هل إنتهى ربيع دمشق؟
بعد سلسلة من إجراءات وصفت بأنها بداية الطريق إلى الديمقراطية، عاد الحرس السوري القديم إلى صدارة الحلبة السياسية من جديد بعد أن وجهوا ضربة قوية إلى ربيع الانفتاح السياسي الذي بدأت سوريا تعايشه منذ تولى الرئيس بشار الأسد مقاليد السلطة.
بالرغم من أن وتيرة الإصلاح السياسي الذي شهدته سوريا منذ وفاة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ظلت مترددة وتعرضت لانتقادات بسبب عدم إكمالها الطريق، فإنها على ما يبدو أثارت قلق رموز السلطة القدامى. فبعد تولى بشار الأسد لمقاليد الحكم أتخذ الرئيس الشاب مجموعة من الإجراءات ُفسرت على أنها بداية لمرحلة جديدة من الحكم السوري، وشملت هذه الخطوات تجميد قانون الطوارئ الذي ظل معمولا به لمدة أربعة عقود، وإطلاق سراح أعداد كبيره من سجناء الرأي، وفتح مجال محدود لحرية التعبير والنشر والاجتماع.
لكن ربيع الحرية سرعان ما عاد من جديد إلى أجواء الخريف. فقد عمدت مجموعة من رموز الحكم البعثى، بزعامة نائب الرئيس عبد الحليم خدام، إلى شن حملة مضادة تجسدت في مظاهرات جابت البلاد طولا وعرضا مشيدة بما أسمته إنجازات الثلاثين عاما الماضية. كما أصدر السيد خدام مجموعةً من التصريحات كان من الواضح أن هدفها إرسال رسالة قوية إلى تيار الإصلاح. السيد خدام أعتبر أن الداعين إلى الانفتاح السياسي”قد تجاوزوا الخطوط الحمراء الممثلة”، على حد تعبيره، “في استقرار و أمن المجتمع”، وأنهم استغلوا الحرية التي أعطيت إليهم بهدف تخريب النظام. “فليس من حق أي مواطن”، كما قال السيد خدام في تصريح له” أن يدمر الأسس التي بنى عليها المجتمع. الحرية لا تعنى الدمار.” ورفض السيد خدام أي حوار مع المطالبين بالإصلاح متهما إياهم بإدانة النظام ودفع البلاد تجاه حرب أهلية، وقال:”نحن لن نتسامح مع أية محاولة لتحويل سوريا إلى جزائر أو يوغسلافيا أخرى.”
هذه التصريحات القوية تزامنت مع إجراءات أقوى وأشد. حيث تعرض العديد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان والداعين إلى الانفتاح السياسي إلى الضرب والسجن وتحرش السلطات الأمنية بهم. كما صدرت أوامر بضرورة الحصول على تراخيص رسمية لعقد أية محاضرات عامة للنقاش وتزويد السلطات بأسماء المشاركين ومضمون المواضيع المطروحة للنقاش مسبقا. فما هو مبرر هذه الردة؟
لعل المبرر الرئيسي لهذه الردة، يقول الأستاذ عبدا لبارى عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربى الصادرة في لندن في حديث لسويس إنفو، أن القيادة السورية عند حديثها عن الإصلاحات والانفتاح الديمقراطي لم تكن مدركة لحجم التحرك الكبير القائم في أوساط المجتمع المدني السوري أو إلى مدى تعطش الطبقة المثقفة للحريات. فالانفتاح الذي عنته كان سطحيا. ولهذا فأن بروز الانتقادات القوية للحزب الحاكم وتفرده بالسلطة جعلها تدرك مدى الخطر الذي يتهدد قاعدتها الرئيسية. كان من المنطقي أن تتراجع هذه القيادة عن وعودها بالانفتاح الديمقراطي والسياسي.
على صعيد آخر، فإن الإجراءات المضادة للانفتاح السياسي تظهر أيضا وجود تجاذب داخل السلطة السورية. فهناك تياران في القيادة السياسية السورية يتجاذبان السلطة في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد، تيار الحرس القديم وتيار القيادات الجديدة الشابة التي تؤمن بالمتغيرات العالمية. لكن كفة الحرس القديم، يوضح الأستاذ عطوان، تظل هي الراجحة في ميزان القوى السياسية.
الخطورة في هذا التجاذب والصراع على السلطة أنها قد تهدد قيادة الرئيس بشار الأسد وتزعزع كيانها في حال تجاوزه لأساس المعادلة التي بها تمكن من تولى السلطة. فالرئيس بشار الأسد، يشير الأستاذ عبدا لبارى عطوان، جاء رئيسا، في سابقة تاريخية، لكونه أبن الرئيس السابق حافظ الأسد. وكان الهدف من توليه الحكم هو استمرارية النظام وتثبيت شرعية الحزب الحاكم، وهو الأمر الذي برر اعتماده على الحرس القديم وأجهزة الأمن:”كان عليه أن يعتمد على الحرس القديم رغم أنه جاء لإزالة هذا الحرس القديم. جاء لتقديم وجوه جديدة في السياسة السورية، لكنه أدرك بأنه إذا أطاح بالحرس القديم سيزلزل قواعد شرعيته في الحكم، فلذلك أبقى على هذا الحرس، وكان من الطبيعي لهذا الحرس ان يتصدى لأي تغيير يمكن أن يؤدى إلى الإتيان بوجوه جديدة ويهدد وجوده ويخرجه من السلطة.”
إلهام مانع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.