“نقل الموتى إلى بلدانهم الأصلية لم يعد مشكلة”
"نقل الموتى الأجانب من سويسرا إلى بلدانهم الأصلية لم يعد مشكلة"، هذا هو شعار جمعية سويسرية أعلن عن تأسيسها منذ أسابيع قليلة في زيورخ.
وتعتني هذه الجمعية بنقل الموتى الأجانب إلى بلدانهم الأصلية ويستفيد من خدماتها الذين يلتزمون بدفع اشتراك سنوي، هو عبارة عن تأمين فردي مقداره 29 فرنك سويسريا.
تلبي هذه المؤسسة حاجة ماسة يشعر بها الأجانب في سويسرا عامة، والمسلمون منهم خاصة، الذين تمنعهم قناعاتهم الدينية وثقافاتهم من دفن موتاهم في المقابر العامة. وتقدم هذه الجمعية حلا جزئيا في وقت لم تصل الحوارات الجارية منذ سنوات بين سلطات الكانتونات وممثلي المسلمين حول تخصيص مقابر أو مساحات خاصة إلى حلول مقنعة وشاملة.
ولئن استجابت بعض الكانتونات لهذا المطلب، إلا أن الغالبية تظل تماطل، موردة شتى الأسباب، وفي انتظار وجود حلول حقيقية وجذرية لهذه المعضلة، تلقى هذه الحلول الجزئية ترحيبا واسعا. فهذه المؤسسة، التي لا تزال في بداياتها، يبلغ عدد أعضائها 1500 عضوا، ويتوقع أصحابها أن يبلغ هذا العدد 2500 عضوا في موفي سنة 2007.
الأهداف والخدمات
يقول أصحاب هذا المشروع، إنهم أسَّـسوا جمعيتهم لتقديم المساعدة للأسر التي تريد أن ترسل أحد أفرادها الذي وافته المنية إلى بلده الأصلي، وينص القانون المنظم لهذا الصندوق على طبيعة الخدمات التي يستفيد منها المشترك فيه أو أحد أعضاء العائلة التي ينتمي إليها الموجودين في سويسرا.
ففي حالة الوفاة، يتكفّـل صندوق التأمين بكل الإجراءات الإدارية التي يقتضيها القانون السويسري، ويُـنقل الميت بالطائرة إلى بلده الأصلي، ثم من المطار إلى المقبرة، التي سيدفن فيها بواسطة سيارة إسعاف.
إضافة إلى كل ذلك، تتكفَّـل هذه الجمعية بتوفير تذكرة سفر، ذهابا وإيابا، لأحد المرافقين، وتنظَّـم الرحلات من سويسرا إلى جميع البلدان، ويكفي للمشترك في هذا الصندوق ملء استمارة عبر الإنترنت، ثم إرسالها عن طريق البريد الإلكتروني، ويستفيد من هذه الخدمات المشاركون، حتى لو كانوا خارج سويسرا عند حصول الوفاة.
وبرغم أهمية هذا العمل، إلا أنه يظل حلا استثنائيا لمشكلة استثنائية، إذ أن نسبة هامة من المسلمين، هي أصلا من أبناء البلد، ونسبة أخرى أهم لا ترى مستقبلا آخر لها خارج بلد الإقامة، وهي إما مقيمة بشكل دائم أو حصلت على حقوق المواطنة. فماذا ينفعها عمل مثل هذا؟
رغبة في الانعزال أم تعزيز للشعور بالاندماج
يعترف جميع المعنيين بهذا الملف، أن المشكلة لا تكمُـن في المسائل الإجرائية التي تتطلَّـبها الاستجابة لهذا المطلب، ففُـرص تذليل المصاعب على هذا المستوى كثيرة، والاستعداد للوصول إلى حلول وسطى متوفِّـر لدى جميع الأطراف، لكن ما يُـعرقل التقدم في المسعى، الدلالات الرمزية التي يضفيها كل طرف على الموضوع.
ففي الوقت الذي يرى المسلمون في مطلب المقابر المفصولة، رغبة في الاندماج والقبول به، “اعتراف بوجود المسلمين، وبالتالي، تنظيم هذا الوجود هنا والآن”، ويضع هاني رمضان: “المقبرة في نفس المرتبة مع المسجد في الإسلام، من حيث قُـدسيتها، باعتبار أن المقبرة تتمَّـة للمسجد، مثلما أن الموت تتمَّـة للحياة، وأن هذا المطلب ديني بحت ويمثل جزءً من الحرية الدينية التي ينُـص عليها الدستور الفدرالي”، ويرى عبد الحفيظ الورديري، الناطق السابق بإسم المؤسسة الإسلامية الثقافية بجنيف في الاستجابة لهذا المطلب “إقرار بحق المسلمين في الاحتفاظ بخصوصياتهم الدينية والثقافية، واستجابة لبعض انتظاراتهم”.
في المقابل، يرى بيير كونز، النائب ببرلمان جنيف المحلي أن “هذا المطلب، يمثّل تحديا للدولة اللائكية، وتُـحرِّكه أقلية متطرِّفة، لا تمثل أغلبية المسلمين”. ويتفق معه أيضا بيرنار ليكاز، النائب الآخر عن اليمين بجنيف، إذ يقول “إننا نعيش مرحلة يمثل فيها الإسلام مشكلة في بلدان أوروبا الغربية، وأن هذا هو الوقت المناسب للتذكير بقيِـم العلمانية والتمسّك بها”، الرأي الذي لا يشاطره إياه زميله الإشتراكي مانويل تورنر الذي يؤمن بـ “لائكية تأخذ في الاعتبار التطوّر الديمغرافي الذي يعيشه المجتمع السويسري”، ويقول، “علينا أن نتمثّل العدالة في التعامل مع جميع فئات المجتمع، وبهذا فقط نحمي السِّـلم الديني والاجتماعي في سويسرا”.
ويرى عالم الإجتماع المعروف إيلي وانديش أن التجربة السويسرية الطويلة في التعامل مع ظاهرة الهجرة، تثبت أن الطريق الأفضل للاندماج هو الحوار والمفاوضات بعيدا عن التشنّـج وردود الأفعال، وهي مقاربة يبدو أنها بدأت تؤتي أكلها في معالجة موضوع المقابر بالذات.
مطالب تحققت وأخرى في الأفق
منذ أكثر من 10 أعوام، دشّـنت المنظمات الإسلامية، على اختلاف انتماءاتها العرقية والثقافية والاجتماعية، حوارات مطوّلة مع الكانتونات الروماندية (الناطقة باللغة الفرنسية) والأخرى الناطقة بالألمانية، ولا يمر يوما حتى نسمع بالجديد في هذا الموضوع.
فبعد كانتون زيورخ الذي توصل – بعد مفاوضات طويلة – إلى اتفاق نهائي مع ممثلي الجاليات الإسلامية المقيمة فيه يقضي بتخصيص مقبرة للمسلمين فوق أراضيه، سيصبح بإمكان المسلمين القاطنين في منطقة لوتسرن ابتداء من شهر مايو القادم دفن موتاهم في مساحة مخصَّـصة لهم، وسيتم إعادة تنظيم مقبرة فريدنتال بمدينة لوتسرن، لتفسح المجال إلى 294 قبر صُـممت بطريقة تجعلها متَّـجهة صوب مكَّـة المكرمة، بحسب ما تفترضه الشعائر الإسلامية.
وتكلِّـف المقبرة الإسلامية 200.000 فرنكا سويسريا، ستتكفّل بتمويلها سبع مجموعات محلية، ويُـقدّر عدد المسلمين في الكانتون بـ 13.000 ساكنا، 7.800 منهم في مدينة لوتسرن أو في الضواحي القريبة منها. وإلى حدِّ هذا اليوم، الغالبية العظمى منهم يُـرسِـلون أقاربهم عند الوفاة إلى بلدانهم الأصلية ليُـدفنوا حسب الأعراف الإسلامية.
وفي جنيف، تمّ في شهر أكتوبر 2006، تعديل قانون 1876 حول المقابر للحدِّ من سلبيات القانون حيِّـز النفاذ، والذي لا يأخذ بعين الاعتبار التطوّرات التي شهدتها التركيبة السكانية في الكانتون خلال المائة وثلاثين سنة الأخيرة.
ومن أجل أخذ تطلُّـعات المسلمين في الحسبان ومساعدتهم على التوفيق بين ما ينُـص عليه القانون وما تفترضه شعائرهم الدينية، ينصُّ القانون الجديد على تخصيص مساحة من مقبرة Saconnex Petit -، وجزء من مقبرة القدّيس جورج، لدفن موتى المسلمين.
الأمر نفسه حصل في نوشاتيل، إذ أدخِـلت أخيرا تعديلات على قانون المقابر تسمح بإفراد أجنحة خاصة بالمجموعات الدينية التي ترغب في ذلك، ولكن التعديلات لا تسمح بدفن الموتى خارج المقابر العامة، كما تترك للمجموعات المحلية اختيار الطريقة المناسبة لتنفيذ تلك التعديلات، وورد في نص القانون 25 (أ) المعدّل “لمجلس دولة نوشاتيل، السماح بإفراد المجموعات الدينية المسيحية وغيرها بمساحات خاصة لدفن موتاها داخل المقابر العامة، بعد تقديمها بطلب، ويشترط تنفيذ هذا القرار موافقة المجموعة المحلية (Commune)، واحترام النظام العام وألا يعكِّـر اطمئنان الموتى بتنظيم طقوس تخل بذلك”.
وفي انتظار التحاق بقية الكانتونات بركب المستجيبين لمطالب مواطنيهم، سيكون على الأجانب، ربما اختيار أقل الحلول سوءً، وذلك بالاستفادة من مزايا هذا النوع من الخدمات.
في مواجهة التكاليف الباهظة التي يتطلبها إرسال الموتى إلى بلدانهم الأصلية، تختلف الإجراءات من بلد إلى آخر، فالسفارة الليبية تتكفل بجميع النفقات أما سفارة تونس فتتحمّل كل التكاليف مثل تذكرة السفر وتهيئة الميت ومستحقات الإجراءات القانونية بالنسبة “لمن يتمتع بحق المواطنة” على حد تعبير أحد الموظفين.
هذا الأمر الذي لا تقوم به سفارات المغرب أو الجزائر مثلا، لذلك يلتجئ رعايا هذه البلدان إلى حلول مختلفة. فبالنسبة للمغاربة مثلا، يتكفل صندوق للتامين مقرّه بالمغرب، بتنظيم رحلة استعادة الجثمان مقابل اشتراك سنوي مقداره مائة فرنك، أما الجزائريون والليبيون فيرتبون الأمر من خلال افراد العائلة والأقارب أو عبر التبرعات الجماعية.
وبالنسبة للرعايا الأتراك، تتكفل جمعية تركية تسمى “كفن” بنقل جثامين الموتى إلى بلدهم تركيا، وتغطي هذه الجمعية كل التراب السويسري، وعند انطلاقتها كان الاشتراك الفردي مائة فرنك، ولكن مع توالي السنوات أصبح لهذه الجمعية فائض مالي، ونزل الإشتراك إلى عشرة فرنكات فقط.
وفي نفس السياق، تساعد أكبر مؤسسة دينية تركية رسمية (تعرف باسم: ديانات)، في إرسال الموتى الأتراك إلى وطنهم عند ظهور حاجة لمساعدتها، لكن الأمر يختلف بالنسبة لرعايا دول منطقة البلقان (ألبانيا وصربيا وإقليم كوسوفو والبوسنة والهرسك ومقدونيا وكرواتيا والجبل الأسود)، إذ تتكفّل العائلة والأقارب بتحمل التكاليف، كما يتدخل صندوق التأمين على الحياة لفائدة المشتركين في هذا الصنف من التأمين، في حين يختار البعض دفن المتوفى في أحد المقابر العامة في الكنفدرالية.
المادة الثامنة:
في حالة وفاة أحد الأعضاء أو أحد أفراد عائلته، تتحمّل الجمعية التكاليف التالية:
– تكاليف الدفن
– تكاليف الإجراءات القانونية، سواء في علاقة بالمؤسسات الصحية أو السلطات السويسرية أو السفارات والقنصليات الأجنية.
– تكاليف نقل الميت بواسطة النقل الجوي إلى أقرب مطار للجهة التي سيدفن فيها الميت.
– النقل البري للميت من المطار في بلده الأصلي إلى المقبرة، حيث سيدفن بواسطة سيارات إسعاف مجهّزة.
– تذكرة سفر ذهابا وإيابا لمرافق.
– في حالة وفاة أحد أعضاء الجمعية في بلده الأصلي أثناء قضائه لعطلة، تمنح لأحد أفراد عائلته تذكرة سفر، بشرط الاستظهار بشهادة وفاة.
المادة التاسعة:
عند حدوث وفاة أحد أعضاء الجمعية، يجب إعلام إدارة الجمعية مباشرة بواسطة الرقم التالي: 0041443200023 وفي حالة الضرورة المستعجلة، الإتصال على الرقم 0041796359914 ، ويجب في تلك الحالة توفير الوثائق الضرورية المطلوبة كبطاقة العضوية في جمعية Ful ، وجواز السفر والبطاقة الشخصية وبطاقة الإقامة، وعقد الزواج في حالات معينة.
المادة الخامسة عشر:
في حالة حصول أعداد كبيرة من الموتى، نتيجة زلزال أو كارثة طبيعية أخرى، لا يجب أن تتجاوز التكاليف التي تتحملها الجمعية حجم الاشتراكات المدفوعة منذ البداية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.