مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تجاوز مجلس حقوق الإنسان “التسييس” و”الإنتقائية”؟

قاعة الإجتماعات الكبرى لمجلس حقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة بجنيف يوم 10 سبتمبر 2007 Keystone Archive

خاض مجلس حقوق الإنسان أول اختبار له عندما فتح مجال النقاش مؤخرا أمام الدول لتحديد أولوياتها بالنسبة لحالات حقوق الإنسان التي تستدعي الإهتمام في العالم.

لكن جردة بسيطة للاهتمامات التي أوردتها الدول وتضارب المواقف بين المجموعات الجغرافية، وحِدّة اللهجة المستعملة في بعض الأحيان تظهر جليا بأن بقايا الممارسات التي عصفت بلجنة حقوق الإنسان مازالت سائدة.

في المرحلة التي صاحبت تأسيس مجلس حقوق الإنسان، قيل كلام كثير حول إمكانية تجاوز بعض الممارسات السلبية التي أدت الى نهاية لجنة حقوق الإنسان. وقد خص المحللون والمعلقون بالذكر حينها تفاقم ظاهرة “التسييس” وطغيان “الانتقائية” عند التطرق إلى الملفات على أنظار اللجنة.

في الجلسة التي عقدها يوم 24 سبتمبر في سياق دورته السادسة، قام مجلس حقوق الإنسان لأول مرة منذ تأسيسه في 17 يونيو 2006 باستعراض أوضاع حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم التي تسترعي اهتمام الدول الأعضاء وغير الأعضاء ضمن البند الرابع من جدول أعماله، وهو البند الذي يسمح لكل دولة باستعراض حالات حقوق الإنسان في العالم التي ترى أنها تستحق الاهتمام والعناية.

شبه إجماع غربي..

تدخلات بلدان المجموعة الغربية تمحورت حول جملة من الدول المحددة لخصها مندوب البرتغال (الذي تحدث باسم البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي) في مداخلته حيث سعى إلى “جلب انتباه مجلس حقوق الإنسان لوضع حقوق الإنسان في زمبابوي، والقلق من تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران، واستشهاده بحالة إعدام رجل متهم بالخيانة الزوجية بالرجم، وبتعاظم حالات اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران، والتعبير عن القلق بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في سريلانكا ومطالبة الحكومة بقبول تواجد آليات مراقبة دائمة لمفوضية حقوق الإنسان في البلاد”.

في المقابل، مر المندوب الأوروبي مرور الكرام على أوضاع دول أخرى عند تطرقه لـ “تواصل انتهاك حقوق الإنسان في كل من دارفور والعراق وروسيا البيضاء”، ولينتهي إلى “تأكيد التزام الاتحاد الأوروبي بمواصلة الحوار مع الصين مما يسمح بالتطرق لقضايا مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب وعقوبة الإعدام وقمع حرية التعبير والتجمع والعبادة”.

كما أكدت عدد من الدول في تدخلات منفردة على الأوضاع في إيران، حيث عبرت ألمانيا مثلا عن “القلق من ارتفاع حالات الإعدامات في إيران، وبالأخص في حق الأحداث”.

المندوب البريطاني أثار موضوع الحريات في ميانمار (بورما) وكوريا الشمالية وإيران، وعبر عن “القلق الكبير مما يحدث في زمبابوي” مقدما الكثير من التفاصيل عن القمع البوليسي الذي يتعرض له المتظاهرون والطلبة هناك، كما تطرق إلى استعراض الأوضاع في روسيا البيضاء مطالبا بـ “الإفراج عن السجناء السياسيين”.

كندا أثارت من جهتها موضوع الانتهاكات في أوزبكستان في الوقت الذي اهتمت فيه هولندا بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان في كوبا.

زيلاندا الجديدة التي ألحت على ضرورة معالجة مجلس حقوق الإنسان للأوضاع الطارئة، طالبت المجلس ـ “بالإسراع باتخاذ الإجراءات في دارفور”، وعبرت عن “القلق مما يحدث في زمبابوي وجزر فيدجي وميانمار (بورما) وإيران”.

أما مندوب الولايات المتحدة فنوه في مداخلته إلى أن هناك “العديد من الحالات التي يجد فيها المدافعون عن حقوق الإنسان أنفسهم في حاجة للدفاع عن أنفسهم وأهلهم”، وخص بالذكر كوبا وكوريا الشمالية مرورا بأوزبكستان وإيران والسودان وميانمار (بورما) وروسيا البيضاء. كما وجه نداء إلى مجلس حقوق الإنسان يناشده فيه “الانضمام الى أعضاء المجموعة الدولية الذين يرغبون في منح صوت لمن لا صوت له”.

.. مقابل إجماع منتقد من دول نامية والصين وروسيا

هذا الموقف لبعض الدول الغربية قوبل بانتقاد حاد من بعض الدول النامية وروسيا والصين وهو ما يعكس الهوة القائمة حتى داخل المجلس حول بعض القضايا.

إذ ذكّر الممثل الكوبي بضرورة “تفادي المجلس استعمال نفس التصرفات القديمة المتمثلة في الكيل بمكيالين وبممارسة المناورات السياسية”، واعتبر أن “التحدي الأول عند فتح ملف النقاش ضمن هذا البند كان يتمثل في تفادي التشهير والإدانة التي كانت سائدة في لجنة حقوق الإنسان في حق الدول النامية”، موضحا بأن ذلك “لا يعني التملص من اختبار المراجعة الذي سيتم ضمن إجراءات المراجعة الدورية التي ستخضع لها كل الدول”.

كما شدد الممثل الكوبي على “ضرورة احتفاظ مجلس حقوق الإنسان بإمكانية تنظيم الدورات الطارئة للتصدي للحالات الطارئة، وعدم ترك المجال مفتوحا أمام بعض الدول للقيام بمناوراتها السياسية بغية فرض الهيمنة الإقليمية”، على حد تعبيره.

واقترح الممثل الكوبي أن تشمل الحالات التي يتم التطرق لها ضمن البند الرابع بالمجلس “الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي التي تهدف للمساس بحق الشعوب في العيش في سلام، وعمليات القصف التي تستهدف المدنيين، وعمليات الاعتقال التعسفية وتعريض السجناء للتعذيب، ومشاكل البيئة والاحتباس الحراري، وتطبيق المبادئ الديمقراطية في عمليات انقلاب غير شرعية”. واختتم تدخله بالإشارة إلى أن “كوبا ترفض المشاركة في مناورات سياسية قد يفتح هذا البند الباب لها على مصراعيه”.

أما ممثل سيريلانكا فعبر عن اندهاشه لكثرة التدخلات المعبرة عن القلق بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في بلده، وأضاف “لا اعتقد بأن موضوع حقوق الإنسان قضية يجب ان تكون مقتصرة على الإنسان الأبيض” (في إشارة الى الغربيين)، وذهب المندوب السريلانكي الى حد القول بأن “سريلانكا التي تحاول توحيد أوصال الجزيرة الصغيرة، ليست لتقبل دروسا ممن اختاروا الفاشية كنظام”، على حد قوله.

وانضمت مصر (التي تدخلت باسم المجموعة الإفريقية) الى هذه الانتقادات وقال مندوبها في معرض الدفاع عن زمبابوي “نأسف لهذه العودة للتهجم المقصود ضد الدول”، مضيفا بأن “زمبابوي تعرف مسار حوار وطني سيقود إلى انتخابات عامة في يونيو 2008″، وذكر بالنداء الذي وجهه الاتحاد الإفريقي إلى الدول التي تفرض حصارا على زمبابوي من أجل رفعه.

أما الصين فترى أن هناك العديد من حالات حقوق الإنسان التي تم تجاهلها والتي تتطلب تدخلا عاجلا، وخص المندوب الصيني بالذكر “الأطفال الذين يموتون جوعا في العالم، والفلاحين الذين حطمت محاصيلهم، وتفاقم ظاهرة الكراهية والعنصرية”.

منطق لم تسلم منه المنظمات غير الحكومية

الملفت أنه حتى منظمات المجتمع المدني التي عادة ما تجرؤ على انتقاد ما لا تقوى عليه الدول والحكومات، التزمت نفس الخط تقريبا. إذ أسهبت المنظمات الغربية (مثل هيومان رايتس ووتش والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان) في التنديد بالإعدامات في إيران والتعذيب في أوزبكستان والاعتقالات في ميانمار (بورما).

في المقابل، صبت المنظمات غير الحكومية أو شبه الحكومية (التي عادة ما تصطحبها الدول النامية معها)، كل جهدها لتقديم وجهة نظرها في قضايا محلية أو خاصة، تمتد من الصحراء الغربية أو الصحراء المغربية وصولا إلى كشمير مرورا بمنظمات يهودية أو متعاطفة كررت انتقاداتها لاحتفاظ المجلس بالبند الخاص بالأراضي المحتلة من قبل إسرائيل على جدول أعماله.

صمت شبه تام بخصوص الأوضاع في العراق

إذا كانت قضيتا الأراضي العربية المحتلة ودارفور قد تمت مناقشتهما على حدة ضمن بنود خاصة، فإن موضوع حقوق الإنسان في العراق يكاد يكون الموضوع الذي يجب تجنب الخوض فيه بأي ثمن.

وكان الرئيس الحالي لمجلس حقوق الإنسان دي كوستيا (من رومانيا) قد اكتفى بالقول ردا على سؤال طرحته سويس إنفو بأنه “يجب انتظار البند الرابع لمعرفة ما إذا كانت الدول ستثير الموضوع”، إلا أن حصيلة النقاش (في إطار البند لرابع) أظهرت بأن أغلب الدول تجنبت الخوض في موضوع العراق وكأن هذا البلد لا يشهد انتهاكات جسيمة أو أن ما يجري فوق أراضيه لم يعد يهم أعضاء أكبر محفل لحقوق الإنسان في العالم.

الاستثناءات الوحيدة جاءت من سويسرا التي عبر مندوبها السفير بليز غودي عن “القلق تجاه الأحداث الدموية التي تهز العراق “، وطالب المجلس بـ “إقناع كل الأطراف بضرورة الحوار”.

أما مندوب الاتحاد الأوروبي، فاكتفى بالإشارة إلى وضع العراق مطالبا الأطراف العراقية وكل الأطراف بالتهدئة ومنتهيا إلى التأكيد على تقديم المساعدة الإنسانية.

المندوب الروسي، وفي إطار رده على تصريحات زميله الأمريكي ، ذكّره بأنه “لم يشر في تدخله للأوضاع في العراق، ولا إلى معتقل غوانتانامو ولا إلى تصرفات شركات مثل بلاك ووتر”.

أما منظمات المجتمع المدني التي اثارت موضوع العراق فنجد في المقدمة، منظمة العفو الدولية التي اعتبرت أن “أوضاع حقوق الإنسان في كولمبيا والعراق وميانمار (بورما) وأوزبكستان تحتاج الى عناية خاصة من قبل مجلس حقوق الإنسان”.

وإذا كانت الدول العربية والإسلامية التزمت الصمت بخصوص العراق، فإن منظمات غير حكومية عربية مثل اتحاد الحقوقيين العرب، وصف ما يحدث في العراق بالمأساة معبرا عن “الأسف لكون مجلس حقوق الإنسان لم يعر الانتباه الضروري لهذا الموضوع”، ومع أن ذلك ليس من صلاحياته، إلا أنه طالب المجلس بـ “تعيين مقرر خاص حول العراق وتنظيم دورة خاصة حول أوضاع حقوق الإنسان في العراق”.

إجمالا يمكن القول أن مجلس حقوق الإنسان – في اختباره الحقيقي الأول – لم يقدم الدليل على أن أعضاءه يختلفون في مواقفهم كثيرا عما سبق أن شهدته لجنة حقوق الإنسان، لذلك فإنه ما لم يتمكن المجلس من تزويد نفسه بآليات تسمح له بمواجهة الأوضاع الطارئة بدون حسابات سياسية أو بعيدا عن الضغوط، فإن كل ما يقال عن تفادي التسييس والانتقائية يبقى مجرد كلام.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

المراجعة الدورية: الجديد في مجلس حقوق الإنسان أنه اعتمد نظام المراجعة الدورية الشاملة الذي يشمل كل الدول الأعضاء وغير الأعضاء وفق معايير تم الاتفاق بشأنها. وقد تم اختيار قائمة الستة عشر بلدا الأولى التي ستتم مراجعة أوضاع حقوق الإنسان فيها أمام المجلس.

البند السابع: هو البند الذي يتم فيه التطرق لأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل. ولكن عددا من الدول الغربية ترغب في إلغائه على أساس انه يجعل إسرائيل البلد الوحيد الذي يعرض منفردا في بند خاص.

البند الرابع: هو البند الذي يسمح للدول الأعضاء وغير الأعضاء ولمنظمات المجتمع المدني بإثارة حالات حقوق الإنسان في العالم التي يجب أن تسترعي اهتمام المجلس.

وهناك حالات الدول التي تم تعيين مقرر خاص او لجنة تحقيق خاصة لمتابعة أوضاع حقوق الإنسان فيها والتي تعرض من خلال تقرير امام مجلس حقوق الإنسان يتبع عادة بنقاش من قبل الجميع.

مشاريع القرارات: يتم التطرق أيضا لوضع حقوق الإنسان في بلد من البلدان عندما يتم التقدم بمشروع قرار حول أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية