياب إجابات واضحة من السلطات اليمنية حيال تطورات الأمور تبقى أصابع الاتهام في كل الأحوال موجهة لسلطات الأمن تارة بالتقصير وتارة بشيوع الفساد بين بعض أفرادها مما مكن تنظيم القاعدة من اختراقها إلى الدرجة التي أتاحت لهم حفر نفق بهذا الطول تتخلله جدران خرسانية في كل من مبنى السجن والمسجد الذي نفذوا إليه دون أن يثير ذلك انتباه مسئولي السجن أو حراسه.
إشكالية الفساد
التبريرات الأولية تذهب إلى أن الفارين كانوا يفتعلون دائما جلبة صاخبة للتغطية على أصوات حفر النفق لكن مع ذلك يبقى السؤال المطروح بشدة حتى لدى رجل الشارع العادي هو: كيف اختفت وأخفيت عن الأعين الأتربة المستخرجة من حفر نفق بهذه الضخامة ودون أن يشعر أحد بالأمر؟
الإجابات على مثل هذا التساؤل – وإن تعددت – تلتقي على أن ذلك الحدث يعد بكل المقاييس مؤشرا دالا على ضعف ووهن قوات الأمن اليمنية هذا إذا لم يكن هناك تواطؤ من داخل صفوفها.
أما إذا اتضح عكس ذلك فإن ذلك يعني طرح قضية الفساد بين بعض المنتمين إلى هذه المؤسسة وفي هذه الحالة (وإذا لم يكن هناك من دوافع أخرى وراء العملية) فإنها ستطرح مجددا إشكالية الفساد على المحك لأنها جاءت في ظرفية تحتل فيها قضية محاربة الفساد أولوية قصوى في أجندة الحكومة اليمنية بعد أن تزايدت مطالب الدولية بوضع حد لهذه الإشكالية.
وقد يعني هذا تسليط المزيد من الضوء على المشكلة وبالتالي سوف تزداد حجم الضغوط على السلطات اليمنية المطالبة من قبل المانحين والداعمين الدوليين بتبني سياسة عملية وإجرائية لمكافحة الفساد تقوم على المسأءلة والنزاهة والشفافية حتى تستفيد البلاد من المساعدات والدعم المقدم من الدول المانحة لليمن الذي يعاني من ندرة الموارد ومن سوء إدارة تلك الموارد طبقا لما أوردته العديد من التقارير الصادرة في الآونة الأخيرة عن كثير من المؤسسات التنموية والمالية الدولية.
ويرى المراقبون في التحذيرات التي صدرت من أكثر من جهة بشأن ما أسمته بتراخي الأجهزة الأمنية وتواطئ السلطات مع الهاربين معطى جديدا يصب في هذا الاتجاه وقد يعمل على تحول ملحوظ في مسار الشراكة اليمنية مع واشنطن والدول الأخرى في مجال محاربة الإرهاب ومكافحة الفساد.
ولعل قادم الأيام بما قد تحمله من تطورات بشأن مصير الفارين من أعضاء تنظيم القاعدة وملابسات هروبهم سيمثل الإجابة الشافية التي بها ستتحدد كثير ملامح الحقبة المقبلة ليس فقط في مسار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومحاربة الفساد بل وفي مسار ووجهة الدعم الذي تقدمه الكثير من البلدان الغنية لهذا البلد الفقير خاصة أن بعض ردود الفعل الغربية الأولية وفي سياق المخاوف من هجمات إرهابية جديدة قد جاءت مشحونة بشكوك صريحة في وجود شركاء من داخل السلطة سهلوا عملية الفرار الجماعي.
ومن ثم فإن ذلك يحتم على صنعاء دحض تلك الشكوك وتهدئة المخاوف التي خلفها هذا الهروب المثير للدهشة الذي أعاد للأذهان مجددا شبح تنظيم القاعدة وعُـدّ بمثابة انتكاسة للجهود اليمنية في ميدان مكافحة الإرهاب.
عبدالكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.