هزيمة للـدور الأمريكي في لبنان
رغم نفي البيت الأبيض صحة التقارير التي ذكرت أن الرئيس بوش ناقش خطط الحرب الإسرائيلية على لبنان وباركها فإن هناك إشارات لا يخطئها أحد لوجود ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لتحقيق أهداف أمريكية في الشرق الأوسط باستخدام لبنان كعبرة..
.. لكن تلك الأجندة منيت بهزيمة كبرى على يد حزب الله مثلما يشرح خبير استراتيجي أمريكي لسويس إنفو.
عندما كشف كاتب التحقيقات الصحفية الأمريكي سيمور هيرش النقاب عن تواطؤ إدارة الرئيس بوش مع زعماء إسرائيل في خطة للقضاء على قوات ووجود حزب الله في جنوب لبنان حتى يتم التمهيد لضربة جوية أمريكية قاصمة للمنشئات النووية الإيرانية دون أن يأتي رد إيراني موجع لإسرائيل بصواريخ حزب الله وأن يكون استعراض القوة العسكرية في لبنان إشارة واضحة وعبرة لإيران في أي مواجهة عسكرية مع أمريكا، سارع مستشار الأمن القومي الأمريكي ستيفن هادلي إلى تكذيب هذه التقارير الصحفية ووصفها بأنها عارية عن الصحة.
لكن التلكؤ الأمريكي في استصدار قرار بوقف إطلاق النار في لبنان، ونصيحة وزيرة الخارجية الأمريكية للزعماء الإسرائيليين بضرورة التقدم البري للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان حتى يمكن ربط الانسحاب الإسرائيلي بنشر قوات الجيش اللبناني مع القوات الدولية في الجنوب ودفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، ومسارعة الإدارة الأمريكية إلى إقامة جسر جوي لتزويد إسرائيل بالقنابل الذكية فيما كانت طائراتها تدمر البنية التحتية للبنان كلها شواهد تؤكد أن الدور الأمريكي في الحرب الإسرائيلية على لبنان يفوق الإدعاء الذي ساقه الرئيس بوش بأن إسرائيل “شنت تلك الحرب للدفاع عن نفسها” بعد اختطاف حزب الله لاثنين من جنودها.
الرئيس الغاضب
ومما يفضح ذلك الدور ما نقلته التقارير الصحفية من أن الرئيس بوش كان غاضبا من الأداء العسكري الإسرائيلي الباهت ضد مقاتلي حزب الله لدرجة أنه اتصل بالزعماء الإسرائيليين وسألهم”هل ستقاتلون أم لا؟”، وزاد غضب الرئيس عندما انتهت الحملة العسكرية الإسرائيلية دون تحقيق الأهداف المعلنة لها أو الاقتراب من الأهداف الخفية التي خطط لها البيت الأبيض مع زعماء إسرائيل.
ويرى المحلل السياسي والمرشح الجمهوري السابق للرئاسة الأمريكية بات بيوكانن أن غضب الرئيس بوش دفعه إلى الخروج بتقييم مخالف لمعظم تقييمات الخبراء العسكريين والاستراتيجيين حين أصر على أن حزب الله خرج خاسرا من تلك الحرب وتعرض للهزيمة بينما الخاسر الحقيقي هو إسرائيل التي فقدت هيبتها العسكرية في المنطقة حينما فشلت كأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط في القضاء على مقاتلي حرب عصابات وبالتالي تعرضت خطة الولايات المتحدة الخاصة بإظهار العين الحمراء لإيران في هيئة تقويض حزب الله في جنوب لبنان لهزيمة واضحة، بل وتحول السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله إلى بطل قومي عربي وأثبت قدرة الحزب لا على الصمود والبقاء فقط بل على أن يسبق جهود الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي في إعادة الإعمار وتعويض المتضررين الذين فقدوا منازلهم أثناء القصف الإسرائيلي.
وضرب بيوكانن عدة أمثلة على عدم صحة تقييم الرئيس بوش مثل لجنة التحقيق الإسرائيلية في قصور الأداء العسكري في لبنان، وانخفاض شعبية رئيس الوزراء إيهود أولمرت من 78 في المائة عند بداية الحرب إلى أربعين في المائة فقط عند نهايتها. كما أن خطة الولايات المتحدة لقصف المنشئات النووية الإيرانية فقدت مصداقيتها مع فشل الاعتماد الإسرائيلي على الهجمات الجوية وحدها في تنفيذ أهداف استراتيجية وإخفاق إسرائيل في نزع أسلحة حزب الله.
كما أن مباركة واشنطن لسياسة حل القضية الفلسطينية بقرارات أحادية من إسرائيل تعرضت هي الأخرى لخيبة أمل وستضطر واشنطن إلى الإقرار بأن الحل لا يمكن فرضه بقوة إسرائيل العسكرية وإنما بالتوصل إلى تسوية شاملة عن طريق التفاوض.
وشهد شاهد من أهلها
وما أن تم وقف الأعمال الحربية في لبنان حتى توجه الدكتور أنتوني كوردسمان، الخبير العسكري والاستراتيجي بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن إلى إسرائيل وتفقد آثار المعارك بين مقاتلي حزب الله والقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان وعاد لينشر تقييما للدروس المستفادة من الحرب وانعكاساتها الاستراتيجية على مستقبل السلام والحرب في منطقة الشرق الأوسط.
ومن خلال ما أطلعه عليه كبار المسئولين في الجيش والمخابرات الإسرائيلية تتضح ملامح التقاء الهزيمة الإسرائيلية مع الإحباط الأمريكي لفشل دور واشنطن في تحقيق أهداف استراتيجية ضد إيران على أرض لبنان من خلال دعم إسرائيل:
أولا: “هدف تدمير ما وصف بالقيادة الغربية الإيرانية في جنوب لبنان قبل أن تتمكن إيران من تطوير سلاحها النووي”: وحسب تقييم الدكتور كوردسمان أخفقت إسرائيل في تحقيق ذلك الهدف مع إقرار الخبير الأمريكي بأن حزب الله لم يكن يستضيف قيادة إيرانية.
ثانيا: “هدف تدمير الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى التي زودت بها إيران حزب الله وتمكنت إسرائيل من رصد مواقعها قبل بدء الحرب”: وينقل الدكتور كوردسمان عن المسئولين الإسرائيليين قولهم أنهم تمكنوا من تحقيق ذلك الهدف، لكنه أشار إلى أن حزب الله كان قد أخفى عددا كبيرا من صواريخ متوسطة المدى حصل عليها من سوريا ولم يستطع المسئولون الإسرائيليون تحديد عدد الصواريخ السورية التي تمكنت إسرائيل من تدميرها.
ثالثا: “هدف تدمير مركز القيادة والتحكم في توجيه الصواريخ والقذائف الصاروخية الذي بناه مستشارون إيرانيون”: ومع أن الدكتور كوردسمان قال إن تقدم القوات الإسرائيلية في الجنوب مكنها من احتلال ذلك المركز وتدميره فإنه كان بوسع حزب الله إعداد مركز قيادة مماثل خلال ساعات باستخدام أجهزة كومبيوتر محمولة.
رابعا: “هدف تدمير الصواريخ الأقصر مدى التي يمتلك منها حزب الله ما يقدر بثلاثة عشر ألف صاروخ”: أقر الدكتور كوردسمان بأنه لم يجد مسئولا إسرائيليا واحدا يدعي أنه كان بوسع الحملة العسكرية الإسرائيلية على لبنان القضاء على تلك الصواريخ ولم يدع أحد منهم أن عدد ما تم تدميره أو إطلاقه بلغ نصف تلك الترسانة مما يعني أنه لا زال بحوزة مقاتلي حزب الله حوالي سبعة آلاف صاروخ كاتيوشا ولا يستطيع أحد منع إعادة تزويده بالمزيد منها.
خامسا: “هدف حرمان حزب الله من القدرة على إطلاق صواريخ مضادة للقطع البحرية الإسرائيلية والقذائف المضادة للدبابات”: وفي هذا الصدد أكد الدكتور كوردسمان أن الحرب انتهت دون أن يستطيع أي مسئول عسكري إسرائيلي الإدعاء بأنه تم تدمير أي من الثمانمائة صاروخ من ذلك النوع المتقدم المضاد للسفن الذي لا يزال بحوزة مقاتلي حزب الله. كما أن العسكريين الإسرائيليين لم يستطيعوا الزعم بقدرتهم على إزالة ترسانة حزب الله من قذائف آر بي جي المطورة التي تمكنت من اختراق دروع الدبابة الإسرائيلية المتطورة من طراز ميركافا.
الآثار الاستراتيجية لحرب لبنان
أولا: “تقويض قدرة إسرائيل على الردع”: اعترف المسئولون الإسرائيليون للخبير الاستراتيجي الأمريكي بأن ضعف الأداء العسكري الإسرائيلي في الحرب التي شنتها على لبنان قد أضعف إلى حد كبير من قدرة إسرائيل على ردع الدول المعادية لها حيث أظهرت الحرب أنه أصبح بوسع بضعة آلاف من مقاتلي حزب الله أن يصمدوا أمام جيش إسرائيل الذي قيل إنه لا يقهر، وأن القيادة الإسرائيلية لم تدر الحرب بكفاءة وفعالية.
ثانيا: فشل نظرية الضربات الجوية الجراحية في القضاء على قدرات عسكرية موزعة في مناطق مختلفة قريبة من تجمعات سكانية وأثر الخسائر بين المدنيين في نظرة العالم السلبية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل باعتبار أنهما تستخدمان أسلحة متقدمة وتزعمان أن المبادئ الديمقراطية تتعارض مع قصف المدنيين.
ثالثا:النجاح الفعال لقذائف الكاتيوشا المعدلة في شل شمال إسرائيل ولجوء معظم سكان المنطقة إلى المخابئ وتصاعد حدة الفوضي السياسية نتيجة لوصول الصواريخ بأعداد كبيرة إلى الداخل الإسرائيلي.
رابعا: التحول إلى الحروب غير المتكافئة في الشرق الأوسط: لقد نجح حزب الله في تقديم نوع جديد من الحروب إلى المنطقة حيث أمكن لمقاتليه المدربين تدريبا عالي المستوى والمزودين بأسلحة صغيرة متقدمة مواجهة جيش إسرائيل لمدة زادت على شهر على عكس الفئات الفلسطينية المنقسمة على نفسها المفتقرة إلى التدريب والتزود بالسلاح.
خامسا: انهيار فكرة الاعتماد على الحواجز وبناء الجدار العازل كوسيلة لحماية أمن إسرائيل، فبالإضافة إلى أن اختراقها ممكن فإن استخدام الصواريخ أصبح بديلا متاحا لجماعات تناصب إسرائيل العداء. ولذلك يتزايد الاعتقاد بأنه لا أمن لإسرائيل بالاعتماد فقط على قوتها المسلحة ولكن من خلال التوصل إلى تسوية شاملة عن طريق المفاوضات.
انتكاسة لخطة أمريكا
وطبقا لما أورده الكاتب الصحفي سيمور هيرش نقلا عن مسئول سابق في المخابرات الأمريكية فإن الخطة الإسرائيلية لشن حرب جوية على لبنان بمباركة من الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني كانت صورة طبق الأصل مما تخطط لعمله الولايات المتحدة في إيران مع استبدال قواعد حزب الله بالمنشئات النووية الإيرانية واستهداف مرافق البنية التحتية المدنية الإيرانية.
والقاسم المشترك بين الخطتين هو الجنرال دان حالوتس رئيس الأركان الإسرائيلي الذي عمل بالفعل على تطوير خطة طوارئ لشن ضربة جوية على الأهداف الإيرانية على غرار الحملة الجوية التي نفذتها طائرات الناتو ضد القوات الصربية في كوسوفو بقيادة الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك لمدة ثمانية وسبعين يوما حتى أمكن إجبار القوات الصربية على الانسحاب من الإقليم.
ولعل هذا يفسر حسب تحليل سيمور هيرش الضوء الأخضر الذي وفرته واشنطن لإسرائيل بالتلكؤ في استصدار قرار بوقف القتال، حينما قال الزعماء الإسرائيليون لوزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس: “لقد احتجتم في كوسوفو حوالي سبعين يوما لإنجاز المهمة ونحن نحتاج نصف هذه المدة” وكان لهم ما أرادوا.
غير أن هيرش يخلص إلى أن قوة المقاومة والصلابة التي أبداها مقاتلو حزب الله في مواجهة التفوق الجوي والتكنولوجي الإسرائيلي من جهة، والإخفاق في تحقيق هدف شق الوحدة الوطنية اللبنانية بقصف البنية التحتية شكلت انتكاسة موجعة لخطة البيت الأبيض الخاصة بضرب إيران من الجو على أمل خلق انتفاضة شعبية ضد النظام الإيراني.
ولكن ما حدث هو أن إيران هي التي استعدت للمواجهة مع الولايات المتحدة عن طريق تزويد مقاتلي حزب الله بصواريخ متقدمة مضادة للقطع البحرية وبقذائف صاروخية متطورة ضد الدبابات وبذلك جربت أسلحتها الجديدة ضد السلاح الإسرائيلي كنموذج للسلاح الأمريكي.
بل إن دونالد رامسفلد وزير الدفاع الأمريكي أصبح يخشى من أن تتحول الساحة العراقية قريبا إلى ميدان تصبح القوات الأمريكية فيه “فريسة لميليشيات شيعية موالية لإيران”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.