مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل حصُل توافق في العراق على تحجيم مقتدى الصدر؟!

جندي عراقي في مدينة الصدر لدى انطلاق حملة الجيش العراقي الرامية للسيطرة على المنطقة يوم 21 مايو 2008 Keystone

عملية "صولة الفرسان" في البصرة، وامتداداتها في مدينة الصدر في العاصمة العراقية بغداد، كشفت بما لايقبل الشك أن السيد مقتدى الصدر زعيم ما يعرف بالتيار الصدري أصبح شخصية غير مرغوب فيها.

فقد أصبح الرجل واحدا من الذين لاتطيقهم الحكومة العراقية وإيران والولايات المتحدة بعد أن كان حليفاً لبغداد وطهران، ومهادناً لواشنطن التي قبل بالعمل تحت خيمتها عبر مشاركة تياره في العملية السياسية.

مقتدى الصدر وعبر جيش المهدي التابع له، خاض حربا شرسة – فُرضت عليه هذه المرة – مع القوات العراقية والأمريكية. وتخلت عنه ايران عندما كان في أمسّ الحاجة لدعمها، بل وشنت عليه الصحف الايرانية حملة نادرة وصفته فيها بأبشع الألفاظ، لمجرد أنه كشف عن لقاء له مع آية الله السيد علي خامنئي طلب فيه أن لاتتدخل ايران في الشان العراقي .

وكانت نتيجة كل ذلك أن فقد الصدر الكثير من قوته العسكرية، وحتى من هيبته السياسية على الرغم من أن ايران بقيت الملاذ الذي لجأت له العديد من قيادات وكوادر جيش المهدي وبينهم رؤوس لعصابات الجريمة مطلوبون للقضاء العراقي، إضافة الى تدمير بنى جيش المهدي التحتية والقضاء على منافذ الدعم المالي والعسكري لعناصره، ما أدى الى تفكيك معظم الجماعات المسلحة المختبئة تحت عمامة الصدر خصوصا تلك المتهمة بتنفيذ جرائم قتل، وكان هو تبرأ منها في مناسبات عدة.

وقد أكدت أوساط عراقية مطلعة أن الحكومة العراقية لوحت أثناء تلك المواجهات العسكرية بملف اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي، ورفعت قميصه وكان قُتل بطريقة وحشية في مقام الإمام علي بن أبي طالب في النجف الأشرف في العاشر من أبريل 2003. وتحدثت تلك الأوساط عن اتصالٍ أجراه مستشار الأمن القومي موفق الربيعي مع عائلة الخوئي لتحريك الملف قضائياً ضد مقتدى الصدر في إصرار واضحٍ من الحكومة – ودعم أمريكي ورضا ايراني – على الإطاحة به بعد أن خاضت معارك ضارية مع ميليشياته في البصرة حيث كانت تتهمها بتهريب النفط والسلاح والمخدرات.

لقد أصبح مقتدى الصدر شخصاً غير مرغوب فيه في إيران، وفرضت على تحركاته الكثير من القيود خلال إقامته في إيران في مؤشر على وجود خلافات بينه وإيران التي قامت مباشرة بعد احتلال العراق بتسليح ميليشياته وتدريب عناصرها واستخدامها للقيام بعدد من العمليات. لكن يبدو أن نزعة الصدر القومية وإصراره على تشكيل قيادة شيعية منافسة لم تعد تروق لطهران وللمرجعية الشيعية في النجف التي رفضت منحه الغطاء الديني لتبرير أعماله وسط معلومات روجتها أوساط معادية له أن السيد جعفر نجل الامام الراحل محمد باقر الصدر (أعدمه صدام مع شقيقته العلوية بنت الهدى في 9 نيسان 1980) مفادها أن آل الصدر يتبرؤون من مقتدى ومن جريمة اغتيال مجيد الخوئي، وأن السيد كاظم الحائري وريث مرجعية محمد صادق الصدر – والد مقتدى – رفض استقبال الأخير في مكتبه في قم ربما لرفع الغطاء عنه نهائيا تمهيدا للقضاء عليه بطرق شتى.

اتفاق شيعي!؟

زعيم المرجعية الشيعية الأعلى السيد علي السيستاني الذي لم يكن على وفاق مع مقتدى الصدر حتى قبل قصة تسليم مفاتيح الحرم الأميري العام 2004 بعد أزمة النجف المعروفة، أيد بشكل لافت رئيس الوزراء نوري المالكي في قضية نزع أسلحة جيش المهدي ولم يعترض على أيِّ من قرارات الحكومة بهذا الشأن خصوصا العمليات العسكرية ضد المسلحين، والذي اعتبرته ايران للوهلة الأولى، إضعافا للبيت الشيعي قبل أن يرسل المالكي وفدين سياسيين الى طهران، أكدا للايرانيين أن عملياته استهدفت فقط عصابات الجريمة والخارجين على القانون، ونال بذلك موافقة ايران على تحجيم مقتدى الصدر.

وبدا واضحا أيضا أن المرجعية الدينية في العراق تؤيد بشكل عام الدولة وتوصي باحترام هيبتها وحصر السلاح بيدها، والدفاع عنها، وتعتبر أن ما تقوم به الدولة وفق “مصلحة العراقيين” أمر مقبول.

غير أن السيستاني وهو يدعم الائتلاف العراقي “الموحد” رغم خروج تيارات رئيسة منه كحزب الفضيلة والتيار الصدري، ينادي بالمصالحة الوطنية ودمج الأقلية السنية فى العملية السياسية، لكنه في نفس الوقت ينأى بنفسه عن التدخل لاعادة الصدريين والفضيلة إلى خيمة الائتلاف كما أنه لم يصرح بأي موقف خلال أيام القتال الطويلة في البصرة ومدينة الصدر.

وفي هذا الواقع تأتي زيارة المالكي الأخيرة للسيستاني في منزله في النجف الأشرف لتبرير ما فعلته القوات التابعة للحكومة والقوات الأمريكية مع المدنيين -أحيانا- والخرق الفاضح للكثير من حقوق الانسان وحتى القيم الدينية حين كانت بعض سيارات الشرطة في البصرة تبث عبر مكبرات صوت أغان قيل إنها “تستفز مشاعر الصدريين ومعهم أيضا المتدينين”.

صحيح أن المالكي حصل أيضا من السيستاني على دعم للحكومة في مساعيها لإعادة جبهة التوافق “السنية” الى الحکومة، وفي الاستعدادات الجارية لإجراء انتخابات المجالس البلدية في تشرين الأول أكتوبر القادم، إلا أن لقاء رئيس الوزراء -الاسلامي السابق- مع المرجع الشيعي الأعلى في البلاد يمنحه غطاء شرعيا في مواجهة خصومه الشيعة قبل الانتخابات.

تقليم أظافر!

عموما، بدا واضحاً أن الحكومة العراقية – وقد انضم لها الكثير من خصومها التقليديين داخل العملية السياسية – سلكت طريق نزع مخالب مقتدى الصدر وإن بالقسوة عليه وعلى أنصاره ولو بلغ ما بلغ. لكن ما أثار التساؤلات هو موقف إيران – حتى الآن – المؤيد لتحجيم حليفها السابق.

ولقد اختلفت التفسيرات حول موقف إيران من الصدر، فهناك من يعتقد أن الصدر يتلقى دعماً عسكرياً وتمويلياً كبيراً من الحرس الثوري الإيراني، بل يرى آخرون أن هناك محوراً من إيران وسوريا وحزب الله ومقتدى الصدر يهدف إلى إفشال المخطط الأميركي في العراق.

في المقابل، يُنظر إلى أن القوى الإيرانية المتشددة المعادية للولايات المتحدة تدعم مقتدى الصدر بينما تدعم القوى الإيرانية المعتدلة الأحزاب والمرجعيات السياسية الأخرى، وهو وضع يتسم بتعقيد شديد ولا يسمح لأي مراقب بإمكانية التكهن بما تريده الجهات الإيرانية فعلا لتحقيق “مصلحة إيران”.

وفيما يذهب البعض إلى أن المسألة لا تزيد عن تبادل أدوار، إلا أن المواجهات الأخيرة بين الصدر والقوات الحكومية خصوصاً في البصرة قلّلت من أي فرضية حول علاقة الصدر العضوية بإيران في ضوء غياب الدعم الشعبي والسياسي الإيراني لمقتدى الصدر، الأمر الذي يرجّحه عدد من أنصار الصدر الثاني (والد مقتدى الصدر) بشأن التنافس السابق بين إيران ووالده ويُذكرون بما كانت تكتبه عنه صحيفة “جمهوري إسلامي” القريبة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي فيما يسمى بالصراع بين قم والنجف على المرجعية الدينية للشيعة في العالم.

فمقتدى الصدر – على خطى والده محمد محمد صادق الصدر – مهتمّ بوطنيته العراقية، وهو دائم الانتقاد للمرجعيات الإيرانية في العراق ولتلك المرجعيات غير الإيرانية التي تتحدث اللغة العربية بلكنة فارسية، وعليه يجب أن يختفي من الخارطة.

ومن الواضح فإن القوى السياسية الشيعية الرئيسة في العراق وفي مقدمتها المرجع الأعلى علي السيستاني والمجلس الإسلامي الأعلى وحزب الدعوة يريدون من طهران تأييد موقفهم في عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع الاحتلال وفي فسح المجال للعملية السياسية التي ستؤدي برأيهم إلى سيطرة الشيعة على مقاليد الحكم في العراق كونهم الأغلبية، ومن هنا لجأت إيران إلى احتواء دور مقتدى الصدر وجيش المهدي وربما إلى الإطاحة بدوره السياسي نهائياً إذا فُتح بالفعل ملف اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي على مصراعيه.

ويمكن القول وفي سياق التطورات الأخيرة إن إيران وحلفاءها في الدولة العراقية الجديدة ومعهم أيضاً الولايات المتحدة التي كانت ترحب بدور سياسي لزعيم التيار الصدري نجحوا في تحجيم دور مقتدى الصدر وربما إقصائه وحمله على التفكير بحلّ جيش المهدي غير أن هذا لا يعني أبداً وفاة مقتدى الصدر سياسياً اللهم إلا إذا اغتيل بالفعل وهو أمر غير مستبعد في العراق الجديد…

نجاح محمد علي – دبي

بغداد (رويترز) – حذر أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الحكومة العراقية يوم السبت 24 مايو 2008 من أنها تعرض هدنة هشة للخطر متهمين قوات الامن بمهاجمة المصلين من أتباع الصدر في بغداد والبصرة.

وأطلقت قوات الامن العراقية أعيرة نارية لتفريق المصلين في مدينة البصرة بجنوب العراق خلال صلاة الجمعة واعتقلت مئات من أنصار الصدر في جنوب غرب بغداد في الوقت ذاته تقريبا.

وقال مسؤولون في التيار الصدري أحد أكبر الكتل السياسية في البرلمان يوم السبت إن الشرطة استهدفت مسجدا في حي العامل ببغداد واعتقلت 400 من المصلين داخل وخارج مبنى المسجد خلال صلاة الجمعة. والمسجد هو أيضا مكتب الصدر في المنطقة.

وذكر الصدريون في البصرة أن شخصا قتل وأصيب خمسة أشخاص عندما فتح جنود عراقيون النار لمنع المصلين من التجمع في احدى الساحات.

وقالت الشرطة ان الجنود أطلقوا أعيرة نارية في الهواء لتفريق تجمع غير مشروع وان ستة أشخاص أصيبوا.

وقال صلاح العبيدي المتحدث باسم الصدر في مدينة النجف ان التيار الصدري يعتبر ما حدث مرحلة جديدة من استهداف أنصاره من قبل الحكومة العراقية والقوات الامريكية.

وأضاف أن “الاعتداء” على صلاة الجمعة هو تصعيد جديد قد يكون له تداعيات خطيرة في المستقبل.

وذكر الصدريون أن الحكومة تنتهك اتفاقات السلام التي أبرمت في الاونة الاخيرة لانهاء المعارك التي استمرت لاسابيع بين ميليشيا جيش المهدي والقوات الامريكية والعراقية وأودت بحياة المئات.

وصمدت اتفاقات وقف اطلاق النار التي أبرمت في البصرة وبغداد الى حد بعيد ونسبت اليها القوات الامريكية الفضل في تراجع العنف الى مستويات شبه قياسية في جميع انحاء البلاد خلال الاسبوعين المنصرمين.

وسمحت هذه الاتفاقات لنحو عشرة الاف جندي عراقي مدعومين بدبابات بدخول حي مدينة الصدر المعقل الرئيسي للصدر في بغداد دون مقاومة هذا الاسبوع لبسط سيطرة الحكومة على المنطقة التي كانت خارج نطاق سيطرتها الى حد بعيد منذ توليها السلطة في عام 2006.

وعقد الصدريون الذين انسحبوا من حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي العام الماضي مؤتمرا صحفيا يوم السبت للاحتجاج على تحرك قوات الامن كما اجتمعوا مع وزير الدفاع عبد القادر جاسم في بغداد.

وقال النائب الصدري حسن الربيعي خلال المؤتمر الصحفي إن التيار لم يشهد مثل هذا الانتهاك الصارخ حتى في عهد النظام البعثي بقيادة الرئيس السابق صدام حسين.

ودافع مسؤول بوزارة الداخلية عن حملة الجمعة في بغداد قائلا إنها استهدفت أنصارا لميليشيا جيش المهدي وأنه جرى مصادرة مدافع رشاشة وقذائف صاروخية.

وأضاف ان المئات اعتقلوا لكنه لم يحدد عددهم.

وقال أحد السكان الذي شهد العملية لرويترز ان الشرطة اعتقلت عشرات المصلين داخل المسجد ثم بدأت ما وصفه باعتقالات عشوائية في سوق قريب.

وأكد المتحدث باسم الجيش الامريكي اللفتنانت كولونيل ستيفن ستوفر أن القوات الامريكية شاركت في العملية التي قال انه جرى خلالها أيضا ضبط أربع مقذوفات خارقة للدروع وهي قذائف قوية الى حد تدمير دبابة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 مايو 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية