هل تصلح كارين هيوز ما أفسده بوش؟
تقوم كارين هيوز، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الدبلوماسية العامة بجولة في مصر والسعودية وتركيا، رافعة شعارا جديدا للدبلوماسية العامة الأمريكية، وهو الحوار بدلا من توجيه الرسائل من طرف واحد.
فهل ستنجح في تحسين صورة أمريكا التي شوّهتها سياسات الرئيس بوش الخارجية؟
تعول السيدة كارين هيوز على ضرورة الاستماع إلى الآخرين لكي يمكن للدبلوماسية العامة الأمريكية أن تنجح، ولذلك اصطحبت معها في جولتها في الشرق الأوسط نائبتها دينا حبيب باول، المصرية الأصل والتي تشغل أيضا منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون التعليمية والثقافية.
ويعول الكثيرون في واشنطن على خبرة دينا باول بالمنطقة وإلمامها باللغة العربية في تنفيذ الخط الجديد للدبلوماسية العامة الأمريكية، وهو الحوار بدلا من الاقتصار على توجيه الرسائل من طرف واحد، وبذل الجهود لتحسين الصورة.
وقد حدّدت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ملامح الدبلوماسية العامة الجديدة فقالت: “إن الأمريكيين يركزون بشكل كبير على أنفسهم وعلى بلادهم، وهناك حاجة لأن يعرف الأمريكيون المزيد عن ثقافات العالم ولغاته، ومن الأهمية بمكان أن توفر الدبلوماسية العامة الفرصة للحوار مع باقي أنحاء العالم، بحيث يتعرفون علينا ونتعرف عليهم”.
أما السمة الثانية للدبلوماسية العامة الجديدة، فكانت تأكيد وزيرة الخارجية الأمريكية على ضرورة تحقيق التكامل بين جهود الدبلوماسية العامة ورسائلها وبين السياسة الأمريكية، بحيث تساند كل منهما الأخرى. ولذلك، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها قررت ضم وكيلة وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة كارين هيوز إلى فريقها المكلف برسم السياسات لتحقيق التكامل بين الرسالة والسياسة.
ولكن التحدّي الرئيسي الذي يواجه مهمة كارين هيوز، التي يفضل المحللون الأمريكيون تشبيهها بالفيلم الأمريكي الشهير”المهمة المستحيلة”، هو أن لجنة كلفها الكونغرس الأمريكي بتقييم صورة أمريكا وسمعتها في العالم العربي، توصّـلت إلى أن غالبية من استطلعت آراؤهم في كل من مصر والسعودية والمغرب أعربوا عن اقتناعهم بأن “الرئيس بوش أخطر على العالم من أسامة بن لادن”، وحذر تقرير اللجنة من أن مشاهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والفوضى الشائعة في العراق منذ الغزو الأمريكي تتكرر أمام المشاهدين العرب على شاشات التلفزيون بشكل يلحق أبلغ الضرر بصورة الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي، ناهيك عن أن اللجنة توصلت من خلال استطلاع آراء عدد من شعوب العالم في مناطق أخرى إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تمثل شعلة الأمل والحرية، وإنما ترتبط الآن في أذهان الشعوب الأخرى بـ “القوة الخطيرة التي يجب مواجهتها”.
وكان تقرير آخر أعدته لجنة ترأسها المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكية إدوارد جيريجيان قد توصل إلى أن “80% من انطباعات شعوب العالم عن الولايات المتحدة يعود إلى سياساتها الخارجية”.
نصائح الخبراء
استطلعت سويس إنفو آراء الدكتور عمرو حمزاوي، الخبير بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي حول أبرز المشاكل التي تواجه كارين هيوز في مهمتها المستحيلة فقال: “المعضلة الرئيسية هي ضرورة التركيز على دور الدبلوماسية العامة في شرح السياسة الأمريكية والتعرف على وجهات نظر الآخرين في العالم إزاء تلك السياسة، ونقل هذه التصورات عن السياسة الأمريكية إلى مخططي السياسة الخارجية، بدلا من اقتصار مهمة الدبلوماسية العامة على محاولة تبرير سياسات لا تجد من يدافع عنها في العالم. أما المشكلة الثانية، فهي غياب الفاعل الذي سيقوم بهذا الدور. فإذا اعتمدت كارين هيوز على أدوات دعائية مثل قناة “الحرة” أو راديو “سوا”، وكلاهما يفتقر إلى المصداقية في العالم العربي، أو اعتمدت فقط على زيارات خاطفة للشرق الأوسط لتبادل أطراف الحديث مع شخصيات منتقاة بعناية، فلن تنجح في تحسين الصورة”.
أما الدكتور إدموند غريب، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية في واشنطن، فيرى أن المشكلة ليست في طريقة تسويق أمريكا للعالم، وإنما في السياسة الأمريكية نفسها: “المشكلة ليست في البائع، ولكن في البضاعة. فما لم تتغير نوعية البضاعة التي تقدمها الولايات المتحدة من خلال سياساتها الخارجية إزاء العرب والمسلمين، ستستمر موجة العداء لأمريكا، وسيتواصل التوتر الحالي وتستمر الفجوة القائمة حاليا بين الرأي العام العربي وبين السياسة والإدارة الأمريكية”
ولقد سمِعَـت كارين هيوز ذلك في القاهرة حين أبلغها المواطنون البسطاء والخبراء على حد سواء بأنه لا توجد مشاعر معادية، لا للشعب الأمريكي ولا لمعظم القيم الأمريكية، ولكن لسياسة الرئيس بوش في الصراع العربي الإسرائيلي وفي العراق، وكذلك في التناقض بين دعوته للديمقراطية والحرية في العالم العربي، ومواصلته مساندة حكام مستبدين لم ينتخبهم أحد.
وعلق الدكتور عمرو حمزاوي على تجنب هيوز مقابلة ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين، أكبر جماعات المعارضة المصرية فقال: “يعكس هذا الموقف مساحة كبيرة في التناقض بين القول في الخطاب المعلن والفعل الأمريكي. فبينما رفع بوش شعار نشر الحرية والديمقراطية كأولوية في فترة رئاسته الثانية، وتقر أصوات داخل الإدارة الأمريكية بأن الحركات الإسلامية المعتدلة التي لا تستخدم العنف تشكّـل جزءا رئيسيا من القوى المشاركة في التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، نرى واشنطن على أرض الواقع تشجع نظما كالنظام المصري على منع الإخوان المسلمين من المشاركة في العمل السياسي، ويؤدي ذلك إلى زيادة في تشويه صورة أمريكا في المنطقة”.
ويتفق لي هاملتون، الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مع هذا التحليل ويقول: “إن كثيرين ممن يكنّـون العداء للولايات المتحدة في العالم العربي يكرهونها بسبب سياساتها. فغالبية العرب لا يعتقدون بأن الولايات المتحدة غزت العراق لنزع أسلحة صدام حسين أو لإقامة نظام ديمقراطي في العراق، كما ترى غالبية العرب أن التأييد الأمريكي لزعماء مثل حسني مبارك يتناقض تماما مع دعوة بوش للديمقراطية”.
ويقدم الدكتور عمرو حمزاوي ما أسماها “وصفة سحرية” لنجاح الدبلوماسية العامة للولايات المتحدة:
أولا، التركيز على مصداقية أدوات الدبلوماسية العامة ومصداقية القائمين عليها، وضرورة إصلاح الخطأ الناجم عن إسناد قيادة راديو “سوا” وقناة “الحرة” إلى قيادات تفتقر إلى المصداقية في العالم العربي، وتشكيل أطقم العاملين فيهما من أقلية لها توجّهات معروفة ولا تعبّـر عن مجمل الشعوب العربية، ولا تخاطب التيار العام الرئيسي في العالم العربي.
ثانيا، اعتماد فكرة العمل التراكمي، والاستفادة من الخبرات الواقعية المتراكمة لدى المؤسسات الأمريكية عن العالم العربي منذ القرن التاسع عشر، بدلا من التصور الخاطئ بأن الولايات المتحدة فوجئت بما يحدث في العالم العربي فقط بعد هجمات سبتمبر.
ثالثا، ضرورة استمرار ممارسات الدبلوماسية العامة لكي تحدث آثارها على المدى البعيد، إذ لن يمكن تحسين الصورة بين ليلة وضحاها.
رابعا، التركيز على العلاقة التبادلية بين السياسة والدبلوماسية العامة، بحيث تكون هناك دائما عملية تغذية استرجاعية متبادلة، فتقوم الدبلوماسية العامة بشرح السياسة الأمريكية ومن خلال الاستماع إلى وجهات نظر العالم الخارجي، تعود الدبلوماسية العامة لمخططي السياسة الخارجية الأمريكية فتنقل لهم كيف أن هناك بعض السياسات التي يجب أن تشهد إظهارا لبعض المرونة بشأنها، لأنه لا يمكن الدفاع عنها.
تفاصيل خطة كارين هيوز
من جهتها شرحت السيدة كارين هيوز، المقربة من الرئيس بوش، تفاصيل التوجه الجديد للدبلوماسية العامة في عدة نقاط:
أولا، أهمية الحوار المباشر بين الشباب الأمريكي مع الشباب في باقي أنحاء العالم، والتوعية بالأمل الذي تنطوي عليه الدعوة إلى الحرية والديمقراطية، حيث ينعم الجميع بحرية التعبير والعقيدة وباقي الحريات، عوضا عن الاستبداد والقمع والقهر.
ثانيا، العمل على تهميش المتطرفين الذين يحاولون استغلال الدّين لتبرير قتل المدنيين.
ثالثا، تعزيز الشعور بالقيم والاهتمامات المشتركة بين الأمريكيين وشعوب وثقافات العالم الأخرى من خلال الاستماع إليهم والحوار معهم، وبالحرص على أن يتفهم الأمريكيون شعوب العالم الأخرى قبل أن يتوفر فهم الآخرين لأمريكا وشعبها.
وأعربت كارين هيوز، التي ستقود جهود الدبلوماسية العامة الجديدة، أنها تشعر بالتفاؤل لأنه إذا توفّـرت الرغبة المُـنصِـفة والاختيار الحر، فإن هناك الكثير من القيم والمبادئ الأمريكية التي سيقبل عليها معظم أبناء الشعوب الأخرى، الذين يفضلون الحرية على الطغيان والتسامح على التطرف، والتنوع على التجانس الصارم، والعدل على الظلم.
وتعهدت كارين هيوز بألاّ تنطوي الدبلوماسية العامة على الإشاعات والدعاية، وأن تقوم بدلا من ذلك على الحوار وتقديم الحقائق باستخدام وسائل متنوعة، مثل برامج إيفاد المتحدثين إلى شعوب العالم، وفتح باب الحوار من خلال غرف المحادثة على شبكة الإنترنت، وتوسيع برامج التبادل الدولي التي أثبتت نجاحها كأفضل وسائل الدبلوماسية العامة خلال الخمسين عاما الماضية، وكذلك الاهتمام بقادة الرأي المؤثرين في الشباب، مثل الزعماء الدينيين والمعلمين ورجال الإعلام والمثقفين ونجوم الرياضة.
ولتحقيق هدف الحوار كمعلم أساسي في الدبلوماسية العامة الجديدة، قالت كارين هيوز، إنها تعمل مع وزيرة الخارجية الأمريكية على بدء مبادرة استراتيجية لتعليم للغات الأجنبية لضمان أن يصبح الشباب الأمريكي قادرا على التواصل والحوار مع شعوب العالم الأخرى. ودعت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية إلى مشاركة الشركات الأمريكية والجامعات ووكالات السياحة الأمريكية والفنانين الأمريكيين وكل من يلتقي بشعوب العالم الأخرى من المواطنين الأمريكيين، إلى المشاركة في جهود الدبلوماسية العامة الجديدة من خلال الحوار المباشر مع أبناء الشعوب الأخري لتحقيق هدف الانتصار في معركة الأفكار من أجل مستقبل أفضل للجيل القادم في أمريكا والعالم.
ولم تتطرق كارين هيوز إلى تجربتي راديو “سوا” وقناة “الحرة” اللتين لم تفلحا في تغيير مشاعر العداء للولايات المتحدة في العالم العربي، وتخضعان حاليا للتدقيق والمراجعة.
شروط للنجاح
التحدي الحقيقي الذي تواجهه كارين هيوز هو: هل ستنجح فيما أخفقت فيه مسؤولات الدبلوماسية العامة اللاتي سبقن هيوز في شغل ذلك المنصب، وهما شارلوت بيرز، ومارغريت تاتوايلر؟
يرى الدكتور عمرو حمزاوي، الخبير بمؤسسة كارنيغي للسلام إنه لكي تنجح السيدة هيوز، يتعيّـن عليها أن تعيد النظر في دور الدبلوماسية العامة في تغذية صناع القرار ومخططي السياسة الأمريكية بالمعلومات عن كيفية التحرك المرن داخل إطار السياسة التي تخدم المصالح القومية الأمريكية، مثلما فعل الرئيس بوش الأب في التعامل مع إسرائيل مع المحافظة على المساندة الأمريكية التقليدية لها، ومثلما حاول الرئيس كلينتن أن يتعامل بشكل أذكى مع طرفي الصراع.
ويبدو أن وزيرة الخارجية الأمريكية قد أدركت أهمية مسألة التغذية الاسترجاعية بين صناع ومخططي السياسة الخارجية الأمريكية، وبين القائمين على الدبلوماسية العامة، حين أعلنت أن كارين هيوز ودينا باول ستشاركان بصفة دائمة بإبداء الرأي حول مائدة مخططي السياسة الخارجية الأمريكية. وكما يقول المثل العربي: “أفلح إن صدق”.
وقد يكون تقديم الحقيقة وبدء الحوار ومحاولة فهم الشعوب الأخرى أهم عناصر أسلحة هيوز، عملا بمقولة شهيرة لإدوارد مورو، رئيس وكالة الإعلام الأمريكي في عام 1963: “لكي نكون قابلين للتصديق يجب أن نتمتع بالمصداقية، ولكي نتمتع بالمصداقية يجب أن نقول الحقيقة”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.