مُسلمو سويسرا: جاليةٌ تبحثُ عن صوت واحد
كانت التعليقاتُ المُتحفظة لشخصيات مُسلمة في سويسرا على مقالٍ حولَ الشريعة سبباً كافيا كي تعتقدَ بعضُ وسائل الإعلام السويسرية أن الجالية المسلمة لا تشعر بالحاجة إلى اختيار مُمثلين لها تاركة الساحة خالية لمن وصفتهم بـ"المتطرفين" للحديث باسمها.
حاولنا التأكد من هذا الانطباع من خلال الاتصال بعدد من هذه الشخصيات فوقعنا في جدل آخر…
لن نخوض في تفاصيل الجدل حول مقال السيد هاني رمضان مدير المركز الاسلامي في جنيف (انظر التقرير المرافق) الذي قد يختلف حول مضمونه حتى المسلمون، بل سنركز على ما أفرزه من انطباعات لدى وسائل الإعلام السويسرية التي قالت بعضها، إن مسلمي سويسرا الذين يناهز عددهم أربع مائة ألف شخص “لا يشعرون بالحاجة إلى تعيين مُمثلين عنهم تاركين الساحة خالية أمام متطرفين للحديث باسمهم”.
هذا الانطباع لم يولد من عدم، فعندما حاول صحفيُون سويسريُون الاتصال بشخصيات مسلمة بارزة في سويسرا للتعليق على مقال السيد رمضان، كانت أجوبتهم تتسم بالتحفظ الشديد. لا أحد قال انه يتفق أو يختلف مع السيد رمضان.
بعض الاعلاميين السويسريين حاولوا الايحاء بأن السيد رمضان كان يتحدث في مقالته باسم “جميع المسلمين” وليس بصفته مفكرا يترأس المركز الإسلامي في جنيف مثلما أكد في حديثه مع “سويس انفو”. وهو ما دفعهم للتساؤل باستغراب عن سبب صمت مسلمي سويسرا وعدم شعورهم بالحاجة إلى الرد على بعض ما جاء في مقال السيد هاني رمضان.
السيد عبد الحفيظ الورديري، المتحدث باسم المؤسسة الثقافية الإسلامية ومسجد جنيف، قدم جوابا عن هذا التساؤل يمزج بين الإثارة والغرابة قال فيه: “إن السيد رمضان عبر عن رأيه ولا أحد يمكنه أن يتحدث باسم المسلمين سوى النبي محمد عليه الصلاة والسلام.”
لاشك أن النبي محمد المصطفى خيرُ مُمثل ومُتحدث باسم المسلمين، لكن ألا يتعين على مسلمي سويسرا بصفتهم أقلية في هذا البلد، انتخاب متحدث رسمي واحد يعبر عن موقف موحد للجالية المُسلمة في سويسرا، عندما يطرحُ جدلٌ ساخن يتعلق بالاسلام والمسلمين لحسم الأمر، بدل ترك الباب مفتوحا على مصراعيه للتأويلات والاتهامات والانطباعات مخطئة كانت أم صائبة؟
استيقاظ جدل نائم
لم نقاوم الرغبة في طرح هذا السؤال على ست شخصيات مسلمة بارزة في سويسرا من بينها كاتب المقال، فحصلنا على مروحة من الأجوبة المُفاجئة والمُتناقضة نوعا ما، منها ما أكد وجود مُتحدث رسمي واحد باسم جميع مسلمي سويسرا، ومنها ما نفى ذلك نفيا قاطعا مع الإشارة إلى أن جهودا متواصلة تُبذل في سبيل تحقيق ذلك الهدف.
السيد محمد كرموص، رئيسُ رابطة مُسلمي سويسرا التي يوجد مقرها في كانتون نوشاتيل، حرص أولاً على القول إن مسلمي سويسرا أقلية في هذا البلد وانه ليس من أولوياتهم موضوع الشريعة وتطبيقها، لأنهم يسعون بالدّرجة الأولى إلى تطبيق دينهم والحفاظ على عقيدتهم وإسلامهم والمساهمة في الاندماج والتجاوب الايجابي للجالية المسلمة في المجتمع السويسري.
وذكّر السيد كرموص أن مسلمي سويسرا يعيشون في بلد يتمتع بحرية التعبير، وبالتالي يمكن لأي فرد من الجالية التعبير عن رأيه، سواء تعلق الأمر بالشريعة أو مواضيع أخرى، مضيفا أن الجدل القائم حول مقال السيد رمضان لا يستدعي اتخاذ موقف رسمي يتوجب إيصاله للسلطات.
وفيما يتعلق بالتحدث باسم الجالية وتمثيلها والإدلاء بموقفها، أكد السيد كرموص أن هنالك “اتحاد الجمعيات الإسلامية في سويسرا وله ناطق رسمي هو الأستاذ إبراهيم صلاح، فان أردنا إيصال موقف رسمي للسلطات فعن طريقه…هو يتكلم إما للصحافة أو المسئولين، لأن هذا الاتحاد يجمع الجاليات العربية والتركية والألبانية والبوسنية والمسلمين السويسريين”.
اتحاد المنظمات الاسلامية اختار متحدثا رسميا
اتصلت “سويس انفو” بالسيد إبراهيم صلاح رئيس “الاتحاد الفدرالي للمنظمات الإسلامية في سويسرا” فأكد لنا أن هذا الاتحاد، الذي أنشئ في الأصل على أساس عرقي، ويضم ممثلين عن المسلمين الأتراك والبوسنيين والعرب والألبان والآسيويين، اختاره متحدثا رسميا ومسئولا عن العلاقات الخارجية.
وأوضح السيد صلاح أن الاتحاد يقيم حفلا سنويا تُدعى إليه شخصيات سياسية ودبلوماسية سويسرية بارزة، مثل رئيس الكنفدرالية وممثلين عن وزارات الخارجية والشرطة والعدل، وأن الاتحاد يقوم بالتنسيق وإقامة علاقات مع السلطات المسئولة في برن، على أساس بحث مشاكل المسلمين على المستوى الفدرالي وأن له تجربة جيدة جدا مع السلطات السويسرية.
واتضح من خلال الحديث مع السيد صلاح أن الاتحاد الذي يرأسه ويتحدث باسمه، يوصل بالفعل مشاغل المسلمين للسلطات، فقد ساهم على سبيل المثال في ادخال تغييرات على القوانين المتعلقة بالتجنيس عام 2000 على المستوى الفدرالي.
“ايجاد صوت رسمي للجاليات المسلمة في سويسرا شبه مستحيل”
باقي الشخصيات التي اتصلنا بها، أعربت مُعظمها عن احترامها وتقديرها لمجهودات السيد إبراهيم صلاح وسعيه المتواصل لإبلاغ السلطات بمشاكل الجالية المسلمة والمساهمة في الدفاع عن حقوقها الدينية. في المقابل، قالت هذه الشخصيات بوضوح أن السيد صلاح ليس المتحدث الرسمي باسم كافة مسلمي سويسرا على المُستوى الفدرالي.
رئيسُ اتحاد المُسلمين الألبان في العاصمة برن، الشيخ مُصطفى محمدي قال، إن الجدل حول قضية تمثيل رسمي للمسلمين سيستمر في المستقبل، معربا عن اعتقاده أن “إيجاد صوت رسمي للجاليات المسلمة في سويسرا شبه مستحيل، لأننا نأتي من عادات وتقاليد ومذاهب مختلفة وهذا الاختلاف يلعب دورا كبيرا ويحدث فراغا ضخما بيننا ويصعب أحيانا لدرجة أننا لا نجد القوة المعنوية لكي نتعداه”.
وعند إصرارنا على معرفة ما إذا كان الاتحاد الفدرالي للمنظمات الإسلامية في سويسرا يتحدث فعلا باسم اتحاد المسلمين الألبان، قال الشيخ محمدي: “هم يتحدثون باسمنا لكن هي ليس قضية حديث، الاتحاد الإسلامي في سويسرا لم يقدم أية خطوة ايجابية طيلة السنتين الماضيتين، بحيث لا يلبي رغبات الجاليات الإسلامية.” وشدد الشيخ ميميتي على ضرورة الاتفاق على شروط وضوابط وإعادة تنظيم وترتيب الصفوف داخل اتحاد المنظمات الإسلامية في سويسرا.
وبالرغم من اعترافه بأن هنالك تقصير وعدم تكملة البناء في صفوف الاتحاد، إلا أن الشيخ محمدي أصر على التذكير بأن مسلمي سويسرا مازالوا في بداية المشوار وأن تحالفهم تحت مظلة واحدة ليس أمرا سهلا، منوها إلى مسألة هامة جدا تتلخص في كون السلطات السويسرية بدأت تنتقي أشخاصا عند الحديث مع المسلمين المتواجدين في الكنفدرالية.
طلبنا من رئيس الاتحاد الفدرالي للمنظمات الإسلامية في سويسرا، السيد إبراهيم صلاح الرد على تصريحات الشيخ محمدي بشأن التقصير، فقال “لم نصل الكمال بعد، الناس يعتقدون انه إذا أنشئ الاتحاد سيغير بين يوم وليلة وساعة وأخرى كل القوانين الفدرالية، العمل في سويسرا صعب لأنه عبارة عن ستة وعشرين كانتون والسلطة الفدرالية ضعيفة جدا”. وهذا هو مربط الفرس!
النظام الفدرالي من بين العقبات
فخصائص النظام الفدرالي السويسري وصعوبة العمل والتحرك أولا على مستوى الكانتونات ذات الأنظمة والقوانين المختلفة وضرورة التنسيق بين كل هذه الجهود على المُستوى الفدرالي، شروط لا مفر من الايفاء بها قبل الانتقال الى مرحلة جديدة. لذلك يبدو أن مختلف المنظمات والهيئات الإسلامية القائمة في سويسرا قد اصطدمت بمتاهات وعراقيل النظام الفدرالي وهو ما زاد مؤقتا من صعوبة التحامها في كيان واحد.
كاتب المقال، الذي كشف من غير قصد عن هذا الجدل النائم في أوساط الجاليات المسلمة في سويسرا السيد هاني رمضان، أشار بدوره، بعد تحيته لنشاطات اتحاد السيد إبراهيم صلاح، الى أنه لا يوجد لحد الآن متحدثٌ رسمي باسم كافة المسلمين في سويسرا قائلا: “يجب أن نحقق ذلك أولا على مستوى الكانتونات بالتنسيق بينها، ثم يتم تعيين مسؤولين على مستوى الاتحاد كتتويج لهذه العملية.”
ويشاطر هذا الرأي الدكتور إسماعيل أمين، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في زيورخ، الذي له تجربة طويلة ومميزة مع سلطات الكانتون، حيث صرح لـ”سويس انفو”: “نرى أنه لا بد أن يتكون اتحاد في الكانتونات أولا ثم بعد إنشاء هذه الاتحادات، لا بد أن تتحد مع بعضها البعض فتُعين ممثلا أمام السلطات السويسرية”. وأنهى الدكتور أمين تصريحه بالقول :”لا أعتقد أنه ـ أي السيد إبراهيم صلاح ـ يتكلم باسمنا لأننا نحن مثلا لسنا أعضاء في الاتحاد”.
“لم نصل بعد الى النضج الكافي”
كان قائلُ عبارة “لا يمكن لأحد التحدث باسم المسلمين غير النبي محمد عليه الصلاة والسلام” السيد عبد الحفيظ الورديري، آخر محاور لنا في بحثنا عن هوية المتحدث الرسمي باسم كافة المسلمين في سويسرا.
يُوضّح السيد الورديري المتحدث باسم مسجد جنيف والمشارك بصفة عضو في الاتحاد الفدرالي للمنظمات الإسلامية في سويسرا، انه لم يقصد بهذه العبارة التعجيز عن تعيين متحدث رسمي واحد باسم المسلمين في سويسرا، أو إظهار أن هنالك منافسة بين المسلمين لتولي هذا المنصب.
لكن الرسالة التي يريد إبلاغها تتمثل في ضرورة توفُّر شروط معينة في الشخص الذي سينطق باسم المسلمين في سويسرا، أي أن يكون مُنتخبا من أغلبية الأفراد المكونة للجاليات المسلمة وأن يكون ذلك نتيجة لنقاش داخلي بينهم لتوضيح الأولويات التي يريدون الدفاع عنها.
ومع التشديد على أن كلماته ليست بتاتا مُوجهة ضد شخص السيد إبراهيم صلاح، أضاف السيد الورديري: “لا يمكن أن يكون أحد يدعي أنه يمثل المسلمين جميعا في سويسرا، لا يمكن، هنالك جهود لتحقيق هذا الهدف، لكن لم تتحول بعد إلى واقع ملموس، لم نصل بعد إلى النضج الكافي، كي نقول إن هذا الممثل أو ذاك يعبر عن آراء كل المسلمين في سويسرا”
“الأجيال القادمة ستحسم الأمر”
قد تكون بالفعل مسألة نضج، فالجالية المسلمة في سويسرا، كما يقول المتحدث باسم مسجد جنيف، تُوحدها شهادة “لا اله إلا الله محمد رسول الله”، لكن في الحقيقة مازالت العقليات في صفوف هذه الجالية بعيدة عن تصور التوحد في جسم واحد، لأن ظاهرة الفردية طغت وتجاوزت الحدود حسب رأيه. مع ذلك، أكد السيد الورديري أن الكل يأمل في تحقيق هذه الوحدة، لكن يجب أولا التخلص من التباينات والاختلافات الناجمة عن تعدد الأعراق والثقافات في أوساط الجالية المسلمة.
ويرى السيد الورديري أن هذا الجدل في أية حال سابق لأوانه، وأن الجيلين الثاني والثالث القادمين هما اللذين سيتوليان الأمر، لأن أبناء هذين الجيلين سينشأون في المجتمع السويسري وسيتسلحون بالمفاهيم الدينية التي سيتلقونها من أسلافهم و”ستكون لهم قراءة أكثر انفتاحا ووضوحا لعقلية وقوانين المكان الذي يعيشون فيه”.
أخيرا، لا يرمي هذا التحقيق الى اثارة الخلاف أو الشقاق في صفوف الجالية المسلمة في سويسرا، لكنه يلفت النظر الى مسألة تستحق التأمل، وهي أن ما يُُعتبر عادة في المجتمع السويسري “تنوعا” على المُستوى الثقافي أو الديني أو الحضاري يُصبح “انشقاقا” عندما يتعلق الأمر بالإسلام.
وقد كان كافيا اختلاف تصريحات شخصيات مسلمة في سويسرا حول مقال مثير للجدل لأحد أتباع ديانتهم ليتحول الأمر إلى تساؤل البعض عن صمت المسلمين في سويسرا وعدم حاجتهم إلى تعيين مُمثلين عنهم. قد لا يحتاج كل مسلمي سويسرا إلى مُمثلين، وذلك من حقهم، لكن الواقع الجديد يظهر بجلاء أن الجالية المُسلمة بدأت تغرس جذورها في المجتمع السويسري، وقد تتحول إلى فاعل ثقافي وسياسي واجتماعي في الكنفدرالية مُستقبلا. لذلك فان تمكنت من ايجاد صوت واحد ينشد بنبرة واحدة على أوتار آلة واحدة، فذلك حتما لن يُضعفها..
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.