هل سيقوم كيرى بضبط “العسكرية الأمريكية”؟
مع اقتراب موعد الثاني من نوفمبر، تحتدم المنافسة بين مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وتبدو حملة الإنتخابات الحالية وكأنها حملة عسكرية تهدف إلى اختيار “قائد أعلى للقوات المسلحة”، بأكثر مما ترتبط باختيار رئيس للقوة الأعظم في العالم.
يمثل الدفاع القضية الأولى على أجندة الحزبين، ويؤدي مرشحا الرئاسة التحية العسكرية في ختام خطبهم، ويطلقون تصريحات حربية وتصريحات مضادة “فى مقتل”، ويحيطون أنفسهم بكبار العسكريين أو قدامى المحاربين، ويحاول كل منهم أن يثبت باستماتة أنه هو الذى سيحفظ “أمن أمريكا”، وأن الآخر يعرض – أو قد يعرض – الدولة للخطر.
إن الرئيس الأمريكى جورج بوش يراهن على أن الناخبين سوف يتذكرون فى النهاية ما حدث فى 11 سبتمبر 2001، وردود الأفعال العسكرية السريعة الاستباقية المتشددة التى قامت بها إدارته، والتى جعلت الدولة – من وجهة نظر الطاقم العامل معه – أكثر أمنا، بينما يراهن المرشح الديمقراطى جون كيرى على أن الناخبين الأمريكيين سوف يتذكرون أكثر ماحدث ولايزال يحدث فى العراق، والذى أدى فى مجمله إلى تدهور أمنى وأزمة مصداقية وعزلة دولية.
“النجدة فىالطريق”
وبالإمكان القول أن “كود” الحملة الانتخابية (التى تحولت إلى معركة حقيقية تشهد حالة غير مسبوقة من “تكسير العظام” بين المرشحين الرئاسيين) هو كلمتى “القوة”، و”القيادة” اللتين تتكرران بكثافة فى كل التصريحات السياسية، فى ظل اتهامات ديمقراطية للمحافظين الجدد فى الإدارة بأنهم قادوا الدولة وحركوا الجيش فى اتجاهات خاطئة، مستخدمين سياسات الخوف، والإعلان بأن “النجدة فى الطريق”، تقابلها اتهامات جمهورية لكيرى بأنه ليس قويا بما يكفى وأنه غير قادر على اتخاذ القرارات العنيفة المتصورة لحماية أمن الولايات المتحدة، وهو ما يحاول السيناتور كيرى إثبات عكسه بكل الوسائل فى ظل رأى عام لايزال غير واثق من ذلك.
لقد حرص جون كيرى، وكل المشاركين الرئيسيين معه فى الحملة، بمن فيهم الزوجات، على التأكيد على أنهم ليسو بعيدين عن فكرة الحرب، وأنهم شاركوا فى حروب فعلية، أو عاشوا فى ثكنات أو مدن عسكرية، وأن الحكمة لاتتناقض مع القوة، وسيطرت قصص فيتنام على كل كلمات المؤتمر العام للحزب الديمقراطى الأخير في بوسطن، بل وحضر ” كيرى” إلى المؤتمر مصطحبا معه رفقاء الحرب القدامى. لكن الأهم هو مايبدو من أن المرشح الديمقراطى ” كيرى” يرغب فى إحداث تحول كبير فى توجهات السياسة العسكرية الأمريكية التى أقلقت العالم خلال السنوات الأربع الماضية.
مبادئ كيرى
إن ما يطرحه كيرى من التزامات معلنة تشكل نظرية واقعية تقترب مما كان موجودا دائما بين دفتي “الكتب”، وترتبط تلك الالتزامات بالتأكيد على سياسة مختلفة لاستخدام القوة المسلحة، ذات مبادئ تختلف عما يطبقه المحافظون الجدد فى واشنطن.
وتستند تلك السياسة على بعض الضوابط الجديدة، التى يفترض أنها ستحيط بعملية استخدام القوة المسلحة إذا ماتمكن الديمقراطيون من الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، أهمها مايلى :
1 – أن استخدام القوة المسلحة يجب أن يكون الملاذ الأخير وليس التوجه السائد، وقد كرر كيرى عبارة دائمة تشير إلى أن ما يقصده هو “أن الولايات المتحدة سوف تذهب إلى الحرب عندما تجد أنه يجب عليها أن تفعل ذلك لكن ليس لأنها تريد ذلك”، والمقصود هو الإشارة إلى التفسير المسيطر بشأن حرب العراق وهو أن إدارة بوش كانت راغبة فى استخدام القوة ضد صدام دون أسس استراتيجية.
2 – أن استخدام القوة العسكرية وسيلة وليس هدف، فالقوة قد تكون ضرورية أحيانا لكنها ليست كافية وحدها لتحقيق الأهداف السياسية أو حتى العسكرية، مالم تترافق مع وسائل أخرى تختلف تبعا لطبيعة التهديد، خاصة فى التعامل مع تهديد الإرهاب.
3 – أنه عندما يتم التوجه للحرب يجب أن يكون هناك إعداد جيد يضمن عدم التعرض لمفاجآت، وأن تكون هناك قوة كافية لتحقيق الهدف، وأن تكون هناك خطة محددة لتحقيق الاستقرار بعدها، وهو أيضا انتقاد حاد لما حدث فى العراق من حيث عدم وجود تصورات محددة حول أوضاع العراق الداخلية، وعدم كفاية القوات خلال العمليات العسكرية، وعدم القدرة على السيطرة بعد الحرب.
4 – التأكيد على مبدأ السيطرة المدنية على القوات المسلحة، فمن بين ماقاله كيرى أنه سيكون لديه وزير دفاع يستمع إلى ما يقوله العسكريين، وهو يقصد أن دونالد رامسفيلد كان يتدخل فى توجهات العمليات العسكرية، وأن بعض الجنرالات شعروا بقلق دائم من ذلك.
5 – الإشارة إلى مسألة مبرارات الحرب، فلكى يتم خوض حرب يجب أن يكون هناك مبرر قوى ومحدد وواضح ويستند على حقائق تتم مصارحة المواطنين والمؤسسات بها، وقد تمت الإشارة هنا إلى الأكاذيب التى أدت إلى عدم مصداقية فى البيت الأبيض، بخصوص أسلحة التدمير الشامل العراقية.
6 – إعادة بناء التحالفات العسكرية للولايات المتحدة، فالولايات المتحدة لن تذهب إلى الحرب وحدها، كما كانت الإدارة الحالية تقول، وإنما سيتم ذلك فى إطار ائتلافات تضمن عدم الزج بقوات الاحتياط والحرس الوطنى، وإعادة القوات فى وقت مناسب إلى ثكناتها “ومنازلها”.
الأسئلة الحقيقية
لكن يظل السؤال الحقيقى هو ما إذا كان سيظل كيري متمسكا بتلك المبادئ حتى النهاية فى الوقت الذى لايبدو فيه أن الرأى العام الأمريكى قد تحول بعدُ بوضوح فى اتجاه تأييده فيما يتعلق بمسألة الأمن، أو ما إذا كان سيتمكن من القيام بذلك عمليا إذا فاز فى انتخابات نوفمبر القادمة، ليجد نفسه أمام ديناصور المؤسسة العسكرية، وما أسماه الرئيس أيزنهاور ذات مرة “المجمع الصناعى – العسكرى”، وهل ستتيح له التهديدات الموجودة بشأن الإرهاب والانتشار النووى أن يطبق تلك السياسة المعملية التى ستواجه اختبارات معقدة فى مسرح العمليات الحقيقى.
إن خبرة الحزب الديمقراطى فى استخدام القوة لاتقل ضراوة عن خبرة الحزب الجمهورى باستثناء ماحدث فى العراق، فقد استخدم الرئيس الديمقراطى الأسبق بيل كلينتون القوة المسلحة ضد بن لادن فى أفغانستان، وضد أحد مصانع الأدوية فى السودان، وضد العراق ذاته عام 1998، ثم في حرب كوسوفو ضد القوات الصربية، وكان مضطرا أحيانا ولم يكن كذلك فى حالات أخرى، ومن الصحيح أن بعضها قد ترافق مع تحالفات دولية أو حملة علاقات عامة، لكنها تظل عمليات عسكرية بصورة ما، وبعضها لم يكن له مبرر كما أن بعضها الآخر قد فشل.
إن التوجهات التى أعلنها مرشح الرئاسة الأمريكى بشأن استخدام القوة المسلحة من جانب الولايات المتحدة إذا ما أصبح رئيسا تبدو نموذجية إلى حد كبير، ومن هنا تأتى مشكلتها الأولى، فما يقوله كيرى هو ما تقوله النظريات بشأن محددات استخدام القوة العسكرية، ومن المؤكد أنه ينوى أن يفعل ذلك، لكن ترجمة تلك المبادئ إلى توجهات خاصة بسياسة دفاعية محددة تجاه قضايا معينة قد يواجه صعوبات مختلفة.
من هنا كانت التساؤلات عما يمكن أن يفعله كيرى بالضبط فى حالات محددة كالعراق. وتتمثل إجابة كيرى هنا فى أن القوات ستكمل مهامها، ولم يقل أحد من القادة الديمقراطيين – ماعدا جيسى جاكسون – أن هذه القوات يمكن أن يتم سحبها، وبالتالى ستواجه “إدارة كيرى ” المحتملة مشكلة مستمرة فى الحفاظ على تلك التوجهات “النظرية” فى مواجهة مشكلات غير تقليدية فى معظم الأحيان.
لكن الأهم من ذلك هو مابدا من أن هناك ثوابت فى التوجهات الأمريكية بشأن استخدام القوة العسكرية، فكيرى يدرك بالفعل أهمية القوة المسلحة، وكل ماقاله يرتبط بضوابط استخدامها، لذا حرص دائما على أن يؤكد أنه قادر على اتخاذ قرار حرب، وأنه سيعمل على تطوير القوة العسكرية الأمريكية.
وقد أشار نائبه المحتمل جون إدواردز إلى هذه المسألة بوضوح لايقل عما يطرح من جانب إدارة بوش، فقد رفض الالتزام بالتخلى عن نظرية “الحرب الوقائية” لكنه قال إنها لن تكون المبدأ المسيطر على عمل القوات المسلحة الأمريكية كما يحدث حاليا، وعندما بدأ يتحدث عن تنظيم القاعدة قال أنه سيوجه إليه رسالة محددة وهى “سوف ندمركم”، فهناك تغيير محتمل قد يحدث، لكن المؤكد أن هناك أيضا عمليات سوف .. تستمر!
د. محمد عبد السلام – واشنطن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.