هل سيكون الحل في “الهجرة المنظمة” ؟
تشرف المنظمة الدولية للهجرة على برامج تجريبية في مجال الهجرة المنظمة مع إيطاليا استفادت منها لحد الآن كل من مصر وتونس (من بين الدول العربية).
فهل سيتحول هذا المشروع الذي لقي دعما في قمة 5 زائد 5 لدول جنوب غرب حوض البحر الابيض المتوسط إلى نظام هجرة بديل يجنب المنطقة الويلات المترتبة عن الهجرة غير القانونية؟
في خضم ما تتناقله وكالات الأنباء عن سقوط العديد من الأرواح ضحية محاولات الهجرة غير القانونية خصوصا في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط، ومع تعدد الروايات عن ابتزاز عصابات المهربين لمرشحي الهجرة غير القانونية، تثير التجربة التي تخوضها المنظمة الدولية للهجرة بين إيطاليا من جهة وتونس ومصر من جهة أخرى اهتمام المختصين وارتياح الأطراف المعنية بهذا الملف الشائك.
برنامج تجريبي مع مصر
فقد شرعت المنظمة الدولية للهجرة (التي تتخذ من جنيف مقرا لها) منذ عام 2001، بالتعاون مع الحكومتين المصرية والإيطالية في بحث سبل تقنين عملية الهجرة من مصر إلى إيطاليا بشكل منظم ومستمر.
ولا غرابة أن يتم اختيار مصر وإيطاليا للقيام بالتجربة نظرا لأن إجمالي عدد المغتربين المصريين في الخارج يتجاوز 3،5 مليون شخص. من جانبها، تقدر السلطات الإيطالية عدد المصريين العاملين بشكل شرعي فوق أراضيها بحوالي 45 ألف شخص، فيما تذهب الحكومة المصرية إلى تقدير العدد الإجمالي لمواطنيها في إيطاليا(ما بين شرعيين وغير شرعيين) بحوالي 90 ألف شخص.
وبتوقيع الحكومتين الإيطالية والمصرية على اتفاق تفاهم بخصوص ما سمي بـ “النظام المتكامل في مجال الهجرة”، تم الشروع في تجربة نظام هجرة جديد قد يتحول في مستقبل الأيام إلى أنموذج متبع لهجرة نظامية سليمة ومفيدة للطرفين.
وتقول غراتسيالا رضا، مديرة المشروع في المنظمة الدولية للهجرة: “إنها بمثابة وسيلة هامة تسمح لنا بالتوفيق بين طلبات الشركات الإيطالية الراغبة في تشغيل يد عاملة، وبين تطلعات يد عاملة مصرية للحصول على موطن شغل في إيطاليا”.
تحضيرات مع تونس
أما تونس، التي تشارك إلى جانب إيطاليا في مجموعة 5 زائد 5، فقد شرعت هي الأخرى في تجربة أخرى تمثلت، في مرحلة أولية، في إرسال بعثة تدريبية لموظفي الوزارات المعنية بالهجرة في شهر أبريل الماضي للتعرف على احتياجات القطاع الصناعي الإيطالي من اليد العاملة التونسية.
وقد سمحت تلك الدورة بإطلاع الجانب الإيطالي على الإمكانيات المتوفرة من اليد العاملة التونسية وذلك عبر قاعدة بيانات (بنك معلومات) شرعت تونس في إعداده عن الاحتياطي المتوفر لديها من اليد العاملة القادرة على تلبية رغبات أرباب العمل الإيطاليين. ومن بين النتائج الملموسة التي تحققت في الدورة تحديد 3000 فرصة عمل ممكنة.
وقد قامت المنظمة الدولية للهجرة بمساعدة البلدين في المناسبتين، حيث حرص مكتبها في روما على تنظيم العديد من الملتقيات عبر التراب الإيطالي لتحسيس أرباب العمل الإيطاليين بالموضوع وإطلاعهم على خصوصية البرامج التي ترعاها في مجال “الهجرة المنظمة”.
كماأصدرت المنظمة (بالاشتراك مع مصالح الهجرة التونسية) كتيبات لإطلاع المرشحين للهجرة على الشروط الواجب توفرها فيهم للعمل ضمن برامج “الهجرة المنظمة” المقترحة، وحرصت على تقديم نصائح لمراكز التكوين المهني التونسية لمساعدتها على الإيفاء بمتطلبات البلد المستقبل لليد العاملة (أي إيطاليا في هذه الحالة).
شروط يجب توفرها
يخضع المرشحون للهجرة المنظمة إلى جملة من المعايير التي يجب توفرها. أولى الشروط في حالة الهجرة إلى إيطاليا، ضرورة الإلمام باللغة الإيطالية ووجوب التمتع بصحة جيدة تسمح بالعمل في البلد.
وبعد اجتياز مرحلة الاختبار والفحص الطبي وفقا للمعايير الإيطالية، يخضع المرشح للهجرة لمرحلة تكوين مكثف في اللغة الإيطالية في معاهد متعاقدة مع برنامج الهجرة المتكاملة. ومن المقرر أن يتوجه في الربيع المقبل إلى إيطاليا، 181 مهاجرا مصريا تم اختيارهم من بين 481 مرشحا. أما تونس فقد سارعت إلى تكوين بنك معلومات يشتمل على سير ذاتية مفصلة لالآف المرشحين للهجرة.
ومن خلال باعتماد البلدان المعنية على تقنيات التواصل الجديدة وعلى شبكة الإنترنت في نشر المعلومات الخاصة بموضوع “الهجرة المنظمة” على مواقع مخصصة لهذا الموضوع في كل من تونس ومصر (كما يتضح من الوصلات المرفقة بالتقرير)، أصبحت المعلومات الخاصة بالهجرة المنظمة في متناول الجميع تقريبا.
هجرة مفيدة وحسب الطلب
وإذا ما نجحت التجربة المصرية وتعززت بالبرنامج التونسي مع إيطاليا، فإن هذا التمشي، (الذي لا زال محط نقاش في الحوار الجاري بين البلدان الأعضاء في مجموعة 5 زائد 5)، قد يُعتمد من طرف دول متوسطية أخرى تعاني من ظاهرة الهجرة غير الشرعية مثل الجزائر والمغرب وباقي البلدان الإفريقية.
وبما أن أوروبا تعاني من ارتفاع نسب الشيخوخة لسكانها وتجد نفسها مضطرة للإعتماد أكثر فأكثر في المستقبل على عمالة أجنبية في شتى المجالات، فقد تشكل برامج الهجرة المنظمة المبرمة بشكل ثنائي وتحت رعاية المنظمة الدولية للهجرة، أحسن إطار لضمان حقوق وحاجيات كل الأطراف.
تجدر الإشارة إلى أن هذه البرامج تنص على أنه بعد استفادة البلد المستقبل من يد عاملة رخيصة نسبيا لفترة زمنية محددة، يعود المهاجرون إلى بلدانهم مزودين بتجربة وخبرة تفيد أوطانهم، إضافة إلى إسهامهم في إنعاش اقتصاد البلاد بفضل تحويلاتهم المالية طوال فترة العمل في الخارج.
من جهة أخرى، يُذكر لجوء الدول المستقبلة ليد عاملة أجنبية عند الحاجة، بنظام تعتمده سويسرا منذ عقود يتلخص في فتح صنبور الهجرة حسب الطلب ووفقا لحاجيات ومتطلبات شتى القطاعات الإقتصادية في الكنفدرالية.
يُـشـار إلى أن سويسرا حددت مؤخرا أوليات صارمة فيما يتعلق باستقبال حصص اليد العاملة الأجنبية من ثلاثة دوائر جغرافية محددة وهي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي أولا، ثم الدول الأعضاء في الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر EFTA ثانيا، ثم باقي الدول الغربية، وأخيرا باقي أنحاء العالم.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.