هل تريد امريكا ديموقراطية عربية؟
كانت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية اول من رأى في خطاب الرئيس جورج بوش الذي طالب فيه الفلسطينيين بإصلاحات ديموقراطية، مؤشرا على تحول في السياسة الأمريكية نحو إرساء الديموقراطية في الشرق الاوسط
كتبت الصحيفة يوم 27 يونيو، إن هذه أول مرة يتم فيها “بناء مجال خطابي حول التغيير والحركية في المنطقة بين محور الشر المعروف، الذي يشمل خاصة ايران والعراق، وبين الدول الديموقراطية في الغرب. لقد جاء عهد جديد للانظمة الواقعة تحت التحذير وهي تقريبا كل الانظمة العربية”.
وكانت الصحيفة الإسرائيلية ضمن عدد من المراقبين الذين لاحظوا أن “مبدأ بوش الجديد” الخاص بالفلسطينيين يصلح للتطبيق على الحالة العربية عموما، ذلك أن شكوى بوش، من ضعف ديموقراطية السلطة الفلسطينية وفقدان استقلال القضاء والوظيفة الرقابية للبرلمان، تنطبق بدرجة أكبر على كل الأنظمة العربية الأخرى، ومن بينها الصديقة والحليفة للولايات المتحدة.
وهناك بالفعل شواهد تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تتجه نحو اشتراط التزام القواعد الديموقراطية مع حلفائها في المنطقة. فقد عزا كثير من المحللين تصاعد الهجمة الإرهابية الأخيرة ضد أمريكا إلى أزمة الدول الحليفة وعجزها عن خلق المناخ السليم المؤدي للاستقرار.
المعادلة المستحيلة!
جاء المتهمون بتقجيرات 11 سبتمبر من دول كانت “تعتبر من أعمدة الاستقرار” في المنطقة ومن حلفاء الولايات المتحدة المقربين. ولكن من الواضح أن هؤلاء الحلفاء لم يعد بإمكانهم ضمان مصالح أمريكا، بل انهم أصبحوا عبئا عليها. وهكذا تصاعدت الدعوات لدعم التغيير في اتجاه يحقق قدرا أكبر من الاستقرار.
من جهة أخرى، فإن الدوائر الأمريكية تميل إلى اعتناق نظرية “السلام الديموقراطي” التي برزت في التسعينات وملخصها أن أنظمة الحكم الديموقراطية لا تدخل في حروب مع بعضها البعض، وعليه فإن افضل ضمان للسلام في الشرق الأوسط هو تحول الدول العربية إلى الديموقراطية.
غير ان الجدل حول الديموقراطية العربية لم يبدأ هذا العام، وإنما ظل مستعرا منذ حرب الخليج، حيث كان التوجه في تلك الفترة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة يميل إلى دعم الديموقراطية. وهكذا، شجع الوجود الأمريكي في الخليج العناصر الليبرالية للتحرك، حيث تقدمت مجموعة من الشخصيات السعودية البارزة بمذكرة للملك فهد تطالب فيها باصلاح نظام الحكم.
لكن هذه المذكرة دفعت التيار الإسلامي القوي في المملكة الى التحرك بقوة لفرض رزنامته للإصلاح. وتزامن هذا مع تطورات في الجزائر ومصر والأردن واليمن وغيرها، أبرزت أن التيارات الإسلامية هي المستفيد الأكبر من الديموقراطية. وقد ادى هذا إلى انفجار مناظرة في أوساط صنع القرار الأمريكي، وصفها أحد المحللين بأنها أهم مناقشة منذ حرب فيتنام، اشتعل فيها الجدل بين من يؤيدون التعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة ومن يريدون نبذ كل الإسلاميين.
هل الديموقراطية في العالم العربي خطر على امريكا؟
وقد حُسم الجدل لصالح المعسكر الأول حين ألقت إسرائيل (والانظمة العربية الحليفة لأمريكا) بثقلها خلفه. وحضر كاتب هذه السطور ندوة في نيويورك في مطلع التسعينات فُصّلت فيها حيثيات هذا القرار من قبل أحد أبرز مؤيديه، جاء فيه أن الحركات الإسلامية كلها تعادي إسرائيل، وكلها تعادي الغرب، وكلها تتخذ مواقف سلبية من حرية المرأة. وعليه، فإن الحل يكون بتأجيل الديموقراطية إلى حين، والتركيز على قيم أخرى مثل احترام حقوق الفرد.
فهل يمكن اعتبار ما جاء في خطاب بوش الاخير حول الشرق الاوسط بمثابة تغيير جذري في السياسة الأمريكية باتجاه إعطاء الأولوية للديموقراطية؟ هذا ما يعتقده المحلل الإسرائيلي، الذي تنبأ بأنه “من الان فصاعدا سيتم فحص الانظمة العربية كل يوم من جديد. أهُم يفضلون الانضمام الى محور الشر او الانفتاح على العالم؟ وفقا لذلك، سيتعامل معهم زعماء العالم”. وأضاف، “إن خطاب بوش يدعو الى بناء عينة مخبرية لنظام عربي جديد تعددي وديموقراطي.
لكن حجة هذا المحلل تضعف حين يقول، إن من توابع هذا المطلب الانفتاحي الديموقراطي، “تطبيع العلاقات مع اسرائيل ووقف التحريض في وسائل الاعلام وشجب علني للاعمال الانتحارية ووقف تمويل الانتفاضة والعنف. وليست هذه بالنسبة له مجرد مطالب. فالدولة العربية التي لا تلتزم بها، ستجد نفسها ضمن محور الشر”.
وهناك بالقطع، تناقض بين مطالب الانفتاح الديموقراطي وبين التطبيع مع إسرائيل، الذي يعني التعايش مع الاحتلال الإسرائيلي وما يتبعه من انتهاكات لحقوق الأفراد والشعوب. كما أن الديموقراطية الفلسطينية، التي نادى بها بوش، لن تتحقق في ظل الاحتلال ولن تقبل التعايش معه كما يحلم شارون.
صحيح أن هناك إدراكا متزايدا في أوساط صنع القرار في أمريكا بأن هناك حاجة إلى حل إقليمي شامل لازمات الشرق الأسط وأن الديموقراطية هي واسطة العقد في هذا الحل. ولكن السؤال كما قال أحد المحللين الأمريكيين البارزين، ليس ما إذا كان العالم العربي قد أصبح جاهزا للديموقراطية، بل ما إذا كانت الولايات المتحدة جاهزة لخيارات العرب الديموقراطية؟ إنه السؤال كما يقول هامليت شكسبير.
عبد الوهاب الأفندي – لندن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.