مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هزة جديدة في العالم العربي

أذهلت المبررات التي أعلنتها تونس لشرح أسباب تأجيل القمة العواصم العربية التي لم تعرف كيف تردّ عليها Keystone

في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس المصري لقاءاته واتصالاته مع القادة العرب من أجل تحديد موعد ومكان جديد لعقد القمة العربية، لا زال قرار التأجيل لُـغزا.

ويبدو أن مفاتيح طلسم القرار ترتبط بثلاث محطات أساسية تخلّـلت مسار التحضير للقمة، إضافة إلى تغيّـب عدد كبير من القادة العرب عن الاجتماع.

فجأة، انفتح باب القاعة الرئيسية في المبنى الفخم لمجلس وزراء الداخلية العرب في “ضفاف البحيرة”، الحي الراقي الجديد الذي يقع عند أطراف العاصمة التونسية، واندفع وزراء الخارجية العرب مُـسرعين إلى الخارج وعلى وجوههم علامات الصدمة، كما لو أن حريقا اندلع داخل القاعة.

كان الوزراء في اجتماع مُـغلق اقتصر على رؤساء الوفود منذ ساعة، فيما كان المندوبون الدائمون وأعضاء الوفود ينتظرون في الكواليس والقاعات الجانبية، ولم يفهموا ما الذي حدث حتى يندفع الوزراء إلى سياراتهم بهذه السرعة، وإن كان واضحا أنهم يسعون لإبلاغ رؤسائهم على الأرجح بما حصل في القاعة.

وقبل لحظات من رفع الجلسة، دلف إلى القاعة مسؤول من الرئاسة التونسية كان يحمل ملفا، وانحنى ليهمس بأشياء في أذن وزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى، ويضع أمامه الملف.

وتناول بن يحيى الملف، وأشعر زملاءه أنه سيتلو عليهم قرارا سياديا، ثم شرع في قراءة البيان المشهور الذي برّر تأجيل القمة، والذي كان مُـنطلقا لهزة جديدة في العالم العربي، لكنها ذات طابع غير مسبوق في العلاقات العربية – العربية.

فبعد تسعة وثلاثين سنة من الأزمة السياسية الكبيرة الأولى بين مصر وتونس والتي أدّت إلى انسحاب التونسيين من الجامعة العربية، تلبّـدت سحب أزمة جديدة في سماء العلاقات الثنائية بعد تأجيل القمة العربية التي كان مقررا أن تُـعقد في تونس يومي 29 و30 مارس الماضي بسبب التجاذب بين العاصمتين لاستضافتها.

فـــكّ الطلاسم

لكن الخلاف بدا أكبر من تنافس ثنائي. فتونس التي كان يُـفترض أن تتسلم رئاسة القمة من البحرين في الاجتماع المؤجل، وجدت نفسها في مواجهة مع الغالبية التي اغتاظت من القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بتأجيل القمة إلى موعد غير محدد.

وزادت من غضب البلدان العربية، وخاصة منها الخليجية، الذريعة التي قدّمتها الخارجية التونسية لتبرير الإرجاء، إذ اتهمت باقي العرب بمعاداة الإصلاحات الديمقراطية.

لكن، ما هي الأسباب الحقيقية التي يؤكّـد وزراء شاركوا في الاجتماعات أنها أبعد من مجرد خلاف على إدراج الإصلاحات الديمقراطية في وثيقة “العهد”؟

يبدو أن فكّ طلسم قرار التأجيل مُـرتبط بثلاث محطات أساسية في مسار التحضير للقمة:

أولاها، زيارة الرئيس زين العابدين بن علي إلى واشنطن يوم 17 فبراير الماضي.

وثانيها، استقبال وزير الخارجية التونسي بن يحيى ياسر عبد ربه، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في 5 مارس في تونس، حيث تسلّـم منه رسميا “مبادرة جنيف” الموجهة للقمة، وتردد أن يوسي بيلين كان يرافق عبد ربه، لكن هذه المعلومة لم يرد ما يؤكّـدها.

أما المحطة الثالثة، فهي إعلان صحيفة “الرياض” السعودية يوم السبت 27 مارس، أن ولي العهد الأمير عبد الله لن يذهب إلى تونس، وأن وزير الخارجية سعود الفيصل سيرأس الوفد السعودي إلى القمة، وهذا يعني أن الاتصالات السياسية في أعلى مستوى هي التي قادت إلى التأجيل، وليس مضمون ما دار في اجتماعات وزراء الخارجية.

وكان فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري هو الوحيد الذي أدلى بتصريح مُـقتضب لوسائل الإعلام لدى الخروج من قاعة الاجتماعات في العاشرة من مساء يوم السبت 27 مارس، قال فيه “سوريا تأسف لتأجيل القمة، وكنا على أبواب اتفاق. والرئيس بشار الأسد كان في طريقه إلى تونس”، في إشارة إلى الاستعدادات التي كانت جارية لوصول الأسد إلى تونس صباح اليوم التالي.

رفض سعودي وفلسطيني

وفي هذا السياق، أوضح محمد الصباح، وزير الخارجية الكويتي في تصريح هاتفي لسويس انفو بأن “المناقشات كانت مُـثمرة وحققنا الكثير من التقدم في الملفات المطروحة على جدول الأعمال”. فيما قال وزير آخر، رفض الكشف عن هويته، إن الوزراء اتفقوا على 48 نقطة مُـدرجة على جدول الأعمال، ولم تبق أمامهم سوى نقطتان.

ومن هنا، يظهر أن مفتاح فهم الخلاف الذي قاد للتأجيل لا يوجد في الاجتماعات الوزارية، وإنما في الجهود التونسية لإيجاد جسر بين مشروع الأمير عبد الله لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي الذي بات يُـعرف بـ “مشروع السلام العربي” و”مبادرة جنيف”، وهي النصيحة التي تلقّـاها الرئيس التونسي من الإدارة الأمريكية، إذ اعتبر الرئيس جورج بوش ووزير خارجيته كولن باول أن البيانات الحماسية، ولغة الرفض لن تُـجدي العرب، ولن تُـعيد للفلسطينيين حقوقهم، وهذا ما يُـفسّـر حماس التونسيين للبحث عن صيغ جديدة تتضمن تنازلات “قد تجعل إسرائيل تجنح للسلام”، كما قال مسؤول تونسي.

وظهر ذلك في اللهجة الإعلامية المرنة إزاء الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك بيان التنديد باغتيال الشيخ أحمد ياسين الذي لم يُـشر لدور رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون أو مسؤولية حكومته في العملية، وكذلك في حجب المقالات والرسوم الكاريكاتورية التي تتعرض بالنقد لشارون في الصحيفة الحكومية الأولى “لابراس”، مثلما جاء في بيان أصدره عدد من المحررين في الصحيفة.

لكن هذا الميل لاقى مُـعارضة شديدة من السعوديين الذين رفضوا “تشويه” مبادرتهم، كما وجد معارضة أشَـد من الفلسطينيين الذين وجّـهوا رسائل إلى القمة مُـطالبين بعدم تبنّـي “مبادرة جنيف” بوصفها تتخلّـى عن حق العودة، وهذا ما يُـفسر إحجام الأمير عبد الله عن الذهاب إلى تونس، وكذلك اعتذار ملك البحرين عن حضور القمة وتسليم الرئاسة للرئيس التونسي، مما أظهر أن مستوى التمثيل سيكون ربما الأدنى في تاريخ القمم العربية.

واللافت مثلا، أن دولة واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي الست كانت ستُـمثل على مستوى رئيس الدولة، وهي قطر. أما الآخرون، فسيغيب ملوكهم ورؤساؤهم.

والأرجح، أن هذا ما أغضب الرئيس التونسي، فنفض يديه من العرب وعمل على تسويق قرار الإلغاء أمريكيا بتبنّـي فحوى “مبادرة الشرق الأوسط الكبير” في حيثيات الإرجاء، انطلاقا من أن مفاتيح اللعبة الإقليمية باتت بأيدي واشنطن منذ غزو العراق في العام الماضي، وأسر الرئيس المخلوع صدام حسين.

رغبة في التهدئة

وفي معلومات مصادر مُـطّـلعة أن المبررات التي أعلنتها تونس لشرح أسباب التأجيل هي التي أذهلت العواصم العربية، لأنها لم تعرف كيف ترد عليها، وهي التي جعلت تلك العواصم تطلق عقيرة إعلامييها في حملات على الموقف التونسي تُـذكّر بالحروب الإعلامية التي اندلعت بين جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة في الستينيات.

ومع ذلك، يبدو أن هناك رغبة في التهدئة من الطرفين، وأن العرب جميعا مضطرون هذه المرة لإيجاد مخرج ينقـذ سفينة الجامعة العربية من الغرق، والأرجح أن الجهود ستتركّـز على الترضيات النفسية لأن أكثرية الزعماء عبّـرت عن نوع من المرارة لصيغة التأجيل التي اعتبرتها طردا للضيف في قاموس المجاملات العربية.

وقد يكون هذا الجانب أعقد من الخلافات السياسية أحيانا، وربما يكون حائلا دون السفر إلى تونس.

رشيد خشانة – تونس

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية